ملاحظات عن مفهوم القوة في النظرية السوسيولجية

اقرأ في هذا المقال


ملاحظات عن مفهوم القوة في النظرية السوسيولجية:

  • حظي مفهوم القوة بدرجات مختلفة من الاهتمام في النظرية السوسيولجية، حيث اختلفت مركزية المفهوم في الأطروحة الأساسية للمنظورات المختلفة.
    وبصورة أكثر تفضيلاً يمكن العثور على متصل في أحد قطبية تقع هامشية القوة وفي القطب الآخر مركزية المفهوم ومحوريته، فالنظريات قصيرة المدى وبصورة خاصة التفاعلية الرمزية، والظاهراتية والإثنوميثولوجي، ركزت اهتمامها على المعنى وانبثاقه وتأويله، ونأت بذاتها عن مفهوم القوة، وغيبته من حساباتها للحياة اليومية، وإمكانية تأثيره على سياقات المعنى التي تتخذها موضوعاً لها، وفي الجانب المقابل، شكّل مفهوم القوة، قضية مركزية بالنسبة لنظرية الصراع وبصورة خاصة النظرية الماركسية، حيث اتصلت سلسلة الأحداث والإجراءات التي تطرحها النظرية بالقوة.
    حيث إنه بين هذين القطبين، تَظهر استخدامات ومستويات مختلفة من التركيز على المفهوم واتصاله بمقولات النظرية المختلفة، وضمن كل منظور يمكن العثور على مستويات متنوعة من الاهتمام بمفهوم القوة، مما يعكس من اللاتجانس الفكري في محتوى هذه المنظورات، ومثال على ذلك الفروقات القائمة بين هومانز وبلاو وإمرسون في مركزية المفهوم وطريقة استخدامه ضمن إطار التبادلية، وكذلك الأمر بالنسبة للأعمال التوليفية عند جدنز وبورديو، حتى في الوظيفية والصراع.
  • اقترن استخدام وتوظيف مفهوم القوة، بالأيديولوجيا التي تستند عليها النظرية، فالنظريات قصيرة الأجل كانت هي الأساس إعادة الاعتبار إلى الفاعل الإنساني بنشاطه وإبداعيته، من خلال إنتاجه المعنى وتحويره بين الفاعلين، التي نزلت من اعتبارها مقولات البناءات الكلية الخارجية التي يمكن أن تؤثر على الذوات الفاعلة، بما في ذلك بناءات القوة ومؤسساتها، وانزلق هذا الإجراء إلى إنكار القوة، حتى في إطار العلاقات القائمة بين الفاعلين في الحياة اليومية والآثار المترتبة عليها.
    أما بالنسبة للنظرية الوظيفية، التي اعتمدت على مقولات الاعتدال والاستقرار وإمكانيات تشكيل النظام فقد اعتبرت القوة بتفاضلاتها ونتائجها عنصراً وظيفياً، يحقق المصلحة العامة ويؤدي تحقيق الضبط وحفظ الاعتدال والاستقرار، حتى عند استخدام الصورة المتطرفة من القوة الذي اعتبرته النظرية طارئاً بالنسبة للأعمال التوليفية عند جدنز وبورديو التي حاولت التوفيق بين الذاتي والموضوعي أو البناء والفرد.
    فقد كانت أكثر ميولاً إلى تحليل مفهوم القوة وارتباطاته أكثر من متابعته كأطروحة ذات بداية ونهاية، حيث كانت أطروحتها الرئيسية التوليفية هي الممارسات الاجتماعية، ولذلك من الطبيعي أن يأتي استخدامها للقوة وسيطاً لا متجاهلاً ولا مركزاً، بينما كان التركيز على مفهوم القوة وتوظيفه في الأطروحة الأساسية واضحاً بالنسبة لنظرية الصراع، ونظرية التبادل، مع التحفظ على هومانز وكوزر، حيث حاولت هذه النظريات تفسير التناقضات وما يترتب عليها من صراعات وتغييرات اجتماعية، مما دعى إلى استخدام مفهوم القوة بصيغته التفاضلية وربطة بحتمية الاستغلال والصراع والتغير.
  • يمكن استخلاص ثلاثة سياقات للمعنى في النظرية السوسيولوجية بالاعتماد إلى استخدام مفهوم القوة، فقد ظهرت (اتساقية المعنى وحياديته) بالنسبة لنظريات المعنى قصير المدى، والتي حررت المعنى من البناءات والقوى والقيود المفروضة عليه، بينما ظهرت (لا اتساقية المعنى وانحيازه)، في نظرية الصراع والتبادلية وكذلك الأعمال التوليفية، وخاصة عندما انتقلت من تحليل مفهوم القوة، حيث مارست الحيادية، إلى وضعه في الممارسة الاجتماعية.
    وفي هذا السياق تظهر سلبية المعنى في إطار كافة الدلالات المدركة المنبثقة في علاقات القوة، مثل اللاعدالة، الاستغلال، والخضوع، ويتصل ذلك بمشاعر العداء والكراهية والاستياء، أما بالنسبة للوظيفية، فقد بيّنت (اتساقية المعنى وإيجابيته) بالنسبة للقوة وتفاضلاتها، ومظاهر ذلك العدالة، المصلحة العامة، وخير المجموع، ويتصل بذلك مشاعر الرضا والارتياح.
  • يتبيّن أن معظم النظريات التي تناولت مفهوم القوة، قد انطوت على ثلاثية متلاحمة وهي (القوة، المعنى، والشرعية)، حيث يظهر المعنى في علاقة القوة، باعتباره معياراً دلالياً، يتصل بصورة جوهرية بتوقعات الأفراد ومدركاتهم، وتقديراتهم الدينامية للعلاقة القائمة، وهذا يقود إلى قبول وتسويغ للعلاقة أو عدم قبولها، ولذلك يبيّن دور المعنى عن طريق اتصاله بالشرعية، سواء كان إضفاء الشرعية أم سحب الشرعية، فإن الأمر متصل بالمعنى ودلالاته في العلاقة، وهنا يظهر قصور النظريات قصيرة الأجل مرة أخرى، بعد أن تجاهلت سياقات القوة واتصالها بالمعنى وشرعية العلاقات القائمة، على الرغم من أنها تمثل نظريات في المعنى بصورة أساسية.
  • إن مختلف النظريات السوسيولوجية عكست في محتواها مصادر كثيرة للقوة مثل رأس المال، وملكية أدوات ووسائل الإنتاج، أو الموقع التنظيمي، أو الموقع السياسي أو اكتساب المعلومات والمعرفة، ويمكن اعتبار مصدر القوة، أي شيء يمكن الجماعة أو الفرد من فرض إرادته على الآخرين.

المصدر: الإشكاليات التاريخية في علم الاجتماع السياسي، عبد القادر جغلول، 1982.النظرة الارتقائية، محمد الطالبي، 1979.التفكير الاجتماعي نشأته وتطوره، زيدان عبد الباقي، 1972.السببية والحتمية عند ابن خلدون، مها المقدم، 1990.


شارك المقالة: