ما هي الدولة الأخشيدية وأبرز أحداثها؟

اقرأ في هذا المقال


تأسيس الدولة الأخشيدية:

عادت مصر إلى أحضان الخلافة العباسية، تحكُّمها مباشرة بواسطة ولاة تعينهم من قِبَلها. لكن هذه الخلافة أصابها الوهن مرة أخرى في عهد المقتدر، وظهر عجزها في المحافظة على سلطانها في ولاياتها، ومنها مصر. فتجدَّدت المنافسة بين الولاة وعمّال الخراج، مم تسبّب في تدهور الوضع الداخلي.

وصاحب ذلك ظهور خطر خارجي تمثل في محاولات العبيديين غزو مصر فتطلب الوضع وجود حاكم قوي يملا الفراغ.‏ ويتصدى لهذه الأخطار، ويجعل من مصر دولة حاجزة أمام الزحف الفاطمي باتجاه الشرق، فولَّى الخليفة الراضي، محمد بن طغج بن جف، على مصر في عام (323 هجري)/(935 ميلادي)، وكلفه بهذه المهمة.

علاقة الأخشيديين بالخلافة العباسية:

اهتم محمد بن طغج، في بادىء الأمرن بتقوية مركزه في الداخل. فأنشأ جيشاً على غرار الجيش الطولوني. كما انتهج سياسة اقتصادية مُشابهة لسياسة ابن طولون في منهجه وأعماله فحقق الازدهار الاقتصادي للبلاد واكتسب مودة المصريين. ونجح في التصدي للحملات العبيدية التي هاجمت مصر بين أعوام (312 – 324 هجري)/(924 – 936 ميلادي)، وحافظ في الوقت نفسه على علاقته الطيبة مع الخلافة العباسية فولاّه الخليفة بلاد الشام أيضاً، ولقَبه (الأخشيد) ودّعي له به على منابر مصر والشام في عام (327 هجري)/(939 ميلادي).

كانت الخلافة العباسية، آنذاك تشهد تطورات سريعة بفعل الصراع من أجل الحصول على منصب أمير الأمراء، وقد تولاّه بجكم في عام (326 هجري)/(938 ميلادي)، بعد أن تغلب على ابن رائق الذي تطلع إلى ولايتيّ مصر والشام ليعوّض بهما عن خسارته. وتمكن من الحصول على تقليد الخليفة الراضي على حلب وأعمالها.

ولا شك بأن الخليفة كان يرى في هذا التقليد تحقيق مصلحة العباسيين القائمة على زرع بذور التفرقة، بين الولاة، وتعبيراً عن رغبة الخلافة في ألا تسمح بقيام نفوذ في الشام ومصر، يُمكن أن يُهدد مصالحها. ولم تكن تطمئن إلى وجود الأخشيديين في هذه المناطق القريبة من العراق، بالرغم من الموقف الحسن لابن طغج الذي يخدم المصالح العباسية ولا يُستبعد أن تكون هذه الخلافة قد وجهت ابن رائق إلى بلاد الشام لينافس الأخشيد ويحد من سلطته ونفوذه.

وما أن تسلم ابن رائق منصبه الجديد حتى طمع في الشام كلها. وراح يتدخل في أمور الأخشيديين. ورغم أن الأخشيد أظهر قلقه، وأبدى استياءه من ذلك، إلا أنه سلك معه مسلكاً حسناً وحاول استرضاءه. ويبدو أن ابن رائق لم يخف نواياه التوسعية، فتقدم باتجاه بلاد الشام واستولى على حمص ودمشق ثم سار إلى الرملة فالعريش في محاولة لدخول مصر. وهناك اصطدم بالقوات الأخشيدية في عام (328 هجري/(940 ميلادي)، لكنه هزم وتمكن من النجاة.

أراد الأخشيد، رغم انتصاره، تغليب المصلحة العامة للمسلمين على مصلحته الخاصة مقدّراً ظروف الخلافة العباسية المتدهورة، والتهديد المستمر لدولته من جانب الدولة العبيدية، ومن جهته. أدرك ابن رائق أن الموقف يقضي بالعودة إلى العقل والدخول في الصلح. وفعلاً، عُقد الصلح بين الجانبين، وقد تضمن أن يترك الأخشيد لابن رائق، الأراضي الشامية الواقعة شمالي الرملة، وتعهد بأن يدفع له مبلغ مائة وأربعين ألف دينار سنوياً عن الرملة.

وبعد عامين من إبرام المعاهدة، قتل ابن رائق في عام (330 هجري)/(942 ميلادي)، على يد ناصر الدولة الحمداني. فانتهز الأخشيد هذه الفرصة، وسيطر على بلاد الشام، دون مقاومة، وتقدم شمالاً حتى جاور الدولة الحمدانية، كما دخلت مكة والمدينة تحت سلطانه، فأضحى من أكبر القوى في العالم الإسلامي. واضطر الخليفة المُتقي إلى الاعتراف بوراثية ولايته على مصرء وأقرّه على بلاد الشام.

تجاور الدولتين الأخشيدية والحمدانية الطامعة في بلاد الشام:

أدى تجاور الدولتين الأخشيدية والحمدانية الطامعة في بلاد الشام إلى احتدام النزاع بينهما. فقاد سيف الدولة نشاط عسكري وحكم على حلب ودمشق في عام (333 هجري)/(945 ميلادي)، وأخذ يجهز نفسه لنزع والسيطرة على مصر، مما دفع الأخشيد إلى الخروج بنفسه إلى بلاد الشام لوقف التقدم الحمداني.
ونتيجة للاشتباك الذي حصل بين الطرفين في قنسرين، هُزِمَ سيف الدولة، ودخل الأخشيد حلب، واسترد دمشق، لكنه آثر مجدداً تغليب المصحلة العامة للمسلمين على مصلحته الشخصية. فعقد صُلحاً مع سيف الدولة تنازل له بموجبه عن حلب وشمالي الشام.

ويبدو أن الأخشيد أدرك ضرورة وجود قوة إسلامية في شمالي الشام، كقوة الحمدانيين، للتصدي لغارات البيزنطيين على المناطق الإسلامية، إضافةً إلى أن الأخشيديين في مصر كانوا يتعرضون تحت ضغوطات خارجية كبيرة من جهة العبيديين، كما أخذوا يواجهون بعض الحركات الاضطرابية مثل حركة غلبون في منطقة الأشمونيين. ومن ناحية أخرى فإن الخلافة العباسية لم تكن صادقة النية معه، فكانت ترسل الولاة إلى بلاد الشام لتهدد النفوذ الأخشيدي فيها. لذلك جنح إلى الصلح.

وكما حاول ابن طولون، من قبل ترحيل ديوان الخلافة العباسية إلى بلاد مصر، كذلك كرر الأخشيد هذه المحاولة في عام (332 هجري)/(944 ميلادي). وذلك حين استبد الأمراء الأتراك بالخليفة المتقي، وأحجم الحمدانيون عن مساعدته، فاضطر إلى الاستنجاد بالأخشيديين. لكن الخليفة أبى أن يترك عاصمته، وبتالي رفض طلب الأخشيد.

وبالرغم من فشله إلا أنه حصل منه على اعتراف بوراثية مصر له ولذريته من بعده، كما أقرّه على بلاد الشام. وتجدّد هذا الإقرار في عهد الخليفة المستكفي في عام (333 هجري)/(944 ميلادي). وقام الأخشيد بدوره بالدعاء للخليفة العباسي على المنابر في أنحاء ولايته.

توفي الأخشيد في عام (334 ه/(945 ميلادي)، وكان قد قام بوصاية الملك من بعده لابنيه الصغيرين أنوجور وعلي، على أن يتم ولاية كافور الحبشي حمل الوصاية عليهما. وبالفعل حَكَمَ كافور مصر اثنين وعشرين عاماً كوصي، حتى بعد توفي كل من أنوجور وعلي في عامي (349 هجري)/(960 ميلادي) و(355 هجري)/(966 ميلادي)، استبد بالحكم. واعترفت الخلافة العباسية به حاكماً على مصر.

لقد نجح كافور خلال فترة وصايته أن يُحافظ على ارتباط الدولة، وأن يحميها ضد خطر الحمدانيين في الشمال، والقرامطة الذين أغاروا على جنوبي بلاد الشام، وأمراء النوبة في الجنوب. كما تصدى للزحف العبيدي باتجاه مصر. لكن غارات العبيديين توالت على هذا البلد، كما نجح دعاتهم في بث الدعوة داخل المجتمع المصري. فدعا الخليفة العبيدي المُعز، كافور للدخول في طاعته، إلا أنه استطاع بدهائه وكياسته، أن يؤخر الغزو العبيدي لمصر طوال عهده.

الأحداث بعد وفاة كافور:

ثم حدث أن اضطربت الأوضاع في مصر بعد وفاة كافور في عام (357 هجري)/(968 ميلادي)، بفعل صغر سن حفيده وخلفه أو الفوارس أحمد، وعدم وجود شخصية قوية بين رجال البلاط تستطيع ملء الفراغ الذي تركه. أدرك الخليفة العبيدي المُعز، سوء الحالة السياسية والاقتصادية في مصر، فاستغلها واستولى على البلاد في عام (358 هجري)/(969 ميلادي).

والواقع أن النفوذ الأخشيدي أضحى بعد وفاة كافور في حكم الزائل. واقتضت الضرورة وجود قوة تملأ الفراغ الذي تركته القوة الأخشيدية، ومن ثم كان دخول العبيديين إلى كل من مصر وبلاد الشام بداية مرحلة جديدة من العلاقات التاريخية بين الخلافتين العباسية والعبيدية.

أسماء الأمراء الأخشيديين ومدة إمارة كل منهم:

1- محمد الأخشيد بن طغج (323 – 334 هجري)/(935 – 946 ميلادي).
2- أبو قاسم أناجور بن الأخشيد (334 – 349 هجري)/(946 – 960 ميلادي).
3- أبو حسن علي بن الأخشيد (349 – 355 هجري)/(960 – 966 ميلادي).
4- أبو المسك كافور (355 – 357 هجري)/(966 – 967 ميلادي).
5- أبو الفوارس أحمد بن علي (357 – 358 هجري)/(967 – 969 ميلادي).

المصدر: ❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفة د.محمد سهيل طقوش ص (204 – 208)❞ كتاب سلسلة تاريخ الأدب العربي العصر العباسي الأول ❝ مؤلفة شوقي ضيف❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفة سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث❞ كتاب الدولة العباسية ❝ مؤلفة محمود شاكر أبو فهر


شارك المقالة: