نسق الاستحواذ في الفعل الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


نسق الاستحواذ في الفعل الاجتماعي:

ينتج هذا النسق عن علاقة السيطرة بين النسق السياسي والنسق الاقتصادي، بحيث توجه عملية تعبئة الموارد لصالح أصحاب القوة في النسق السياسي، يستحوذ أصحاب القوة في النسق السياسي على القسم الأكبر من خيرات النسق الاقتصادي، وتوجه في المركز الأول لسخائهم، وليس لسخاء المجتمع بجميعه، وبالمقابل فإن النسق السياسي لا يهيئ فرصة تحقيق الفاعلية أمام النسق الاقتصادي.
وبصورة خاصة، فيما يتعلق برأس المال والأرصدة التي من المفترض أن تطرحها الدولة للتداول من أجل إنجاز الأهداف الاقتصادية، ويترتب على ذلك إصابة النسق الاقتصادي بعجز الفاعلية، على صعيد المنتج، والخدمات التي تنجز أغراض المجتمع، وفي جوهر هذه العلاقة، تظهر اللاعدالة أو عدم الإنصاف، بالنسبة للفاعلين المنتجين في النسق الاقتصادي.
حيث يتلقون موارد سائلة أقل من استحقاقاتهم، وبما لا يفي بحاجاتهم، ويعتبر هذا الإجراء جزءاً رئيسياً من سلب الأفراد فاعليتهم الإنتاجية، وإغراقهم في حالة تلبد إنجازي، وحافزية اغترابية المؤسسات الاقتصادية العامة، وتسير طبقاً لميزان الأجور العام داخل الدولة، وتقبل لتبلد التشريعات التي يضعها النسق السياسي وتقييداتها.
ولذلك فإن الفاعلين المنتجين في هذه القطاعات، لا تُعد عوائدهم أنسب حالاً من الموظفين في القطاعات العائدة للدولة، حسب معيار مقارنة الجهد المبذول في العملية الإنتاجية، هذا في حال أن تكون عوائدهم أعلى فعلاً، لكن التشوه الوجودي الفعلي للقطاعات الخاصة يتشكل عن طريق المفارقة بين ارتفاع الفاعلية الإنتاجية، وتدني مستوى العوائد المقدمة للفاعلين المنتجين.
وربما يدفع إلى التحالف بين أصحاب القوة في النسق السياسي، وأصحاب الثراء العريض ورؤوس الأموال في النسق الاقتصادي، إلى تعميق الحالة السابقة، حيث يكون الفاعل المنتج جزءاً من العملية الاستثمارية، التي تستثمر طاقته الإنتاجية، ولا تعود عليه بما يستتوجب، بينما يزداد أصحاب الثراء ثراءً، ويحظى أصحاب القوة في النسق السياسي بالامتيازات والخيرات لقاء التسهيلات المقدمة.
وفي نسق الاستحواذ، تظهر “الرغائبية الاقتصادية”، على شكل إغداق اقتصادي لمن يتلون حماية النسق الاقتصادي، أو من يمكن وصفهم بالحاشية الحامية، إن الإغداق الاقتصادي يتضمن القاعدة الاقتصادية لانتماء الحاشية، وهو على حساب استلاب واختزال اقتصادي لمن يقعون خارج دائرة المصلحة المتبادلة.
إن الحاشية الحامية تتكسب اقتصادياً بطريقتها الخاصة، وتعمل على تمرير مصالحها فوق كل الاعتبارات الأخلاقية والمجتمعية، وتنتهك كل المحرمات، بما في ذلك الاقتصادية منها، باسم الانتماء المتفاني والحراسة التامة للنسق السياسي، وهو ما قد يضفي شرعية، مرتبطة بالخوف على تصرفتها.

إن هذا الاستلاب المزدوج من ناحية أصحاب القوة وجماعتهم، قد يفضي إلى استقطاب طبقي داخلي، مع الأخذ بعين الاعتبار التحولات السلبية، التي يمكن أن تطرأ على العملية الاقتصادية، وتجدر الإشارة هنا، إلى أن مستوى تَكشّف مساوئ الاستحواذ الاقتصادية تتصل إلى حد كبير بمستوى تطور القاعدة الإنتاجية المادية، التي تمثل ركيزة رئيسية للنسق الاقتصادي، حيث يظهر مستوى عال من المقاومة لمساوئ الاستحواذ، في أنساق الاستحواذ التي تستند على مستوى عال من تطور القاعدة الإنتاجية المادية، بينما يتدنى وقد تنعدم المقاومة في الأنساق التي لا تمتلك قاعدة إنتاجية مادية أصلاً.
ويدخل في اعتبار ما تقدم، صورة الدولة العربية الزبونية، التي تقوم على شبكات من العلاقات والولاءات والارتباطات الشخصية والمصلحية بأصحاب الوجاهة والسيطرة على كل المستويات وهي ما يعبر عنها الشعب بعلاقات المحسوبية أو المنسوبية، إنها علاقات تقوم على التبعية وتبادل المنافع بين الأتباع والوجهاء وأصحاب الجاه والنفوذ والسلطة.
ويتم تصنيفها بأنها علاقات خارج القانون والتنظيم المؤسسي، وترافقها ممارسات الرشوة والنهب والتحايل على القانون، ويكون الفساد مقبولاً في صلب النظام، وليست هذه ظواهر جديدة خاصة بالدولة الحديثة، التي تستند على جيش وبيروقراطية منفصلين عن المجتمع، إذ لها علاقة قديمة بميل السلطة ﻹطلاق أيدي خدامها لفرض أتاوات على الشعب، وكان بعض من يعملون لحساب الدولة لا يتقاضون رواتب منها، وإن تقاضوا كانت رواتب قليلة، مما شكل تسويغاً للفساد.
وفي نسق الاستحواذ، تتعاضم قيمة الاستهلاك، بينما تتراجع قيمة الإنتاج، وهي نتيجة مترتبة منطقياً على الحوافز الاقتصادية المتدنية والجامدة التي يوجه الأفراد نحو التكيف معها، وهذا التشكيل القيمي، يعتبر جزءاً من عملية التراجع الاقتصادي، وتدني الفاعلية الإنتاجية، التي يضعها النظام السياسي المسيطر.
فإن النسق السياسي قد يلجأ إلى اعتبار منظومة القيم، وتلبد العملية الإنتاجية واقعاً معطى، ولذلك فقد يبدو بشكل مظلل أن وراء تردي الإنتاج، وتراجع المستويات الاقتصادية تقف منظومة القيم التي يحملها أفراد المجتمع.

المصدر: الإشكاليات التاريخية في علم الاجتماع السياسي، عبد القادر جغلول، 1982.النظرة الارتقائية، محمد الطالبي، 1979.التفكير الاجتماعي نشأته وتطوره، زيدان عبد الباقي، 1972.السببية والحتمية عند ابن خلدون، مها المقدم، 1990.


شارك المقالة: