ظاهرة كثرة الشتائم والسب

اقرأ في هذا المقال


ذهب علم الاجتماع مؤخرًا نحو دراسة الجانب الإيجابي للتجربة البشرية، ومع ذلك فقد اكتشف عدد قليل من الباحثين تعقيدات الإساءة اللفظية، ويقدم عملهم منظورًا مثيرًا للفضول حول ظاهرة كثرة الشتائم والسب والطرق التي يستخف بها الأشخاص مع بعضهم البعض، وتعزز مصطلحات القيم المهينة.

ظاهرة كثرة الشتائم والسب

يدرس أحد أكثر خطوط البحث إثارة للاهتمام الأشكال الأساسية التي تتخذها الإساءة اللفظية، وهل تشترك الإهانات في بعض المواضيع المشتركة، وماذا يمكن أن تكون؟ دراسة اجتماعية رائدة موجهة لهذا السؤال من خلال دراسة الخصائص الشخصية والتقييمية للغاية، وتم حذف هذه الخصائص من الدراسات السابقة التي حددت الأبعاد الأساسية للشخصية البشرية.

لأنهم يتحدثون عن شعور المستخدم السيئ أكثر مما يتحدثون عن سمات الشخص الذي وصفهم، فقد تم إهمالهم عن عمد، ولكن لهذا السبب بالذات قد يكشفون عن الأبعاد الأساسية لعداء الإنسان.

ظاهرة كثرة الشتائم والسب والثقافة

وجد علماء الاجتماع في دراسة ظاهرة كثرة الشتائم والسب أن الإهانات كانت تستخدم كنافذة على الاختلافات الثقافية في مفاهيم الشخصية، ففي الثقافات الجماعية حسب رأيهم يرى الناس أنفسهم على أنهم جزء لا يتجزأ من شبكة العلاقات الأسرية وبالتالي فإن الإهانات سوف تمزق الشبكة بدلاً من استهداف الشخص بمعزل عن الآخرين، وفي الثقافات الفردية حيث يرى الناس أنفسهم على أنهم مستقلون ومنفصلون من المرجح أن تؤدي الإهانات إلى التقليل من شأن الشخص المفرد.

وجمع الباحثون مختارات من الإهانات من المشاركين في عدة مجتمعات في العالم، حيث يميل مجتمعات الشمال إلى أن يكون أقل جماعية من الجنوب، وصنفوا الإهانات على أنها فردية أو علائقية، ففي مجتمعات الجنوب ينتقص من عقل الشخص أو سماته الجسدية أو أخلاقه أو ميوله الجنسية، وتستهدف في مجتمع الشمال أفراد الأسرة أو العلاقات الأسرية المحرمة أو هويات المجموعة الموسومة.

ظاهرة كثرة الشتائم والسب من منظور لغوي واجتماعي

من منظور لغوي اجتماعي يُنظر إلى السب على إنه نوع من السلوك اللغوي الذي يعتبره المجتمع غير محترم ومبتذل وحتى مسيء، وهذه الظاهرة الاجتماعية هي ظاهرة لغوية جديرة بالتحقيق بسبب وظيفتها التنظيمية الاجتماعية، وبدأ علماء الاجتماع المهتمين بهذه الظاهرة بالدراسات التاريخية حول هذا الموضوع، ثم ركزوا على أشكال الشتائم التي يمكن استخدامها كألفاظ مستقلة، كما درسوا الكلمات البذيئة التي على الرغم من طابعها المستقل هي تستخدم كأجزاء من وحدات أكبر.

معايير مشتركة لظاهرة كثرة الشتائم والسب

بالإضافة إلى ذلك يسلطون الضوء على من خلال هذه الظاهرة الاجتماعية واللغوية على خصائص الشتائم، وتضم أمثلة مختلفة من الباحثين السابقين والمعاصرين، وقد حدد علماء الاجتماع أربعة معايير مشتركة بين جميع حالات الشتائم والسب هي:

أولاً، السب هو استخدام الأقوال التي تحتوي على كلمات محرمة، ويضيف استخدام الكلمات المحظورة في الشتائم التركيز على الرسالة التي يرغب المتحدث في نقلها، وفي نفس الوقت يسب كثيراً وينتهك القواعد الثقافية.

ثانيًا، بينما المعنى الحرفي لهذه الكلمات المحرمة هي تستخدم بالفعل في الشتائم فهي لا تحمل الكثير من الوزن.

ثالثًا، بسبب المعجم والقيود الجملية والنحوية تعتبر الشتائم نوعًا من معادلات اللغة.

أخيرًا، تشكل الشتائم مثالًا على استخدام اللغة العاكسة لذلك يكشف عن مواقف ومشاعر المتحدث.

خصائص ظاهرة كثرة الشتائم والسب

بالإضافة إلى هذه المعايير يلاحظ علماء الاجتماع في هذه الظاهرة الاجتماعية أن بعض أنواع الشتائم دخلت في المجتمعات واللغات التي لم يسبق استخدامها من قبل نتيجة لزيادة الهجرة، ويشرح العلماء كيف أن درجة العدوانية للكلمة المحظورة ليست ذات صلة إلى القوة المتصورة للمحرمات والتي تتغير في النهاية بمرور الوقت، إذ قد تميل المواد المحظورة خلال النهار إلى القبول وللبث ولاكن بعد ذلك بساعات تصبح مقيدة.

بالإضافة إلى ذلك لا يمكن استبدال المصطلحات المحرمة بمرادفاتها الحرفية في سياق الشتائم على الرغم من أنها تعرض القابلية للتبادل مع كلمات أخرى في هذا السياق المحدد، على سبيل المثال قول “أشعث” بدلاً من “اللعنة عليك” ويمكن استخدام “تبا لك!” لأنها تحمل نفس المعنى، ويشير هذا إلى أن الكلمات البذيئة تقدم شيئًا محددًا مرادف خاص بها، فالشتائم هي المعنى بمعنى أي لا يمكن فهم التسلسل بأكمله من الكلمات التي تحتوي عليها ولا من خلال التكوين النحوي.

وتعتبر هذه الميزة أحيانًا حالة من قواعد النحو والتي تكون مصحوبة بإزالة الفهم، فعدم القدرة على التحمل لفقدان المعنى شائع جدًا في الكلمات البذيئة.

ويتم استخدام السبّ بشكل أساسي للتعبير عن موقف المتحدث، ومع ذلك سيشكل المستمع أيضًا تفسيره الخاص للكلام على أساس المعلومات اللغوية وغير اللغوية المتاحة، وفي النهاية فإنه لا يمكن للمتحدث أن يكون متأكداً من التأثير الدقيق لأي استخدام للقسم، وهذه قد تؤدي إلى عواقب وخيمة أو عقوبات، ويشرح علماء الاجتماع بالتفصيل الفئات الفرعية للسبّ، ويستخدمون التمييز بين الوظيفة والموضوع باعتبارهما الجوانب الرئيسية للتصنيف المقدمة في دراستها.

ويشير مصطلح الوظيفة إلى استخدامات السبّ، بينما الموضوع يشير إلى مجالات لغة المحرمات التي يستمد منها الحلف أو كلماتها السيئة، ويمكن تقسيم الوظائف ذات الصلة إلى ثلاث فئات من قائمة بذاتها، وحشو فتحات وقسم بديل، لكل منها قسم خاص بها.

ويسرد علماء الاجتماع أيضًا موضوعات رئيسية بالإضافة إلى بعض الموضوعات الثانوية التي منها ترسم معظم اللغات مفردات الشتائم، والموضوع الرئيسي الأول هو الدين، ففي بعض الثقافات هناك فرق بين الشتائم السماوية والشيطانية، ولكن بين ثقافات آخرى من الواضح أن الموضوعات الشيطانية لا تحدث، والموضوع الثاني شائع جدًا هو موضوع مبعثر والثالث عن الأعضاء التناسلية، وكان استخدام الكلمات المحظورة للعضو الأنثوي هي الأكثر شعبية بين جميع اللغات التي تم دراستها، والمحور الرابع يدور حول الأنشطة الجنسية.

ففي بعض اللغات لا يستخدم المتحدثون مطلقًا كلماتهم المحظورة عن الجماع في الشتائم، وقد تكون موجودة في العديد من اللغات، ومن بين الموضوعات الثانوية يلعب الأسلاف دورًا مهمًا في العديد من الثقافات، وأيضاً الحيوانات والمرض أيضاً شائعة، ويلعب الموت دورًا مهمًا في جميع الثقافات، وتفضل بعض اللغات مصطلحات ملطفة لمناقشة هذا الموضوع.

تاريخ ظاهرة كثرة الشتائم والسب

يتناول علماء الاجتماع في دراسة ظاهرة كثرة الشتائم والسب تاريخ الشتائم ويشرحون أول مسجلات لحالات السب، ويشرحون جميع التأثيرات الاجتماعية والثقافية والعالمية لاستخدام السب حتى القرن العشرين، لذلك ركزوا على استخدام اسماء الآلهة في اللغة السيئة، بالإضافة إلى ذلك كانت الاختلافات بين الثقافات واضحة بين هذه الاستخدامات، ففي بعض المجتمعات قد يؤدي النطق بكلمة قسم في الأماكن العامة في العصور الوسطى إلى ظهور عقوبة الاعدام.

حيث يظهر تاريخ حالات السب إنه لم يتم استخدام الكلمات البذيئة في التفاعلات الشفوية لمئات السنين إلا من قبل سنوات من التسجيل بلغة مكتوبة، حيث لم يجرؤ الناس على استخدامها إلا في الكتابة، وعلى الرغم من هذه العقوبات الشديدة وصعود القوة خلال العصور الوسطى إلا إنه لم يتم القضاء على استخدام اليمين ولا انخفاضه، وفي الواقع زاد الشتائم وأصبح شائعًا جدًا بين جميع الشبكات الاجتماعية بغض النظر عن الجنس أو العمر.

علاوة على ذلك وصلت ظاهرة استخدام السب والشتائم إلى ذروتها أثناء القرن الثامن عشر، ولكن هناك أعضاء محترمين في المجتمع لم يستخدموا هذه اللغة.

ظاهرة كثرة الشتائم والسب كتعبير عن الغضب

ويظل السب هو الطريقة الأكثر شعبية للتعبير عن الغضب، وللإشارة إلى تعبيرات الألم أو المفاجأة أو الانزعاج،  وتمثل هذه التعبيرات مدخلات للمصطلحات البذيئة والشتائم والسب، حيث يظهر علماء الاجتماع أن غالبية المداخلات البذيئة تكون تعبيرات عن الغضب والانزعاج بطبيعتها، ويمكن استخدام المداخلات البذيئة بطريقتين مختلفتين هما:

أولاً، هناك تدخلات تفاعلية يُعتقد غالبًا أنها الأكثر شيوعًا والتي تشير إلى رد فعل المتحدث اللاإرادي تجاه المنبهات، كما هو الحال في علامات التعجب كمفاجأة أو انزعاج أو ألم.

ثانياً، على النقيض من ذلك فإن التدخلات البراغماتية تفي بالوظائف التواصلية للذاتية والتفاعلية والنصية، وهؤلاء الوظائف الثلاثة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بفئة العلامات البراغماتية واستخدامها.

المصدر: علم المشكلات الاجتماعية، الدكتور معن خليل، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الاردن، 1998المشكلات الاجتماعية المعاصرة، مداخل نظرية، أساليب المواجهة، الدكتور عصام توفيق قمر،2000 علم الاجتماع والمشكلات الاجتماعية، عدلي السمري ومحمد الجوهري، دار المعرفة الجامعية، القاهرة،1998 الظاهرة الاجتماعية عند إميل دوركايم، طالب عبد الكريم،2012


شارك المقالة: