صناعة النسق الثقافي في الفعل الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


صناعة النسق الثقافي في الفعل الاجتماعي:

تمثل صناعة النسق الثقافي وفق متطلبات القوة، آلية خطيرة في توجيه بناء الفعل بأنساقه المختلفة، حيث تتمحور هذه الصناعة الثقافية حول السيطرة على الوعي، أو بتعبير آخر، اعتقال الوعي والإدارة الحرة، فتقيد طرق التوجيه والتصرف، وتحاصر قواعد الفعل ونتائجه.
ومن هنا، فإن النسق الثقافي يتضمن الآليات الحقيقية، لرسم صورة الامتثال، والطاعة الآلية ومستويات الخضوع، وحدود رفع الرأس المسموح بها، وطرق التعبير والهيئة وغير ذلك مما يفترض أن يأتيه الطرف الخاضع ضمن فعله في مجالات تحكم القوة.
لذلك فإن الفاعل الخاضع عليه أن يجيد استهلاك منتجات الصناعة الثقافية المشوهة، وأن يتقن استخدامها، فهي تزود الفاعلين بمنتجات السلوك اللفظي المرغوب، والتعابير المخرجة اللالفظية المطلوبة، ومختلف المسارات العملية للفعل، ويتضمن ذلك إظهار الرضا والقبول المقنع، وألفاظ المديح والتملق، وأفعال التذلل بالخضوع.
يجسد النسق الثقافي سيطرة أصحاب القوة، عن طريق مرتبته المركزي بين أنساق الفعل الأخرى، فهو يمثل المحتوى الحقيقي لبناء نسق الشخصية، وكذلك يتضمن المحتوى الحقيقي لوحدات النسق الاجتماعي، والأهم من ذلك، أنه يتضمن آلية الربط الرئيسية بين نسق الشخصية والنسق الاجتماعي، ولذلك فقد وصفه بارسونز بنمط التماسك، الذي يحفظ توافق الوحدة الداخلية بين الأنساق، كما تعمل الأنساق على إعادة إنتاجه من خلال نسق الشخصية الذي يعزز ثباته في النسق الاجتماعي.
يظهر في التوازن التفاضلي نمط تماسك، يموّه محتوى الوعي، ويعمل على استقرار التفاضل في القوة وتعزيزه، عن طريق روابط الإذعان، التي تكمن في بنيته وهي ثلاث روابط رئيسية:

الرابطة الأولى: النسق الثقافي والشخصية، وهي الرابطة التي تتكون بموجبها أشكال “الفكر المؤلج” والتوجيهات القيمية الدافعة إلى الخضوع في بناء الشخصية.
الرابطة الثانية: النسق الثقافي والنسق الاجتماعي، وتتأصل بموجبها أشكال “الفكر المؤلج” في تكوين توقعات الدور، والتوجيهات القيمية الدافعة إلى الرضا بمستويات الإشباع في النسق الاجتماعي.

الرابطة الثالثة: نسق الشخصية والنسق الاجتماعي، فهي تشكل مؤسسة الارتباط السلبي التوافقي، بين حافزية نسق الشخصية وتوقعات الدور في النسق الاجتماعي.
تتفاعل هذه الروابط الثلاث مع بعضها البعض في دائرة تفاعلية تنشأ من النسق الثقافي إلى نسق الشخصية، ومن ثم إلى النسق الاجتماعي، وأحياناً من النسق الثقافي إلى النسق الاجتماعي إلى نسق الشخصية، حيث تؤدي إلى تواصل الخضوع وإطالة مدته، وتعمل على إثبات الوضع القائم.

المصدر: الإشكاليات التاريخية في علم الاجتماع السياسي، عبد القادر جغلول، 1982.النظرة الارتقائية، محمد الطالبي، 1979.التفكير الاجتماعي نشأته وتطوره، زيدان عبد الباقي، 1972.السببية والحتمية عند ابن خلدون، مها المقدم، 1990.


شارك المقالة: