المنظور الشمولي في الأنثروبولوجيا والإثنوغرافيا

اقرأ في هذا المقال


منظور الشمولية في الأنثروبولوجيا:

في مجال إنقاذ الإثنوغرافيا، نشط علماء الأنثروبولوجيا في النصف الأول من القرن العشرين ووثقوا أي شيء وكل ما في وسعهم عن الثقافات التي اعتبروها مهددة بالانقراض، فهم جمعوا القطع الأثرية من خلال التنقيب في المواقع القديمة، وكتبوا قواميس للغات غير المتعلمة والتقاليد الثقافية والقصص والمعتقدات الموثقة، وفي الولايات المتحدة تطورت تلك الجهود إلى ما يُعرف اليوم باسم نهج المجالات الأربعة أو ببساطة باسم الأنثروبولوجيا العامة، وهذا النهج يتكامل من وجهات نظر علمية وإنسانية متعددة في نظام شامل واحد يتكون من الأنثروبولوجيا الثقافية والأثرية والبيولوجية أو الفيزيائية واللغوية.

والسمة المميزة لنهج المجالات الأربعة هي منظوره الشامل، فعلماء الأنثروبولوجيا مهتمون بدراسة كل ما يجعل البشر، وبالتالي فهم يستخدمون طرقًا متعددة لفهم البشر عبر الزمن وفي جميع أنحاء العالم، كما يعترفون بذلك لفهم الناس حيث لا يمكن للمرء أن ينظر فقط إلى علم الأحياء أو الثقافة أو التاريخ أو اللغة، بل يجب أن تكون كل هذه الأشياء اعتبار، فالعلاقات المتبادلة بين الحقول الفرعية الأربعة للأنثروبولوجيا مهمة للكثيرين من علماء الأنثروبولوجيا اليوم.

وقام عالما الأنثروبولوجيا اللغوية إدوارد سابير وبنجامين وورف، على سبيل المثال بفحص العلاقات المتبادلة بين الثقافة واللغة والإدراك، ولقد جادلوا بأن اللغة التي يتحدث بها المرء تلعب دورًا حاسمًا في تحديد طريقة تفكير المرء، لا سيما من حيث فهم الزمان والمكان والمادة، واقترحوا أن الأشخاص الذين يتحدثون لغات مختلفة ينظرون إلى العالم بشكل مختلف نتيجة لذلك، وفي مثال مشهور، قارن بنجامين وورف بين اللغتين الهوبي والإنجليزية، ونظرًا لأن الأفعال في هوبي لا تحتوي على أزمنة مستقبلية أو ماضية.

وجادل بنجامين وورف بأن المتحدثين بهوبي يفهمون الوقت بشكل أساسي بطريقة مختلفة عن المتحدثين باللغة الإنجليزية، حيث ستركز الملاحظة من قبل متحدث اللغة الإنجليزية على الاختلاف في الوقت بينما ستركز الملاحظة من قبل متحدث الهوبي على الصلاحية، وفي مثال آخر قضى بيتر جوردون سنوات عديدة في التعلم بين قبيلة البيراها في البرازيل لغتهم وثقافتهم، وأشار إلى أن البيراها تحتوي على ثلاث كلمات فقط للأرقام: واحد واثنان وعديدة، كما لاحظ أنهم وجدوا صعوبة في تذكر الكميات والأعداد التي تتجاوز الثلاثة حتى بعد تعلم الكلمات البرتغالية لمثل هذه الأرقام.

وعلى الرغم من أن بعض العلماء قد انتقدوا استنتاجات بنجامين وورف وبيتر جوردون باعتبارها مفرطة في الحتمية، ويوضح عملهم بالتأكيد وجود علاقة بين اللغة والفكر وبين التأثيرات الثقافية والبيولوجية، وقد لا تجبر الكلمات الناس على التفكير بطريقة معينة، ولكن يمكنهم التأثير على عمليات التفكير لدى البشر وكيف ينظرون إلى العالم من حولهم، ويساعد المنظور الشامل للأنثروبولوجيا على تقدير أن ثقافة ولغة والقدرات الجسدية والمعرفية للغة مترابطة بطرق معقدة.

ما هي الأنثروبولوجيا اليوم؟

استراتيجية البحث المميزة للأنثروبولوجيا:

الإثنوغرافيا هي استراتيجية بحثية مميزة للأنثروبولوجيا الثقافية، وتم تطويره في الأصل بواسطة علماء الأنثروبولوجيا لدراسة المجموعات الثقافية الصغيرة والمعزولة نسبيًا، وعادة كان لدى هذه المجموعات اقتصادات وتقنيات بسيطة نسبيًا وإمكانية وصول محدودة إلى أكبر وأكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية للمجتمعات، حيث سعى علماء الإثنوغرافيا الأوائل إلى فهم ثقافة معينة بأكملها، وقضوا من أشهر إلى سنوات وهم يعيشون في المجتمع، وفي ذلك الوقت قاموا بتوثيق كل شيء بتفاصيل كبيرة لأبعاد حياة الناس.

بما في ذلك لغتهم واستراتيجيات العيش والأنظمة السياسية والتكوين من العائلات والزيجات والمعتقدات الدينية، وكان هذا مهمًا لأنه ساعد الباحثين على تقدير الترابط بين جميع أبعاد الحياة الاجتماعية، ومفتاح نجاح هذه الإثنوغرافية لم يكن هو نهج قضاء وقت طويل فقط في مراقبة الأشخاص المشاركين في منازلهم والأنشطة اليومية ولكن أيضًا للمشاركة في تلك الأنشطة، وأبلغت المشاركة وجهة نظر (emic) للثقافة، وهو الشيء الذي كان مفقودًا في أبحاث العلوم الاجتماعية السابقة.

ونظرًا لمدى فائدة استراتيجية البحث الإثنوغرافي في تطوير منظور (emic)، فقد كانت كذلك وتم اعتماده من قبل العديد من التخصصات الأخرى بما في ذلك علم الاجتماع والتعليم وعلم النفس والعلوم السياسية، فالباحثون التربويون، على سبيل المثال يستخدمون الإثنوغرافيا لدراسة الأطفال في الفصول الدراسية للتعرف عليهم وعلى استراتيجيات التعلم الخاصة بهم وكيف يفهمون خبرات التعلم، فعلماء الاجتماع استخدام الإثنوغرافيا لدراسة الحركات الاجتماعية الناشئة وكيفية بقاء المشاركين في مثل هذه الحركات بشكل متحمس ومتصل بالرغم من أهدافهم المتضاربة في بعض الأحيان.

مواقع جديدة للعمل الميداني الأنثروبولوجي:

مثل الثقافات والشعوب المدروسة، تتطور الأنثروبولوجيا والإثنوغرافيا، ففي المواقع الميدانية لم تعد الأبحاث الإثنوغرافية موجودة حصريًا في المجتمعات النائية والمعزولة وغير الصناعية، فعلى نحو متزايد يجري علماء الأنثروبولوجيا أبحاثًا إثنوغرافية معقدة في تكنولوجيا المجتمعات المتقدمة مثل الولايات المتحدة وفي البيئات الحضرية في أماكن أخرى من العالم، على سبيل المثال تم إجراء بحث خاص في الولايات المتحدة درس تكوين الهوية بين طلاب جامعيون مكسيكيون مهاجرون غير مسجلين في مينيسوتا.

حيث كان علماء الأنثروبولوجيا يعيشون مع بعض المخبرين في المكسيك عندما ينتهي عملهم الميداني، وفي كثير من الأحيان علماء الأنثروبولوجيا الذين يدرسون الهجرة وشتات الأشخاص يجب أن يجرون الحركة بحثًا في مواقع متعددة، ويُعرف هذا باسم الإثنوغرافيا متعددة المواقع، ويستخدم علماء الأنثروبولوجيا الإثنوغرافيا لدراسة الناس أينما كانوا وكيف يتفاعلون مع الآخرين.

وهناك العديد من الطرق التي يتفاعلون بها عادةً مع أصدقائهم وعائلتهم وأساتذتهم، فهل هي كلها اتصالات وجهًا لوجه أم أنهم يستخدمون أحيانًا الرسائل النصية للدردشة مع أصدقائهم؟ وهل يقومون أحيانًا بإرسال بريد إلكتروني إلى أساتذتهم لطلب توضيح بشأن مهمة ما ثم الاتصال لمناقشة الجدول الزمني؟ هذه المواقع التكنولوجية الجديدة للتفاعل البشري رائعة حيث قام العديد من علماء الإثنوغرافيا بتوسيع تعريف العمل الميداني.

البحث الموجه نحو المشكلة في الأنثروبولوجيا:

في السنوات الأولى كان علماء الأنثروبولوجيا مهتمين باستكشاف الثقافة بأكملها، وأخذ النهج الاستقرائي ولم يكونوا عمومًا مهتمين بالوصول إلى موضوع بحث ضيق نسبيًا ومحددًا مسبقًا، وبدلاً من ذلك كان الهدف هو استكشاف الناس وثقافتهم وأوطانهم وما سبق أن كتب عنهم، وسمح تركيز الدراسة بالظهور تدريجياً خلال فترة وجودهم في الميدان، وفي كثير من الأحيان أدى هذا النهج في الإثنوغرافيا إلى أوصاف إثنوغرافية عامة إلى حد ما.

واليوم يتخذ علماء الأنثروبولوجيا بشكل متزايد نهجًا أكثر استنتاجًا للبحث الإثنوغرافي، وبدلاً من الوصول إلى الموقع الميداني بأفكار عامة فقط حول أهداف الدراسة، فإنهم يميلون إلى ذلك بتحديد مشكلة معينة قبل الوصول ثم يدعون هذه المشكلة توجه بحثهم، وفي حالة علماء الأنثروبولوجيا كانوا مهتمون بكيفية تشكيل المهاجرين المكسيكيين الشباب غير المسجلين في مينيسوتا إحساسًا بالهوية أثناء العيش في مجتمع يستخدم مجموعة متنوعة من التسميات اللاإنسانية مثل غير الشرعي والأجنبي للإشارة لهم.

وكانت هذه مشكلة بحثهم، وقد وجهت دراستهم ووجهتهم من البداية إلى النهاية، ولم يوثقوا كل جانب من جوانب حياة المخبرين، وبدلاً من ذلك ركزوا على الأشياء عن كثب المتعلقة بمشكلة البحث.

المصدر: محمد الجوهري، مقدمة في دراسة الأنثروبولوجيا، 2007محمد الجوهري، الأنثروبولوجيا الاجتماعية، 2004ابراهيم رزقانة، الأنثروبولوجيا، 1964كاظم سعد الدين، الأنثروبولوجيا المفهوم والتاريخ، 2010


شارك المقالة: