مواقد الطهو في الأنثروبولوجيا

اقرأ في هذا المقال


نتائج المادة الميدانية الأنثروبولوجية لمواد الطهو:

أظهرت المادة الميدانية الأنثروبولوجية حدوث تغيرات واسعة في مواقد الطهو بالمجتمع، وذلك من خلال تغير الموقد نفسه أو من خلال تغير المواد المستخدمة في إشعال المواقد. وإذا كانت هناك بعض الآراء التي تذهب إلى أن التغير دائماً ما يأخذ شكل التطور الخطي من حيث الانتقال من المواقد التقليدية إلى الحديثة، فإن الواقع الفعلي في المجتمع يشير إلى أن التغير نحو استخدام المواقد الحديثة قد قام على قاعدة من الاستمرار متمثلة في استخدام المواقد التقليدية.

ويرجع هذا الاستمرار إلى طبيعة الحياة الريفية، حيث تقدم البيئة الريفية مواد وقود رخيصة وذات وفرة، كما تلعب مواد الوقود هذه دوراً في جعل قوة اللهب المنبعثة منها عالية وهو ما يناسب احتياجات الطهو للطعام الريفي سواء من حيث نوعيته أو كميته الكبيرة التي يتطلبها نمط الأسرة الممتدة المنتشرة في المجتمعات القروية.

المواقد في الأنثروبولوجيا:

تتنوع حالياً المواقد المستخدمة في الأنثروبولوجيا ما بين الكانون، موقد الكيروسين، موقد الشريط والبوتاجاز. ويمكن تفصيل ذلك على النحو التالي:

الكانون:

إن الكانون عبارة عن بناء صغير من الطوب الأحمر أو الطين، على شكل مستطيل ذي ثلاث أضلاع فقط، حيث يقتصر على العرضين، وواحد من أضلع الطول. ويتم وضع حمالة عليه عبارة عن قطعتين من الحديد، توضع على قمة المستطيل ويستند كل طرف منها على أحد جوانب المستطيل، وذلك لوضع أواني الطهو عليها.

وتستخدم أغضان “قضب” الأشجار الصغيرة كوقود، حيث توضع في داخل المستطيل على الأرض، ثم يتم إشعالها بقليل من الكيروسين من خلال عود من الثقاب. هذا وقد تستخدم قطع صغيرة من الأخشاب بدلاً من قضب الأشجار، وذلك في حالة الرغبة في إشتعال اللهب لمدة طويلة.

فإن المادة الميدانية في الأنثروبولوجيا قد أظهرت أن هناك تزايداً في اتجاه مختلف الطبقات إلى استخدام المواقد الأخرى التي ظهرت بدلاً من الكانون، وذلك حتى بين الطبقات الدنيا التي تحصل على قضب الأشجار بدون مقابل، وذلك لأن إيقاد الكانون يتطلب وقتاً طويلاً، كما ينتج عن الخشب المحترق دخان كثيف يؤذي العين، ويسبب المزيد من الاتساخ لأواني الطهو.

موقد الكيروسين وابور الجاز: آلة مصنوعة من النحاس الأصفر تتكون من جزأين رئيسيين يطلق على الجزء الأول اسم العدة ويمثل الجزء العلوي الذي يتم فيه الإشعال، والثاني وهو الجزء السفلي ويستخدم كخزان لوضع الكيروسين به، وتلتصق العدة التي تتكون من عدة أجزاء بجسم الموقد من خلال ماسورة يصل الكيروسين من خلالها إلى العدة.

تتكون العدة من رأس يطلق عليها اسم “طربوش” به فتحات، وتتصل الرأس بدائرة لها حافة صغيرة مرتفعة يطلق عليها اسم الطاسة، تستخدم لوضع المادة التي تستخدم في الاشتعال بها (السبرتو أو الكيروسين)، وتتصل الطاسة بجسد الموقد من خلال ماسورة.

موقد الشريط:

ويطلق عليه في مجتمع القرية اسم وابور الشريط. ويتكون موقد الشريط من عدة أجزاء، ويتكون من الطاسة وهي عبارة عن إناء دائري من المعدن له قاعدة وسطح. وفي وسط السطح دائرة مفرغة يلتحم بها قطعة من الحديد، كما يوجد على جوانب هذا السطح ثلاث فتحات صغيرة، وتستخدم الطاسة لوضع مادة الوقود المستخدمة في موقد الشريط  الكيروسين، وذلك من خلال رفع سطح الإناء حيث يكون للسطح حواف تخرج عن الإناء تمكن من رفع السطح عن القاعدة.

العدة:

وهي الجزء الذي يلتحم بسطح الطاسة المفرغ، وهي عبارة عن قطعة من الحديد، ولها حافة يوضع داخلها الشريط الذي يتكون من خيوط يتم إشعالها بوضع بعض الكيروسين عليها ثم إشعاله. ويوجد في أحد جوانب العدة مفتاح مثبت بها يستخدم لزيادة أو تقليل كمية اللهب المشتعل، حيث يتحكم في كمية الكيروسين التي تخرج من الطاسة إلى العدة من خلال تحريكه يمنة ويسرة.

الكوشة:

عبارة عن دائرتين من الحديد غير السميك بهما خروم متعددة تملأ كلتا الدائرتين. ويختلف حجم الدائرتين، حيث تكون إحداهما ذات قطر أوسع أقصر من الأخرى ذات القطر الأضيق والأطول وتوضع الدائرة الرفيعة داخل الأكثر اتساعاً. ويوضع الاثنين داخل حافة العدة وتعمل الكوشة على توزيع درجات الحرارة من خلال الخروم الموجودة.

الطارة:

وقد يطلق عليها اسم الشيالة، وتستخدم لوضع أواني الطعام عليها. وهي عبارة عن دائرة من الحديد القوي لها سطح به دائرة مفرغة ومثبت بها ثلاث أرجل من أسفل. ويتم إدخال هذه الأرجل في الفتحات الثلاث الموجودة في سطح الطاسة بحيث تكون الدائرة المفرغة داخلها الكوشة.

الأفران في الأنثروبولوجيا:

تظهر المادة الميدانية في الأنثروبولوجيا أن الأفران التي عرفتها القرية تنحصر في الأفران التقليدية الريفية، وما أطلق عليه اسم فرن الحلة وفرن البوتاجاز. ويمكن تبين كل منهما على النحو التالى:

الأفران التقليدية: الفرن التقليدي في مجتمع القرية عبارة عن بناء من الطين يبنى إما خارج المنزل في فنائه أو بجواره، وإما داخل المنزل. وهو عبارة عن مستطيل مفرغ من الداخل له سقف وأضلع جانبيه وواجهة ليس به فتحات إلا في واجهته. ولكل فتحة من هذه الفتحات وظيفة تؤديها حيث تظهر هذه الفتحات على النحو التالي:

فتحة الفرن:

وهي أكبر هذه الفتحات ويطلق عليها اسم “بوز الفرن” ويوجد في داخل هذه الفتحة ما يسمى البلاطة وهي الجزء الذي يتم تسوية ما يتم إدخاله إلى الفرن عليها، والبلاطة تنقسم إلى نوعين يمكن اتخاذهما وسيلة للتفريق بين نوعي الأفران الموجودة في داخل القرية، الأول يطلق عليه اسم الفرن الطيني، والثاني الفرن الحديد.

المحمى:

وهي فتحة موجودة على يمين بوز الفرن، وتستخدم لإدخال مواد الإشعال بها مثل الحطب أو الخشب الذي يعمل إشعالهما على تسخين البلاطة.

الشاروقة:

تجويف يوجد على يسار البلاطة، يتم وضع الوقود فيه لتسخين الفرن من أعلى والمساعدة على زيادة الحرارة المنبعثة من البلاطة واحمرارها.

أدوات الفرن في الأنثروبولوجيا:

أدوات الفرن في الأنثروبولوجيا للمساعدة في طهو الأطعمة في الفرن إلى جانب استخدامه في الخبز يتم الاستعانة ببعض الأدوات منها: العود والمكف والمطرحة.

العود:

وهو عصا طويلة من الحديد في يسار الصورة ثني أحد طرفيها بحيث يأخذ شكل الزاوية القائمة. ويستخدم العود في تحريك الوقود داخل الْمِحْمَى وقت الإشعال. كما يستخدم أيضاً في تحريك الوقود في الشاروقة، وبالإضافة إلى ما تقدم فإنه يستخدم أيضاً في جذب أواني الطعام من الفرن حيث يوضع الحرف المثني على حافة الصينية وتدفع إلى الاتجاه الذي ترغب فيه من تقوم بالطهو أو الخبيز.

المكف:

وهو عبارة عن دائرة مسطحة من الحديد مثبت بها عصا طويلة (مبرشمة في الدائرة) ويعد طول العصا من الضروريات، حتى يمكن لمن تقوم باستخدام الفرن من الوصول من خلالها إلى نهاية الفرن من الداخل. ويستخدم المكف في نقل العجين إلى الفرن أو تحريك المخبوزات داخل الفرن من مكان إلى آخر، أو تقليبها على الوجه الآخر.

المطرحة:

وهي عبارة عن دائرة من الخشب أو الجريد لكل منهما وظيفة مختلفة مثبت بها يد قصيرة بمجموعة من المسامير. وتستخدم المطرحة المصنوعة من الخشب في نقل الخبز إلى الفرن. أما المطرحة المصنوعة من الجريد فتستخدم في إعداد (تبطيط) الخبز (اللين) قبل دخوله إلى الفرن.

الأفران الحديثة في الأنثروبولوجيا:

الأفران الحديثة في الأنثروبولوجيا هي كما يلي:

فرن الحلة:

ومن التغيرات التي حدثت في المجتمعات ظهور حلة كبيرة يمكن أن يخبز بها بعض الأطعمة أطلق عليها اسم فرن الحلة، وهي عبارة عن حلة من الألومنيوم مستديرة ذات قطر واسع يتصل بها بعض المواسير والأسلاك الكهربائية من خلال الغطاء أو القاعدة، ويتم وضع صواني الطعام داخلها، ثم توضع على أحد المواقد، أو يتم توصيل الكهرباء إليها إذا كانت ذات أسلاك كهربائية.

وقد أظهرت المادة الميدانية الأنثروبولوجية أن هذا النوع قد استخدم وانتشر في مجتمع القرية في زمن وجيز، إلا أنها قد اندثرت أيضاً في زمن وجيز، ويرجع ذلك كما يشير الإخباريون إلى أنها لم تكن عملية وحدث بها تلف سريع لمادة الألومنيوم التي صنعت منها، علاوة على تلف التوصيلات الكهربائية بها بسرعة.

فرن البوتاجاز:

على الرغم من انتشار أجهزة البوتاجاز في مجتمع القرية كموقد للطهي، فإن استخدام الأفران فيها يكاد يقتصر على الطبقة العليا وبعض شرائح الطبقة الوسطى؛ وذلك لأن أغلب أفران البوتاجاز في الطبقة الدنيا بدون أفران علاوة على أن استخدام الأفران يعد مكلفاً اقتصادياً، مع عدم توافر أنابيب البوتاجاز بسهولة.

المصدر: محمد الجوهري، مقدمة في دراسة الأنثروبولوجيا، 2007محمد الجوهري، الأنثروبولوجيا الاجتماعية، 2004ابراهيم رزقانة، الأنثروبولوجيا، 1964كاظم سعد الدين، الأنثروبولوجيا المفهوم والتاريخ، 2010


شارك المقالة: