نظرية النسق الثقافي عند بارسونز

اقرأ في هذا المقال


نظرية النسق الثقافي عند بارسونز:

هنالك علاقة جوهرية بين النسق الاجتماعي، والتوجيه المعياري للفعل، وقد بات مفهوماً أن أنساق الفعل لا يمكن أن تقوم بعيداً عن الأنساق الرمزية المستقرة نسبياً، حيث أن المعنى غير عرضي بالنسبة للمواقف الاجتماعية، والأهم من ذلك أن الاتصال الأولي لا يمكن أن يحدث دون مستوى من التكيف مع دلالات النسق الرمزي.
كما تشكل التوقعات عنصراً ثقافياً مركزياً في تكوين الأدوار المكونة للنسق الاجتماعي، حيث تحتضن التوجيهات الدافعية العاطفية، والإدراكية والتقويمية، وتتطور العناصر الثقافية بموجب تفاعل الأفراد مع الموضوعات المتنوعة وتصبح موجهاً وضابطاً لتفاعلاتهم وعلاقاتهم على امتداد البنى والمؤسسات داخل المجتمع.
حيث أن جوهر عملية التوجيه والضبط للأنساق الرمزية، ينبغي أن تفهم، كما يثبت بارسونز في ضوء عناصر بنائية وظيفية، وهنا تظهر أهمية العناصر الثقافية في تحقيق النظام والتكامل النسقي، التي يعبر عنها بارسونز بالمثل القائل: “إنك لا تستطيع أن تأكل الكعكة وتحتفظ بها كذلك”.
يشرح بارسونز، أن الفرد يتعلم التكيف مع معايير السلوك، والتعلم بهذا المعنى يشير إلى انخراط عناصر الثقافة في أنساق فعل الفرد، وتحليل المقدرة على التعلم يتصل بمسألة إمكانية انخراط الثقافة في الشخصية، وأن كل فرد يخضع لمتطلبات التفاعل في النسق الاجتماعي، وهذه المسألة مهمة بالنسبة للجانب الاشتراكي للثقافة، وهنا لا بدّ من الانتباه إلى أن نسق الثقافة يتصل بمتطلبات كل من نسق الشخصية والنسق الاجتماعي.
وبموجب ذلك يتحقق التكيف مع المستويات المعيارية، ولذلك فهناك نوع من التعاقد يبين وجود التماسك بين الشخصية والمكونات الاجتماعية والثقافية، وبشكل محدد، فالشخصية والنسق الاجتماعي كل منهما يتصل مع الآخر بموجب العناصر الثقافية.
إن هذا الموقع المركزي للنسق الثقافي، يدعوه بارسونز نمط التماسك، الذي ينعكس عن طريق وظيفة التكامل التي تؤديها الأنساق الرمزية، ولكن التكامل لا يمكث فقط على الأنساق الرمزية، فالنسق الاجتماعي يلعب دوراً مهماً في هذه المسألة عن طريق مستوى المرونة التي يمتلكها، وبهذا الخصوص يبيّن بارسونز، أن النسق الاجتماعي الذي يقود إلى توزيع جامد للثقافة مثل إغلاق عملية الاكتساب، سوف يتعرض إلى حالة من اللاتكامل الاجتماعي والثقافي.
هذه الملاحظة تقود إلى الخصائص الرئيسية للثقافة كما بيّنها بارسونز، والتي يعتبرها افتتاحية ملائمة لمناقشة النسق الثقافي، وهذه الخصائص هي: إن الثقافة متحولة أو منقولة عبر الأجيال، فهي تمثل الموروث، وتعمل كمعيار هام للتمييز بين الأنساق الاجتماعية، حيث يمكن أن تتغير من نسق إلى آخر.
كما أن الثقافة متعلمة، فهي مكتسبة وتعكس دوام وتواصل الثقافة، ولذلك يثبت بارسونز بأن الثقافة تتميز عن أنساق الفعل الأخرى، بأنها قابلة للنقل من نسق فعل إلى آخر، فهي تنتقل من شخصية إلى أخرى من خلال التعلم، ومن نسق إلى آخر عن طريق الانتشار، وذلك ﻷن الثقافة تشمل طرق التوجيه والتصرف، وهذه الطرق تتجسد في رموز ذات معنى.

المصدر: الإشكاليات التاريخية في علم الاجتماع السياسي، عبد القادر جغلول، 1982.النظرة الارتقائية، محمد الطالبي، 1979.التفكير الاجتماعي نشأته وتطوره، زيدان عبد الباقي، 1972.السببية والحتمية عند ابن خلدون، مها المقدم، 1990.


شارك المقالة: