كيف ينهار المجتمع بسبب العادات والتقاليد؟

اقرأ في هذا المقال


كيف ينهار المجتمع بسبب العادات والتقاليد؟

في بعض الأحيان لا يدرك الكثير من الأشخاص كمّية الأخطار التي تواجه مجموعة من المجتمعات، وذلك نتيجة ابتعاد أبنائها عن إطار الطقوس والتقاليد المتعارف عليها، والعمل على فرض تقاليد جديدة واقعية خاصة بهم لا تتأقلم مع الأعراف الاجتماعية السائدة، ما يهدد بانتشار أفكار هدامة تقوم على سيطرة التحرر غير المنضبط على سلوكيات الأفراد بدافع التمدن والتمرد على كل المسلمات الواقعية.

ومن أبرز أشكال هذا النوع من الانغلاق، تمسّك معظم الفئات المجتمعية بالكثير من ثقافات غريبة، إذّ أصبحت جزءاً أساسياً من تقاليد حياتهم اليومية، ويظهر ذلك أيضاً في طريقة لبسهم للملابس، أو القيام بأفعال تتنافى مع أخلاقيات ومبادئ مجتمعاتهم، وصولاً إلى استخدام لغة غريبة، حتى أصبحت لغتهم البديلة وتخلّوا عن اللغة الأم.

أيضاً ظاهرة ومشكلة التحرر المُطلق، إذّ تكون هذه الظاهرة دون أخذ المراعاة لحقوق الآخرين، كما أنه يقوم بالتدخل في كافة خصوصيات المجتمع المحيط به، وتقوى أساساته مشكلة أصحاب الفكر المتمرد على مجموعة العادات والتقاليد، حيث إنهم يعتبرون فكرة الابتعاد عنها أساس التطور والوصول إلى التحضر ومواكبة كافة مستجات العصر، والتمسك بكل ما هو قديم مدعاة للتخلف والرجعية، دون تفرقة بين أصول قديمة لا يمكن التخلي عنها مثل التي تتعلق بالزواج، وأخرى يمكن تجاوزها لأنها لم تَعد تصلح في هذا الزمن.

دليل ذلك، أن هناك جهة معينة تنظر إلى علاقات إقامة علاقات غير مشروعة بين الجنسين والزواج بطريقة غير شرعية، وتحرر المرأة بشكل مُطلق عن جميع القيود الاجتماعية وشرب الكحول، على أنها أمور مباحة في زمن التحضر، أزمة بعض المتمردين على العادات أنهم يقلدون بشكل أعمى، وينظرون إلى التحضر والتحرر بطريقة مُطلقة دون مراعاة لكون ذلك يتماشى مع المجتمع أم لا، غير مهتمين بأن الالتزام بما هو مناسب من العادات والتقاليد يرسخ الرقي بالمجتمع ويحصنه من السقوط.

إضافة لذلك أن بعض الأشخاص قاموا بتفسير أن عملية تعينهم للبعض من العادات والتقاليد كانت معاقة لحركة الحريات، وأيضاً يلزمون أنفسهم ببعض من التقاليد المستجدة، وهذا ما يعكس وجود محبة لدى هذه الفئة في التمرد على كل ما هو محافظ، بغض النظر عن كونه يتعلق بتقاليد أم لا، بذريعة أنه مدعاة للتخلف.

أيضاً خطورة التحرر المُطلق دون أيّ مراعاة لحقوق الآخرين، أنه يعتدي على خصوصيات المجتمع المحيط به ويقوض أساساته، ويفقده القدرة على التماسك، ومن ثم يتحلل قوامه المتمثل في فرض تقاليد المجتمع على سلوكيات الأفراد، وتصبح الحياة شبيهة بشريعة الغاب يفعل فيها الجميع ما يريدون.

ومن المعروف أن هناك مجموعة من العادات والتقاليد التي تعداها الزمن بالطبع، لكن توجد تقاليد أخرى التمادي عليها ضربة قوية للمجتمع، مثل الافتخار بالإلحاد والزنا وشرب الخمر والمخدرات والخروج عن إطار الأسرة والتبرج والتعري. تستطيع المجتمعات التي ما زالت تقدس الأعراف والتقاليد، أن تلفظ الأفعال المنحرفة التي تتنافى مع الآداب والأخلاقيات وتجعل مرتكبوها في عزلة خشية أن تتمدد أفكارهم على نطاق أوسع.

وذلك هو السبب الرئيسي لكي تتوارث التقاليد البناءة عبر الأجيال، الضمانة الحقيقية للتماسك المجتمعي والحصن القوي ضد الانهيار في دوامة التفكك وانتشار الأفكار الهدامة والممارسات غير السويّة.

وبعض الأنصار يعتقدون أن البُعد الكامل عن العادات والتقاليد التي تكون في المجتمعات، مهما كانت لأسباب لها علاقة بالتحضر أو الحداثة في أمور الحياة أجمعها، يعني أنه سوف يكون من صميم التمدن وما كان منبوذاً قبل عقود سوف يصبح مباحاً للجميع فعله.

لعل من أهم المكتسبات التي حازت عليها المجتمعات ذات الطابع المحافظ، أنها كانت قياس للدفاع القوي عن غياب تطبيق القوانين على المخطئين، حتى أصبح الجميع يلزمون تحت قوانين العرف الاجتماعي خوف أن يكونوا مكروهين أو مطرودين، وهو عقاب أشد قسوة من قانون الدولة الرسمي.

كما أن أمر الارتباط بالعادات والتقاليد قام بإلزام السكان بنمط معيشي يتصدى لمتطلبات الأشخاص التي تحمل في بعض الأوقات أفكاراُ غير لائقة، وهذا الأمر الذي لم يجعل كافة الأشخاص يستسلمون أمام المتطلبات المجتمعية؛ كان ذلك خوفاً من أن تكون موصومة بالعار والقضايا الكبيرة، وهي من التهم التي لا تسقط بالتقادم، كما أن التمرد على المجتمع وتقاليده هو بمكانة إعلان وفاة.

المصدر: موجز تاريخ العالم، هربورت جورج ويلز، 2005تاريخ واسط، أسلم بن سهل الرازيدول العالم حقائق وأرقام، محمد الجابريآثار البلاد وأخبار العباد، أبو يحيى القزويني، 2016


شارك المقالة: