مقدمة في الأنثروبولوجيا

اقرأ في هذا المقال


ما هي الأسئلة التي يحاول علماء الأنثروبولوجيا الإجابة عليها؟

لماذا الناس متنوعون جداً؟ يعيش بعض الناس في منطقة التندرا القطبية المتجمدة، والبعض الآخر يعيش في الصحاري القاحلة في جنوب الصحراء الكبرى، وغيرها يعيش في الغابات الكثيفة في بابوا غينيا الجديدة. يتكلم البشر أكثر من 6000 لغة مميزة، ويبلغ طول بعض الأشخاص بالكاد خمسة أقدام بينما ينحني البعض الآخر ليلائم إطار الباب القياسي، وفي بعض الأماكن، عادة ما يكون لدى الناس بشرة داكنة جدًا، وفي أماكن أخرى يكون الناس شاحبين بشكل عام.

في بعض المجتمعات، يكون أكل الخنازير أمرًا صارمًا ومحظوراً في حالات أخرى، ويعتبر لحم الخنزير طعامًا عاديًا إلى حد ما. فما الذي يجعل الناس يختلفون عن بعضهم البعض؟ وما هي الجوانب التي يتشاركون بها؟ كيف يختلف البشر عن الرئيسيات الأخرى؟ كيف تتكيف القرود مع أماكن مختلفة؟ كيف ولماذا تطور البشر في المقام الأول؟ هذه بعض الأسئلة التي يحاول علماء الأنثروبولوجيا الإجابة عليها.

ما هو علم الأنثروبولوجيا؟

الأنثروبولوجيا مشتقة من كلمة أنثروبوس اليونانية، وتعني الإنسان ويشير (logy) إلى دراسة. ولذلك الأنثروبولوجيا، عن طريق التعريف، هي دراسة البشر. وعلماء الأنثروبولوجيا ليسوا علماء فقط للتركيز على حالة الإنسان، كعلماء الأحياء، وعلماء الاجتماع وعلماء النفس وغيرهم بل يفحصون الإنسان أيضًا من حيث الطبيعة والمجتمعات.

ومع ذلك، فإن علماء الأنثروبولوجيا يرسمون بشكل فريد على أربعة مناهج رئيسية لإجراء أبحاثهم هي: الشمولية والمقارنة والديناميكية والعمل الميداني، حيث أن الأنثروبولوجيا هي انضباط واسع وديناميكي بشكل لا يصدق، كما تدرس الإنسانية عن طريق استكشاف الماضي والحاضر وكل ما يوجد من البيولوجية والتعقيد الثقافي.

منهج الشمولية في الأنثروبولوجيا:

يهتم علماء الأنثروبولوجيا بالإنسانية جمعاء، وكيف تتقاطع جوانب مختلفة من الحياة البيولوجية أو الثقافية، حيث لا يمكن للمرء أن يفهم تمامًا ما يعنيه أن يكون إنسانًا من خلال دراسة جانب واحد من الأجسام أو المجتمعات المعقدة. إلا باستخدام نهج شامل، حيث يسأل علماء الأنثروبولوجيا عن كيفية تفاعل الجوانب المختلفة مع بعضها البعض والتأثير عليها. على سبيل المثال، قد يفكر عالم الأنثروبولوجيا البيولوجية الذي يدرس القردة في أن دراسة الأنواع الفيزيائية والتكيفات وأنماط العلف والظروف البيئية والتفاعلات مع البشر قد تساعد في الإجابة عن أسئلة حول سلوكياتهم الاجتماعية.

ومن خلال فهم كيفية تصرف الرئيسيات غير البشرية، يستطيع علماء الأنثروبولوجيا أن يكتشفوا المزيد عن البشر، وبعد كل شيء، عالم الأنثروبولوجيا الثقافية يدرس الزواج في قرية صغيرة قد تأخذ بعين الاعتبار المعايير الجنسانية المحلية، والشبكات العائلية القائمة، والقوانين المتعلقة بالزواج، والقواعد الدينية، والاقتصادية من أجل فهم المعاني الخاصة للزواج في هذا السياق. وباستخدام نهج الشمولية، يُقدر علماء الأنثروبولوجيا مدى تعقيد أي ظاهرة بيولوجية أو اجتماعية أو ثقافية.

كما تعتبر الأنثروبولوجيا نفسها هي تخصص شامل، يتألف  من أربعة مجالات رئيسية للدراسة تسمى التخصصات الفرعية للأنثروبولوجيا وهي: الأنثروبولوجيا الثقافية والأنثروبولوجيا البيولوجية والأنثروبولوجيا اللغوية وعلم الآثار، وهناك حاجة إلى جميع التخصصات الفرعية الأربعة لفهم خبرة الإنسان، والتي تشمل الثقافة واللغة والتكيفات البيولوجية والاجتماعية، بالإضافة إلى تاريخ وتطور وعلاقة الرئيسيات البشرية بالرئيسيات غير البشرية.

نهج المقارنة في الأنثروبولوجيا:

الأنثروبولوجيا هي تخصص مقارن، حيث أن علماء الأنثروبولوجيا يقارنون البيانات من أجل فهم ما هو مشترك بين جميع البشر، وكيف يختلفون، وكيف تغيروا بمرور الوقت؟ ويمكن أن يكون النهج المقارن تاريخيًا أي كيف يختلف البشر اليوم عن الإنسان العاقل القديم؟ وكيف تتكيف اللغة الإنجليزية مع طرق اتصال جديدة مثل الهواتف الذكية؟ ويتم تطبيق النهج المقارن أيضًا على الظواهر الاجتماعية والثقافية. حيث يمكن مقارنة أدوار الرجال والنساء في المجتمعات المختلفة أو التقاليد الدينية المختلفة في إطار معين في المجتمع.

ويقارن بعض علماء الأنثروبولوجيا أنواعًا مختلفة من الرئيسيات، ويحققون في السمات المشتركة بين جميع الرئيسيات (بما في ذلك البشر!) أو تحديد السمات التي تميز مجموعة من الرئيسيات عن الأخرى. على عكس بعض التخصصات الأخرى التي تستخدام مناهج المقارنة أيضًا، فإن علماء الأنثروبولوجيا لا ينظرون فقط إلى الجنس أو المجتمع، بل تمتد مقارنتهم إلى المجتمعات والثقافات والوقت والمكان والأنواع.

نهج الديناميكية في الأنثروبولوجيا:

البشر هم من أكثر الأنواع ديناميكية. حيث قد مكنت قدرة الإنسان على التغيير، بيولوجيًا وثقافيًا، من أن تستمر على مدى ملايين السنين، وتزدهر في العديد من البيئات المختلفة، واعتمادًا على تركيز أبحاثهم، يسأل علماء الأنثروبولوجيا عن جميع أنواع التغييرات: قصيرة الأجل أو طويلة الأجل، والمؤقتة أو الدائمة أو الثقافية أو البيولوجية، على سبيل المثال، قد ينظر عالم الأنثروبولوجيا الثقافية في كيفية تعامل الناس نسبيًا لتغير المجتمع المعزول في سياق العولمة، وعملية التفاعل والاعتماد المتبادل بين مختلف دول وثقافات العالم.

وقد يسأل عالم الأنثروبولوجيا اللغوية كيف يمكن أن يظهر شكل جديد من اللغة، مثل (Spanglish). وقد يتساءل عالم آثار عن كيفية تأثير تغير المناخ على ظهور الزراعة. وقد يفكر عالم الأنثروبولوجيا البيولوجية في كيف أدت الأمراض التي أصابت أسلاف البشر إلى تغييرات في أجسامهم، كل هذه الأمثلة لإبراز الطبيعة الديناميكية للأجسام والمجتمعات البشرية، فبينما يختلف البشر عن أسلافهم الذين عاشوا منذ آلاف السنين، فهم يشاركوهم هذه القدرة على التغيير.

نهج العمل الميداني في الأنثروبولوجيا:

لا يعمل علماء الأنثروبولوجيا فقط في المختبرات أو المكتبات أو المكاتب. فهم لجمع البيانات، يذهبون إلى حيث يعيش بياناتهم، سواء كانت مدينة أو قرية أو كهف أو غابة استوائية أو صحراء، وفي مواقعهم الميدانية، يقوم علماء الأنثروبولوجيا بجمع البيانات التي تعتمد على الانضباط الفرعي والتي قد تكون على شكل مقابلات مع السكان المحليين، أو أمثلة على اللغة المستخدمة، أو بقايا الهياكل العظمية، أو بقايا ثقافية بشرية مثل قطع الفخار أو الأدوات الحجرية.

بينما يطرح علماء الأنثروبولوجيا مجموعة من الأسئلة ويستخدمون مجموعة متنوعة للإجابة على أسئلتهم البحثية، فإنهم يشاركون هذا الالتزام لإجراء أبحاثهم من أصل المكاتب وفي الميدان، ويبقى الاهتمام الأساسي للأنثروبولوجيا هو المشاركة التي ينطوي عليها العمل الميداني، حيث يزود العمل الميداني القائم على أسس تجريبية الأنثروبولوجيا بأفكارها الإثنوغرافية وأدواتها التحليلية.

وعلى مر السنوات، أصبح علماء الأنثروبولوجيا يوجهون إدراكهم إلى الانقسام الكبير بين الأنثروبولوجيا التي توجه نظريًا والأنثروبولوجيا الأكثر تطبيقاً، ومن ثم فإن التحديات الرئيسية للانخراط في الأنثروبولوجيا هي إعادة ربط النظرية والتطبيق العملي، وإنشاء منصة للحوار بين النظرية والتطبيق.

المصدر: محمد الجوهري، مقدمة في دراسة الأنثروبولوجيا، 2007محمد الجوهري، الأنثروبولوجيا الاجتماعية، 2004ابراهيم رزقانة، الأنثروبولوجيا، 1964كاظم سعد الدين، الأنثروبولوجيا المفهوم والتاريخ، 2010


شارك المقالة: