صفات المنهج العلمي في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


صفات المنهج العلمي في علم الاجتماع:

أولاً: التسليم بمبدأ الحتمية

يؤكد المنهج العلمي بأن كافة مظاهر الطبيعة نتاج لعمليات أو أحداث حقيقية فكل ظاهرة لها تاريخ يتلّخص في الأحداث التي سبقت حدوث الظاهرة، وبناء على ذلك فإن العلماء لا يقتصرون على وصف أي ظاهرة أو حدث ولكنهم يبحثون دائماً إلى توضيح العلاقات بين الظاهرة التي يتعلمونها وبين ما سبقها من أحداث أدت إلى قوعها.

وتختلف الحتمية العلمية عن الحتمية الميتافيزيقية في أن الحتمية العلمية تفتش عن مسببات الظاهرة في الطبيعة بينما تفتش الحتمية الميتافيزيقية عن مسببات الظاهرة في قوى فوق طبيعية، والتسليم بمبدأ الحتمية الطبيعية في المنهج العلمي هو الذي أدى بعلماء الحياة إلى اكتشاف مسببات الأمراض في الجسم الإنساني أو في البيئة الطبيعية مثل الميكروبات، وبالتالي أمكن علاج هذه الأمراض بالأساليب العلمية الناجحة، كما أن التسليم بمبدأ الحتمية الطبيعية هو الذي أدى إلى اكتشاف مسببات الفيضانات، وبالتالي أمكن التحكّم فيها بإقامة للسدود، وجميع القوانين العملية قد تم التوصل إليها نتيجة التسليم بهذا المبدأ.

ثانياً: التسليم بترابط ووحدة ظاهرات الطبيعة

يسلم المنهج العلمي بأن جميع ظاهرات الكون مترابطة ومتفاعلة مع بعضها البعض، وبالتالي فإن على العلماء أن يكشفوا عن طبيعة هذا الترابط والتفاعل وأن يتوصلوا إلى القوانين التي تحكمه، وقد أمكن للعلماء استرشاداً بهذا المبدأ أن يتوصلوا إلى الكثير من القوانين سواء في مجال الظاهرات الجامدة الفيزيقية أو الظاهرات الحية البيولوجية أو الظاهرات الإنسانية الاجتماعية.

فقانون الجاذبية ليس إلا تعبيراً عن تفاعل الأجرام السماوية فالأرض ترتبط بغيرها من الكواكب في المجموعة الشمسية، كما أن المجموعات الشمسية ذاتها ترتبط بغيرها من التكوينات والمجموعات السماوية والكائنات الحية تتصل ببعضها البعض ويتأثر كل منها بالآخر ويؤثر عليه ليس هذا فحسب، ولكن هذه الكائنات جميعاً تتصل بالبيئة التي تتكيف معها وتتأثر بها وتؤثر عليها وليس أدل على وحدة وترابط كافة ظاهرات الكون، ممّا تم للعلماء اكتشافه عن العلاقة بين الشمس ظاهرة فيزيقية والحياة.

ثالثاً: الاعتماد على الأدلة التي يمكن التحقق من صدقها لقبول أو رفض أي حكم أو فكرة

والأدلة هنا تعني الوقائع التي يمكن ﻷي عالم مدرب على الملاحظة العلمية أن يلاحظها ويرتبها أو يقيسها أو يحصيها وأن يتأكد منها، وهذه الخاصية تحدد نوعية الظاهرات التي يدرسها العلم، فالعلم لا يدرس إلا تلك الموضوعات التي يمكن الحصول على أدلة محسوسة عنها أو بعبارة أخرى العلم لا يدرس إلا الأشياء التي لها وجود موضوعي في الطبيعة.

وهذه الخاصية تجعل العلماء مرنين في تفسيراتهم للظاهرات التي يدرسونها فإذا ما وجدت أدلة تنفي ما سبق أن توصلوا إليه من تفسيرات فأنهم يرفضون هذه التفسيرات على الفور أو يعدلون منها، وعلى ذلك فليس في العلم صدق أو حقيقة مطلقة ولكن الصدق دائماً في العلم نسبي، فالعلماء لا يعتقدون أن هناك استنتاجات تصلح لكل زمان ومكان في ظل كل الظروف، وجمع الاستنتاجات العلمية تخضع للتعديل بل وحتى الرفض إذا ما وجدت أدلة جديدة تستدعي ذلك، وهذا ما يفرق بين العلم والعقيدة.

والعلماء يحصلون على الأدلة عن طريق إجراء الملاحظات العلمية التي تختلف عن الملاحظات العادية في أنها تتصف بعدة صفات أهمها:

1- الدقة في الملاحظة العلمية:

ونعني بها أن العالم يتأكد دائماً من أن وصفه للأشياء التي يلاحظها مطابق لما هي عليه في الواقع، فالعالم لا يقول مثلاً أن هذه الغابة مليئة بالأشجار الميتة، إلا إذا تأكد تماماً بعد فحص جميع الأشجار أنها قد ماتت فعلاً.

2- التحديد في الملاحظة العلمية:

تتصف الملاحظة العلمية أيضاً بالتحديد، وبينما تعني الدقة صحة الملاحظة يعني التحديد وتعيين درجة معينة للشيء الملاحظ، فقولنا أن الغابة مليئة بالأشجار الميتة ملاحظة دقيقة إذا تأكدنا من موت الأشجار ولكنها ملاحظة غير محددة ﻷن كلمة مليئة غير واضحة، ولكننا إذا قلنا أن جميع أشجار الغابة ميتة أو أن 90% منها ميتة لكانت ملاحظتنا دقيقة ومحددة أيضاً.

لذلك فإن العلماء يعتمدون في ملاحظاتهم على القياس ويستخدمون لذلك مختلف المقاييس الدقيقة مثل الترمومتر لقياس درجة الحرارة والبارومتر لقياس الضغط ومقاييس الذكاء والشخصية والاتجاهات الاجتماعية.

3- التسجيل الدقيق في الملاحظة العلمية:

يلجأ العلماء دائماً إلى تسجيل ملاحظاتهم بدقة حتى يمكن الرجوع إليها فيما بعد ومقارنتها بملاحظات غيرهم، وهم لا يعتمدون على ذاكراتهم لما يمكن أن تحدثه من تشويه أو نقص في الدقة الملاحظات ولكنهم يستخدمون لذلك أجهزة للتسجيل الدقيق في مختلف المجالات.

المصدر: أصول البحث الاجتماعي، عبد الباسط حسن.علم الاجتماع الريفي، غريب سيد أحمد.محاضرات في تصميم البحوث، محمد سعيد فرح.مناهج البحث العملي، محمد الجوهري.


شارك المقالة: