ما هي تشريعات أبو جعفر المنصور؟

اقرأ في هذا المقال


ما هي تشريعات أبو جعفر المنصور؟

إنَّ المنصور شرع في توحيد أفئدة أصحاب أبي مسلم بالأعطيات، وأساليب الترغيب والترهيب، والولايات، ووفى لأبي داود إبراهيم بن خالد بولاية خراسان إذ أبقاه عليها. ولم يكن أبو مسلم زنديقاً كما رماه بعضهم. ولكن يظهر أنه كان يخاف الله من ذنوبه، وقد ادّعى التوبة فيما كان منه من سفك الدماء في إقامة الدولة العباسية ‏ والله أعلم بأمره.

وقد روي أن عبد الله بن المبارك قد سأل عن أبي مسلم أهو أفضل أم الحجاج؟ فقال: لا تكلم أنَّ أبا مسلم كان أفضل من أحد. ولكن الحجاج كان شراً منه، وربما كان اتهامه ادعاء حركات الزندقة بعده بصلتها به استغلالاً لاسمه وجنسه. كان أبو مسلم يقتل لأقل إشارة أو شكِ في عدم الطاعة؛ أو تنفيذ الأمر، ولذا كان الناس جميعاً يخشونه.

وربما كان أصحابه أكثر الناس تذرُعاً منه بسبب صلتهم به فأي تصرُفٍ ربما يُفسّره بما يخطر على باله فتكون العاقبة القتل، وقد يكون قواده وخاصة أتباعه أكثر الناس راحة واطمئناناً بعد قتله، حيث كانوا على خوفٍ دائم، ولذا كانوا يكثرون التملق له، ويزاود في إظهار الطاعة أصدقاؤه وأعداؤه على حدٍ سواء.

ومن هنا كان قبضه على قوة الأمر في خراسان، فالكل يريدون الخدمة، ويتبارون في إظهار أنفسهم أمامه لتنفيذ ما يشير إليه، تطول يدا القاصي والداني، والصديق والعدو، والقريب والغريب. ويقال: إن المنصور قد استدعى رؤوس الأمراء فجعل يستشيرهم في قتل أبي مسلم قبل أن يعلموا بقتله، فكلهم يشير بقتله، ومنهم من كان إذا تكلم أسرّ كلامه خوفاً من أبي مسلم لئلا يُنقل إليه، فلما أطلعهم على قتله أفزعهم ذلك وأظهروا سروراً كثيراً.

وعندما حجٌ المنصور عام (144 هجري)، استخلف على الحيرة والعساكر القائد خازم بن خزيمة، ولما وصل أبو جعفر إلى المدينة استقبله الناس، ومنهم عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فسأله عن ولديه محمد وإبراهيم فحلف له بأنه لا يعرف مكانهما.

وما ذاك إلا أن محمد بن عبد الله بن حسن كان قد تم مُبايعته لجماعة من أهل الحجاز في وأوائل دولة مروان الحمار بالخلافة ونزعها من مروان، وكان من جملة من بايعه على ذلك أبو جعفر المنصور، وذلك قبل تحويل الدولة إلى بني العباس، فلما صارت الخلافة إلى أبى جعفر المنصور خاف محمد بن عبد اللّه بن الحسن وأخوه إبراهيم منه خوفاً شديداً.

وذلك لأن المنصور أدرك أنه سيخرُجا عليه كما أرادا أن يخرجا على مروان، والذي توهّم منه المنصور وقع فيه، فذهبا فراراً إلى البلاد الشاسعة فذهبا إلى اليمن، ثم ذهبا إلى الهند فاختفيا بها، دل على مكانهما فهربا إلى موضع آخر، ولم يستطع المنصور العثور عليهما. وألح المنصور على والدهما في طلب ولديه فغضب عبد الله من ذلك وقال: والله لو كانا تحت قدمي ما دللتك عليهما، فغضب المنصور، وأمر بسجنه، كما أمر ببيع رقيقه وأمواله، فلبث في السجن ثلاث سنين، وأشاروا على المنصور بسجن بني حسن عن آخرهم فحبسهم.

وجدّ المنصور في طلب محمد وإبراهيم جداً هذا وهما يتفقدون الحج في غالب السنين، ويمكُثان في المدينة في غالب الأوقات، ولا يشعر بهما أحد. والمنصور يعزل نائباً عن المدينة ويولي عليها غيره ويحرّضه على إمساكهما والتفتيش عنهما، وبذل الأموال في طلبهما، ولكن دون جدوى.

وقد دفع متابعتهما على الفتك بالمنصور في بعض السنوات بين الصفا والمروة إلا أن عبد الله بن حسن قد نهاهما لشرف البقعة، وقد اطلع المنصور على ذلك من بعض أمرائه وهو أبو العساكر خالد بن حسّان إذ كان من أتباع محمد بن عبد الله بن حسن، ومن الذين كانوا يريدون الفتك بالمنصور، إذ عذّبه المنصور حتى أقرَّ بما كانوا قرروه.

فقال: وما الذي صرفكم عن ذلك؟ فقال: عبد الله بن حسن نهانا عن ذلك. وجاء محمد بن عبد الله إلى والدته فقال: يا أُماه! إني قد حزنت على أبي وعمومتي، ولقد هممت أن أقوم بوضع يداي في يد هؤلاء لأريح أهلي، فذهبت أمه إلى السجن فعرضت عليهم ما قال ابنها، فقالوا: لا ولا كرامة، بل نصبر على أمره فلعل الله أن يفتح على يديه خبراء ونحن نصبر، وفرجنا بيد الله إن شاء فرّج عنا، إن شاء ضيّق. واتفق كلهم على ذلك.

وقام ببعث المنصور آل حسن من سجن المدينة إلى سجن العراق، كما بعث معهم محمد بن عبد الله العثماني، كما كان أخوه عبد الله بن حسن لوالدته، وكانت ابنته رقية زوجة لإبراهيم بن عبد الله بن حسن. وقد هلك أكثرهم بالسجن، وخرج من بقي منهم بعد وفاة المنصور،

ضاق محمد بن عبد الله ذرعاً بوضعه، وأضرّ به شدة الاختفاء، وإلحاح نائب المدينة فى طلبه، وتأنيب أهل المدينة له في اختفائه وعدم ظهوره حتى عزم على الخروج في آخر يوم من جمادى الآخرة إذ سار مع مائتين وخمسين من أتباعه فمر على السجن فأخرج من فيه، وانطلق إلى دار الإمارة فدخلها، وقبض على أميرها رياح بن عثمان المزني فسجنه، ودانت له المدينة، وولى على الناس عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير، وعلى عثمان بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.

الأحداث التي جرت على المُبايعة:

وصل الخبر إلى المنصور فندب له ابن أخيه عيسى بن موسى، وأمره أن يدعوه إلى الطاعة وله الأمان. وسار عيسى بن موسى بعشرة آلاف فارس ومعهم محمد بن أبي العباس السفاح، وحميد بن قحطبة، وجعفر بن حنظلة. وأرسل محمد بن عبد الله إلى مكة المكرمة الحسن بن معاوية فدخلها، وهزم السري بن عبد الله صاحب مكة.

كما بعث برجال إلى أهل الشام ليأخذوا له البيعة من رجالها، فمنهم من أجاب، ومنهم من امتنع وقد انهكت الحرب البلد، ومنهم من قال: خرج محمد بن عبد الله في المدينة وليس فيها مال يستعين به على استخدام الرجال. تحصّن محمد بن عبد الله بالمدينة وحفر خندقاً حولها، ووصل إليها عيسى بن موسى فدعا محمد ثلاثة أيام إلى الطاعة فردّه وخذّل عيسى عن محمد أصحابه بإعطائهم الأمان.

وأن أهدافه هو أخذ محمد إلى العراق إلى الخليفة وحده، فتحلل عقد أهل المدينة وتفرّق عن محمد كثير من أصحابه وخاصةً بعد أن قال لهم: إن جعلتكم في حل من بيعتي، فمن أحبّ منكم أن يُقيم عليها فعل، ومن أحبّ أن يتركها فعل، فتسلل أكثرهم، ولم يبق معه إلا قلة منهم. وأرسل عيسى بن موسى خمسمائة فارس من جيشه نزلوا على طريق مكة كي لا يتمكن محمد بن عبد الله من الهرب إلى مكة.

واستمرت الرسل بين الطرفين ثلاثة أيام في بداية العشر الثاني من شهر رمضان من العام نفسه. فلما كان اليوم الثالث تضاف الطرفان، وكان مع عيسى بن موسى أكثر من أربعة آلاف، ولم يرد أصحاب محمد على الثلاثمئة إلا قليلاً. واقتتل الفريقان، وترجّل محمد إلى الأرض وقاتل قتالاً شديداً فقضى على أكثر من سبعين رجلا من أصحاب عيسى، وأحاط بأصحابه جيش العراق فقتلوا الكثير، واقتحموا الخندق، ولم تزل الحرب حتى صلى الناس العصر.

وبعد الصلاة اشتعلت الحرب، وتغلبت الكثرة، وفرَّ عدد من أتباع محمد وبقي في قلةٍ تناقصت تدريجياً حتى بقى وحده، وما تقدّم إليه أحد إلا هلك حتى تكاثر عليه القوم، وضربه رجل بسيف فسقط على ركبتيه المقاومة فحرّ رأسه، وأرسله إلى المنصور، ودفن الجثة بالبقيع. أما عيسى بن موسى فقد اتجه إلى مكة وعليها الحسن بن معاوية من قبل محمد بن عبد الله، وكان قادماً إلى المدينة نجدةً له، فلما بلغه مقتله فرَّ إلى البصرة حيث قد خرج فيها إبراهيم بن عبد الله.

ودخل عيسى بن موسى مكة، وقد أناب على المدينة كثير بن حصين، فاستمر بها شهراً، ثم
بعث المنصور لها عبد الله بن الربيع فعاث جنده في المدينة فساداً فثار عليه السودان ففرّ من وجههم بعد أن قتلوا عدداً من جنده ثم رجع إليهم فهزموه فانهزم منهم، وخاف أهل المدينة مغبة ذلك فكمّوا مواليهم وفرّقوهم، وعاد عبد الله بن الربيع فنكل برؤوس السودان.

المصدر: ❞ كتاب الدولة العباسية ❝ مؤلفة محمود شاكر أبو فهر صفحة (106 – 110)❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفة سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث❞ كتاب سلسلة تاريخ الأدب العربي العصر العباسي الأول ❝ مؤلفة شوقي ضيف❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفة د.محمد سهيل طقوش


شارك المقالة: