كيف يؤدي تجريم مشكلة الفقر إلى التشرد

اقرأ في هذا المقال


يجادل علماء الاجتماع بأن قوانين مكافحة التشرد وإنفاذها والتي أثرت على غالبية الفقراء، تشكل عملية أكبر من تفشي العقوبات، إذ أن التفاعلات العقابية المتسقة مع مسؤولي الدولة نادراً ما تؤدي إلى الاعتقال، ولكنها تلحق ضرراً مادياً ونفسياً، ولا تؤدي هذه العملية إلى إعادة إنتاج التشرد فحسب بل تؤدي أيضًا إلى تعميق التفاوتات العرقية والجنسانية والصحية بين الفقراء.

كيف يؤدي تجريم مشكلة الفقر إلى التشرد

استجابةً للنمو الهائل في أعداد التشرد في جميع أنحاء العالم في الثمانينيات والانقلاب القضائي لقوانين مكافحة التشرد التي كانت تُمكِّن الشرطة تقليديًا من إدارة المدن المتعثرة تم وضع سياسات جديدة قيدت مجموعة واسعة من السلوكيات المرتبطة بالتشرد، بما في ذلك التسول والنوم في الحدائق والجلوس على الأرصفة، وبعد ثلاثين عامًا تنتشر هذه القوانين بمعدل غير مسبوق في جميع أنحاء العالم، فمعظم المدن لديها قوانين بلدية تعاقب السلوكيات التي تحافظ على حياة الأفراد المشردين.

وأظهرت الدراسات الأخيرة التي أجريت على مستوى العالمي من قبل علماء القانون أن معظم المدن لديها قوانين متعددة لمكافحة التشرد، على سبيل المثال يوجد في مدن كاليفورنيا تسعة قوانين لمكافحة التشرد في المتوسط، بينما يوجد في كل من لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو 21 و24 على التوالي، وقد يبدو كل قانون يتم اتخاذه بمفرده محدودًا في قيوده على السلوكيات المستهدفة، أما بشكل جماعي يجرمون التشرد بشكل فعال، كما أظهرت الدراسات منذ أكثر من عشرين عامًا إنه ما ينشأ هو حالة لا يوجد فيها مكان لمليون أو أكثر من المواطنين لأداء الأنشطة البشرية الأساسية مثل التبول والاغتسال والنوم والطبخ والأكل والوقوف.

فما هي تأثيرات هذه القوانين على التشرد وتكاثر الفقر بشكل عام؟ كرس علماء الاجتماع اهتمامًا كبيرًا لتسييس مشكلة اجتماعية كالإسكان والخدمات الاجتماعية في مشكلة إنفاذ القانون، ولكن تم إيلاء اهتمام أقل لتداعيات وتأثير هذا التحول على الأشخاص المشردين، وتم القيام بدراسة تقييم تجريبي لتأثير قوانين مكافحة التشرد على الأشخاص الذين يعانون من التشرد، وتقيّم هذه الدراسة بعض محددات وعواقب إنفاذها، فعند تحليلها بمعزل عن غيرها قد تبدو أوامر التحرك والاستشهادات هذه غير منطقية.

ولكن عند تحليلها كجزء من عملية أكبر للتجريم، فإن ما يتم أطلاق عليه تفشي العقوبات يثبت إنفاذ القانون ضد المشردين أن له عواقب وخيمة على قطاعات واسعة من السكان المشردين، علاوةً على ذلك كشفت النتائج التي تم التوصل إليها كيف أن انتشار العقوبة لا يؤدي فقط إلى إعادة إنتاج التشرد بل يؤدي أيضًا إلى توسيع التفاوتات العرقية والجنسانية والصحية بين المشردين والذين يعيشون في مساكن غير مستقرة.

انعدام الوطن والتجريم يؤدي ألى التشرد

على مدى السنوات الأربعين الماضية شهد العالم طفرة هائلة في السجون والمعتقلات، وارتفع عدد السجناء إلى أكثر من 500 في المائة من 380 ألف سجين في عام 1975، وتضم اليوم أكثر من 2.13 مليون شخص، وخلال هذه الفترة نفسها تحول التشرد من تجربة نادرة لمجموعة صغيرة من الرجال العزاب في الغالب إلى ظاهرة اجتماعية تؤثر على مجموعة متنوعة من أكثر من ثلاثة ملايين من الأسرة وأفراد فقراء في العالم كل عام.

وفي أعقاب ظهور حالات التشرد المتقدمة والسجن المفرط أنشأ علماء الاجتماع ارتباطات كمية مختلفة بين السجن والتشرد، على سبيل المثال، قضى 23 بالمائة من الأشخاص الذين لا مأوى لهم في الملاجئ وقتًا في السجن في العامين الماضيين وكشف 49 بالمائة من الأشخاص المشردين في دراسة استقصائية وطنية أنهم قضوا وقتًا في السجن و18 في المائة قضوا وقتًا في سجن حكومي مقارنة بخمسة في المائة من عامة السكان، ووجد الباحثون أن نسبة التشرد كانت 7.5 إلى 11.3 مرة أكثر انتشارًا بين نزلاء السجون من عامة السكان.

باختصار هناك علاقة قوية باستمرار بين نظام العدالة الجنائية والتشرد، ولتوضيح الديناميكيات الكامنة وراء هذه العلاقة بين العقاب والمشردين، قام العلماء بفحص الحركة من السجن إلى التشرد والعكس صحيح، ومن ناحية أظهر العلماء كيف أن الحبس يؤدي إلى التشرد، ويحدث هذا بشكل مباشر من خلال السياسات التي تستبعد الأشخاص الذين لديهم سجل جنائي من الإسكان الخاص والعام، وبشكل غير مباشر عبر الحواجز التي تحول دون الوصول إلى العمل والخدمات الاجتماعية.

والجميع يعلم أيضًا أن التشرد يعرض الناس بشكل غير متناسب للسجن من خلال تركيز خدمات المشردين في الأحياء الداخلية للمدينة التي تخضع للرقابة المفرطة والإغراء بارتكاب جرائم اليأس، ومع ذلك في حين أن هؤلاء العلماء قد تتبعوا تجريم التشرد كمسارات بين السجن والشارع لا يُعرف الكثير عن الاتصال الأكثر تواتراً بين التشرد ونظام العدالة الجنائية الذي لا يؤدي على الفور إلى الاعتقال، إذ تشمل قوانين مكافحة المشردين قيودًا نهارية على الوقوف والجلوس والراحة في الأماكن العامة، بما في ذلك التسكع والقيود الليلية على النوم والتخييم والسكن بما في ذلك في المركبات والتسول وتقاسم الغذاء.

كما كشفت العديد من الدراسات الحديثة أن ممارسة الشرطة في كل مكان للمجموعات الهامشية لها آثار على المراقبين إلى ما بعد الحبس، ولم يتم تسجيل هذه الآثار في الإحصاءات الرسمية للدولة، والأكثر ارتباطًا بالعلاقة بين المشردين والعقوبات هي الدراسات الحديثة التي أجراها عالم الاجتماع بيكيت هيربرت عام 2011 حول مراسيم النفي البلدية ودراسة السير ستيوارت عام 2016 حول الشرطة المفرطة وعمل جون روبنسون عام 2017 حول حفظ الأمن في حالة التشرد.

وتُظهر دراسات هؤلاء العلماء كيف أن الأشخاص الذين يسكنون بشكل هامشي يعيدون تنظيم مساحتهم ووقتهم لتجنب أي نوع من الاتصال بالشرطة، وكيف أن أرقام الاستشهاد والاعتقال الرسمية تتستر على آلاف الحالات التي يحتجز فيها الضباط ويستجوبون ويفتشون ويطالبون من السكان دون تفعيل إجراءات العدالة الجنائية الرسمية، وبالمثل يفحصون الممارسات الشرطية للتنبيهات والاستشهادات في الأماكن العامة، وهي ممارسات لا تترك سوى أثر ورقي صغير، وهو ما يزعم المسؤولون إنه انتهاكات مدنية غير عقابية.

ووجدوا القوانين غير فعالة إلى حد كبير حيث أن معظم الأشخاص الذين تم إبعادهم لم ينتهي بهم الأمر بمغادرة الأحياء التي تم استبعادهم منها، كما أضافت هذه الاستثناءات عوائق أمام الوصول إلى العمل والسكن، ومع ذلك لا تزال العديد من الأسئلة دون إجابة، على سبيل المثال:

1- كم عدد المرات التي يتعرض فيها المسكنون بشكل هامشي لتفاعلات الشرطة والاستشهادات والاعتقال؟

2- كيف تؤثر حالة المأوى أي العيش في الشوارع مقابل الإقامة في ملجأ أو فندق إيجار أسبوعي على تواتر تفاعلات الشرطة وتأثير الإنفاذ؟

3- هل ممارسات الشرطة المتحيزة التي وُجدت على أساس العرق والجنس والصحة العقلية في عموم السكان تنطبق بالمثل على أولئك الذين يعانون من التشرد؟

4- ما هو تأثير أوامر التحرك والاستشهادات على قدرة الناس على الهروب من التشرد والحفاظ على البقاء في الشوارع؟

المصدر: علم المشكلات الاجتماعية، الدكتور معن خليل، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الاردن، 1998المشكلات الاجتماعية المعاصرة، مداخل نظرية، أساليب المواجهة، الدكتور عصام توفيق قمر،2000 علم الاجتماع والمشكلات الاجتماعية، عدلي السمري ومحمد الجوهري، دار المعرفة الجامعية، القاهرة،1998 الظاهرة الاجتماعية عند إميل دوركايم، طالب عبد الكريم،2012


شارك المقالة: