طرق لدراسة أثر العلاقات بين الأقران في ارتكاب الجرائم

اقرأ في هذا المقال


لطالما كانت العلاقات بين الأقران أساسية في دراسة الانحراف ولسبب وجيه، حيث يقضي المراهقون الكثير من الوقت مع أصدقائهم وينسبون إليهم أهمية كبيرة ويتأثرون بهم بشدة خلال هذه الفترة من العمر أكثر من أي وقت آخر، فخلال فترة المراهقة يصبح الأصدقاء قدوة أساسية والمراهقون معرضون بشكل خاص لديناميكيات الأقران، وبالتالي فليس من المستغرب أن تكون إحدى النتائج الأكثر اتساقًا وقوة في أدبيات علم الجريمة هي أنّ المراهقين الذين لديهم أقران منحرفون هم أكثر عرضة لأن يكونوا جانحين أو مجرمين.

ما هي شبكات الأقران وعلاقتها بالجريمة

توفر الدراسات الإثنو[رافية للمراهقين في البيئات المدرسية معلومات مهمة عن دور شبكات الصداقة خلال فترة المراهقة، وتكشف هذه الدراسات أنّ التواجد مع الأصدقاء يعد جانبًا مهمًا جدًا من الحياة المدرسية لمعظم الطلاب وأنّ المشكلات الارتباطية مع الأقران تزعج المراهقين بشكل خاص، وينبع جزء من الأهمية التي تُعزى إلى الصداقات من التغييرات الهيكلية التي تحدث في البيئة المدرسية أثناء الانتقال من المدرسة الابتدائية إلى المدرسة الإعدادية والثانوية، وبعد هذا الانتقال يواجه المراهقون عددًا كبيرًا وأكثر تنوعًا من الطلاب وغالبًا ما تستند حالة الفرد في هذا الإعداد الجديد إلى كونه معروفًا من قبل أقرانه.

بعد ذلك يتحدث العديد من الطلاب عن الحاجة إلى توسيع شبكاتهم الشخصية لتجنب الضياع والعزلة في البيئات المدرسية الجديدة، وتشير أهمية إيجاد منصب داخل شبكات صداقة أكبر إلى أنّ المراهقين معرضون بشكل خاص لتأثير الأقران خلال هذه السنوات الانتقالية بما في ذلك القيود السلوكية التي قد تدفعهم نحو السلوك المشكل أو بعيدًا عنه، وهذا القلق بشأن تحديد موقع داخل التسلسل الهرمي للمدرسة واكتساب شعور بالانتماء بين أقرانهم يقود الطلاب إلى تبني مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات لتعزيز تضامن واندماج الأقران.

على سبيل المثال قد تستخدم الفتيات النميمة لتوجيه وتقييد السلوك بين الأقران، وقد يفرض الأولاد معايير الذكورة مثل تشجيع السلوكيات التي تؤكد على العدوانية والسيطرة والصلابة، وتشير هذه النتائج إلى أنّ شبكات الصداقة والأقران يمارسون تأثيرًا كبيرًا على السلوك خلال سنوات المراهقة بما في ذلك الانحراف، وعلى الرغم من الكم الهائل من الأبحاث التي تدرس أهمية سلوك الأقران للانحراف فإنّ مساهمة علاقات الأقران في الانحراف لا تزال مثيرة للجدل وذلك مع نظريات مختلفة تقترح أسبابًا مختلفة للارتباط بين سلوك المؤيد للمجتمع والسلوك الإجرامي في المجتمع بين الأصدقاء والفرد.

طرق دراسة دور الأقران في ارتكاب الجرائم

وجدت دراسات حديثة أنّ علاقة جنوح الأقران بالإبلاغ الذاتي عن الجنوح أكثر أهمية من أي متغير مستقل آخر، بغض النظر عما إذا كان التركيز على جرائم الحالة أو جرائم الملكية البسيطة أو جرائم العنف أو تعاطي المخدرات، وعلى الرغم من أنّ الأبحاث السابقة تثبت أنّه من المرجح أن يتصرف المراهقون بطريقة تتفق مع أصدقائهم، إلّا أنّها بدأت مؤخرًا فقط في دمج بنية شبكة علاقات الصداقة في النماذج التجريبية.

من خلال تجاهل البنية الاجتماعية الأساسية لأنماط الصداقة فشلت الأبحاث السابقة في قياس جنوح الأقران بشكل مناسب ودمج الهيكل الذي تعمل فيه عمليات الأقران، وعلى الرغم من وجود مجموعة كبيرة من الأبحاث التي توثق دور تأثير الأقران في جنوح المراهقين، إلّا أنّ البحث حول دور الأقران الجانحين كان محدودًا بثلاث طرق مهمة وهي:

1- أولاً استخدمت الأبحاث السابقة تعريفًا أقل من الدقة لمجموعة الصداقة التي يُعتقد أنّ التأثير المعياري يحدث فيها، وطلبت معظم الدراسات في أدبيات علم الإجرام التي تدرس تأثير دور الأقران على الانحراف من المراهقين ببساطة التفكير في أصدقائهم بشكل عام، والإبلاغ عما إذا كان أصدقاؤهم قد شاركوا في سلوك غير قانوني معين أو مجموعة من السلوكيات غير القانونية، ونتيجة لهذه الاستراتيجية ليس من الواضح من الذي تم تضمينه في تعريف المراهقين للأصدقاء، بالإضافة إلى ذلك لم يتم جمع أي معلومات عن أفراد اجتماعيين إيجابيين (أي الأصدقاء الذين يمتنعون عن الجريمة أو الانحراف).

2- ثانيًا تم استخدام مقاييس إشكالية لتأثير الأقران، وبالنسبة للجزء الأكبر اعتمدت الأبحاث السابقة على تصورات المراهقين لسلوك الأصدقاء، ولذلك فإنّ النهج القياسي لقياس جنوح الأقران يحتوي على تحيز من نفس المصدر يضخم إلى حد كبير التشابه في السلوك بين الأقران، وفي جميع الدراسات الجنائية تقريبًا تأتي المعلومات المتعلقة بالأصدقاء من أوصاف المراهقين لسلوك أصدقائهم بدلاً من تقارير هؤلاء الأصدقاء عن سلوكهم.

مثل هذه التدابير تضخم التشابه في السلوك بين المراهقين وأقرانهم لأنّ الناس يميلون إلى إبراز مواقفهم وسلوكهم على أصدقائهم، وهي ظاهرة يشير إليها علماء النفس الاجتماعي على أنّها تشابه مفترض أو إسقاط، وعلى الرغم من أنّ مثل هذه النتائج قد دفعت العديد من العلماء إلى التحذير من استخدام تقارير المراهقين عن الأقران، كان هناك اعتراف محدود بهذه المشكلة في البحث عن الجريمة والانحراف، وتظهر مثل هذه النتائج أنّ هناك بعض الحقيقة في حجة جوتفريدسون وهيرشي بأنّ تقارير المراهقين عن جنوح أقرانهم قد تكون مجرد مقياس آخر للجنوح المبلغ عنه ذاتيًا.

3- ثالثًا أهملت الأبحاث السابقة النظر في دور الخصائص البنيوية لعلاقات الصداقة، ومن خلال التغاضي عن بنية شبكات الصداقة افترضت الأبحاث السابقة أنّ كل فرد في شبكة الصداقة يتأثر بسلوك الأصدقاء بالمثل، وهذا تبسيط مفرط لعمليات الشبكة لأنّه يتجاهل موقع المراهق داخل الشبكة (على سبيل المثال المركزية مقابل المحيطية)، وتماسك الشبكة (أي الترابط بين أعضاء الشبكة)، ومكانة المراهق (على سبيل المثال الشعبية) داخل الشبكة، وهذه الخصائص الهيكلية تشكل الدرجة التي يتأثر بها المراهقون بديناميات المجموعة.

الطرق الحديثة لكشف دور الأقران في ارتكاب الجرائم

لحسن الحظ بدأ العمل الأخير على الشبكات الاجتماعية وتحليلات الشبكات يشق طريقه إلى عمل الباحثين المهتمين بفهم عمليات الأقران من حيث صلتها بجرائم المراهقين وانحرافهم، وتم تحفيز الكثير من هذا العمل الأخير من خلال توفر مجموعة بيانات جديدة، وعمل دراسة طولية لصحة المراهقين والتي تسمح للباحثين بالتغلب على القيود الموضحة للتو، وتتمثل ميزة هذه البيانات في أنّه يمكن استخدامها لدمج منظور الشبكة الاجتماعية للتوسع في عملية التأثير المعياري التي يُعتقد أنّها تولد تشابهًا بين الأقران بين الأصدقاء.

على وجه التحديد يسترشد منظور الشبكة بافتراض أنّ السلوكيات التي يعرضها أعضاء الشبكة، وكذلك هيكل الشبكة لها عواقب مهمة لفهم السلوك اللاحق، وفي سياق الانحراف يشير هذا إلى أنّ التعرض للسلوكيات المؤيدة أو المضادة للانحراف سيعتمد على هيكل الشبكة وموقع المراهق داخل الشبكة والسلوكيات المعروضة في الشبكة، بالإضافة إلى ذلك وعلى عكس استراتيجيات القياس السابقة يقدم منظور الشبكة إستراتيجية قياس مرغوبة أكثر حيث يتم تحديد شبكة الصداقة بعناية، وتأتي الردود حول السلوكيات مباشرة من وجهات نظر الأصدقاء مع مراعاة تجانس الشبكة وهيكلها، وتتضمن نقطة البداية لدراسات الشبكة مطالبة المراهقين بوصف سلوكهم وتحديد أصدقائهم.

كما تتضمن الخطوة الثانية تحديد مكان الأصدقاء وإجراء مقابلات معهم مع وصف الأصدقاء لسلوكهم ثم التعرف على أصدقائهم وما إلى ذلك، وفي أفضل سيناريو يقدم جميع المراهقين والأصدقاء من فئة المراهقين هذه المعلومات، ويتيح ذلك إنشاء الروابط بين الأصدقاء لأغراض بناء شبكات صداقة تحليلية بخصائص هيكلية يمكن تحديدها ويسمح للباحثين بقياس سلوك الأصدقاء استنادًا إلى الردود الفعلية للأصدقاء أنفسهم.

المصدر: رؤوف عبيد، أصول علمي الإجرام والعقاب (دار النهضة العربية، القاهرة 1985).إيناس محمد راضي (19-9-2015)، "الجريمة"، University of Babylon ، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.أ. د. محمد جبر الألفي (20-10-2016)، "ماهية الجريمة الجنائية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.سعد الراشد (27-1-2015)، "أسباب الجريمة وطرق مكافحتها"، الجماهير، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2017.


شارك المقالة: