نسق الواجهة التعددية في الفعل الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


نسق الواجهة التعددية في الفعل الاجتماعي:

يصدر نسق الواجهة التعددية، عن سيطرة النسق السياسي على الروابط المجتمعية وبصورة خاصة، مؤسسات المجتمع المدني، تشكل الروابط المجتمعية جزءاً من الواجهة المؤسسية الديموقراطية للنسق السياسي الاستحواذي، ومعنى ذلك أنها تمثل صور وأشكال ديموقراطية، لكنها فارغة المحتوى من حيث قدرتها على العمل في مواجهة تصرفات النسق السياسي.
إن هذا الطابع الوجودي المزدوج للروابط المجتمعية، يقدم التدعيم السياسي المناسب لثبات النسق السياسي، بينما يعمل النسق السياسي عن طريق القرارات التي يصدرها على تقييد حرية هذه الروابط، ويحرمها غالباً من أبجديات نشاطها السياسي.
وبهذا المعنى، فإن الوجود الثنائي للروابط المجتمعية، يمثل قيمة مهمة بالنسبة للنسق السياسي؛ فوجودها يعكس شكل لمرونة الحياة السياسية وانفتاحها، وقبول التنوع والاختلاف كما قد تعمل غالباً على إضفاء الشرعية والقبول بما هو موجود، وهذا الإجراء جزء من الضرورة الوظيفية المترتبة على وجودها بالنسبة للنسق السياسي.
وهكذا يتعامل النسق السياسي المسيطر مع الروابط المجتمعية بموجب خطين متوازيين: الأول، يتمثل في السماح بوجودها وانتشارها وتحركاتها اللاسياسية أو الخدمية، بينما الخط الثاني، يتمثل في تجريدها من الفعل السياسي الفعلي، وإحالتها إلى شكل اجتماعية للواجهة السياسية، إن التعددية السياسية على هذا النحو تبدو زائفة، بل قد تكون خطرة على مصالح المجتمع عندما تسخر لخدمة النسق السياسي.
ينشأ عن تفاعلات نسق الواجهة التعددية مع تحالفات النسق السياسي، أو زبونية الدولة ما يمكن وصفه ببنية التمايز القانونية، حيث تظهر القوانين بشكليتها، أو كما هي مدونة بأدق تفاصيل العدالة، لكن على المستوى العملي، تتمثل تنفيذاً قوياً على الضعفاء، بينما تتراجع وتنحسر، أو يتعطل العمل بها أمام أصحاب القوة وحلفائهم، إن بنية التمايز القانونية تعكس الطابع الوجودي الازدواجي العام للروابط المجتمعية، ولذلك فهي لا تخرج عن خدمة مصالح أصحاب القوة.
مقابل الروابط المجتمعية تظهر روابط السيادة، وهي تتضمن كافة الأجهزة السيادية التي يضعها النسق السياسي فوق المجتمع، بما في ذلك الروابط المجتمعية، إن توغل روابط السيادة في جزيئات عمل الروابط المجتمعية، وتغولها عليها، يعني إلغاء الحريات وبث الخوف والرعب في المجتمع من جانب، كما يعني خوف وقلق والنسق السياسي الذي يدرك افتقاده لمقومات الحكم والشرعية الفعلية من جانب آخر.
يترتب على فعالية روابط السيادة، وسيطرة النسق السياسي، ما يمكن وصفه بالتوجّس الانتمائي، بالنسبة للجماهير، أو انحسار الاستقطاب بالنسبة للروابط المجتمعية، وكلاهما لا تنفصل عن الأخرى، حيث يتخوف أفراد المجتمع من الانتماء لهذه الروابط، خصوصاً مؤسسات المجتمع المدني، باعتبارها تمثل ساحة مواجهة فريدة مع النسق السياسي وتحظى بأهمية ضبطية ورقابية خاصة من قبل روابط السيادة.
ولذلك فإن هذه الروابط تعاني من ضعف العضوية، وافتقاد القاعدة الجماهرية، وهكذا فإن شعاراتها وتحركاتها غالباً ما تكون مغتربة عن حس الجماهير، حتى وإن كانت صادقة.
إن افتقاد الروابط المجتمعية فاعليتها الحقيقية من ناحية، وافتقادها إلى الاستقطاب الجماهري من ناحية أخرى، ويبقى المجتمع السفلي في حالة من الغوغائية، الأمر الذي يُيسر عملية التلاعب به والتحكم فيه، كما يتم ضمان عدم قيامه بفعل سياسي منظم.
إن كافة ردود الفعل الغاضبة خارج الروابط المجتمعة، ولا ترتقي إلى مستوى الفعل السياسي المنظم على الأقل، ﻷنها تفتقد إلى الوعي الجمعي المنظم، مما يبقيها في إطار الثورات الانفعالية، التي سرعان ما تنطفئ.

المصدر: الإشكاليات التاريخية في علم الاجتماع السياسي، عبد القادر جغلول، 1982.النظرة الارتقائية، محمد الطالبي، 1979.التفكير الاجتماعي نشأته وتطوره، زيدان عبد الباقي، 1972.السببية والحتمية عند ابن خلدون، مها المقدم، 1990.


شارك المقالة: