هشام بن عبد الملك

اقرأ في هذا المقال


التعريف بهشام بن عبد الملك:

هو هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم القرشي الأموي الدمشقي، أمه فاطمة بنت الأمير هشام بن اسماعيل بن هشام، وكانت مرحلة خلافته مرحلة دقيقة، إذ رسمت خطاً لنهاية الدولة الأموية؛ وذلك لأن الخليفة هشام عجز عن تصليح المور التي فسدت وانهارت، فقد أصبح الأمر خارجاً عن قدرته بالرغم من أنه يتسم بالحزم والقدرة على التدبير.
ولكن الدولة الأموية استعادت نشاطها وحيويتها وهيبتها في عهد هشام بن عبد الملك، لكن نستطيع أن نشبِّه هذه الصحوة للدولة بصحوة ما قبل الموت، وأقام هشام في الرصافة بعد تسلمه الخلافة، وانجرف كغيره من الخلفاء نحو التعصب القبلي، لكن كانت مصلحة الدولة تأخذ الأولوية الأولى بالنسبة له.
وفي عهد هشام بلغت الدولة الإسلامية أقصى اتساعها، إذ حارب البيزنطيين واستولى على ناربونه وبلغ فرنسا، ووقعت معركة بلاط االشهداء سنة 114هـ، وتزايدت في عهده أيضاً الثورات القبلية وحدثت الكثير من الثورات في أنحاء الدولة، كذلك الحال في بلاد ماوراء النهر حيث وصلت الاضطرابات إليها، لكنه استطاع القضاء عليها بحنكته وقوته.

جبهة المشرق في عهد هشام بن عبد الملك:

حدثت في الجبهة الشرقية في عهد هشام أموراً واضطرابات خطيرة، أدَّت إلى تقلص ممتلكات الدولة الإسلامية في بعض المناطق؛ وذلك بسبب قلة خبرة الولاة وعدم قدرتهم على التصرف، وعدم إشتراك بعض الجماعات في الغزوات.
ففي عام 110هـ بعث والي خراسان أشرس بن عبدلله السلمي، لأهل سمرقند وبلاد ما وراء النهر الذين لا يزالون على دينهم ودعاهم للدين الإسلامي، وكانت إستجابة سريعةً جداً ولم يكن يتوقعها، وكانت نتيجة ذلك أن هبط الخراج وقلَّت خزينة الدولة، وكان من الصعب تدبير المال لإدارة شؤون الدولة، وكان لا بُدَّ من تدبير المال، فكتب لوالي سمرقند أن من أقام الفرائض وقرأ سورة من القرآن، ارفع خراجه.
لكن هذه الجباية من المتحولين للدين الإسلامي لاقت الكثير من الاعتراض، وكانت سبباً في إعلان المعارضة والمجاهرة بها، وارتموا في في أحضان خاقان الترك، وتعاونوا معاً لإخراج المسلمين من البلاد، والتقى الطرفان ولكن لم تُحسم النتيجة لأي منهم، ودخل الطرفان في مفاوضات تقتضي بخروج المسلمين من بلاد ما وراء النهر ومنها بُخارى.
وبسبب إضطراب الوضع وخروج المسلمين قام هشام بن عبد الملك بعزل أشرس بن عبدلله السلمي وولَّى مكانه الجنيد بن عبد الرحمن المرِّي، وبسبب قلة خبرة الجنيد في محاربة الترك كان يقع في أخطاء تكتيكية كثيرة أثناء اصطدامه معهم، أدت لوقوع المسلمين بمتاعب كثيرة لم يكن يستطيع الخروج منها إلا بشق النفس، لكنه استطاع استعادة بخارى وبعض المناطق الأخرى، وبالرغم من ذلك قام الخليفة هشام بعزل الجنيد بن عبد الرحمن وولَّى بدلاً منه عاصم بن عبدلله الهلالي.
وتعمَّد الخليفة عمل تنظيمات جديدة في القطاع الإداري في خراسان؛ بهدف علاج ما تردَّى من الأوضاع، خاصةً في الدول العربية التي رفض غالبية أهلها الانضمام إلى الغزوات بسبب حياة الاستقرار التي يعيشونها، فأمر الوالي بإسقاطهم من الديوان وتجنيد خمسة عشر ألفاً فقط، وسمح أيضاً لبعض القبائل الموالية بالعيش في مرو وتعتبر هي مركز الولاية، ونقل المعارضين لأماكن جديدة خارج المدينة، ولسد النقص في الجيش أمدَّ الخليفة الوالي بعشرين ألف مقاتل بدلاً من الذين رفضوا الانضمام.
وكانت ردود الفعل متفاوتة بين القبول التام والرفض مطلق، حيث اعتبرت القبائل التي أُخرجت منها مرو أنها نُفيت وأبُعدت، وأنهم لن يحصلوا على الخيرات التي جنوها بعد سكنهم الطويل في مرو، وأن السكان الجدد سوف يستولون عليها.
وفي عام 116هـ حدث أول تمرُّد عسكري بقيادة الحارث بن سريح، حيث تقدَّم إلى بلخ لابسا الأسود ناقماً على بنو أمية، وكان يدعو لكتاب الله ورسوله والبيعه للرضا، وقام بالتحالف مع خاقان الترك وانضم الهياطلة لتحالفهم أيضاً، وكانت مصلحتهم المشتركة كرههم للدولة الأموية ونقمهم عليها، فاجتمعوا وهاجموا مرو.
وأدرك عاصم بن عبدلله الهلالي بعد تجربته في خراسان، أن نفوذ آل البيت كبير جداً، وأنها لا تصلح إلا بانضمامها للعراق لأنه قريب من مركز القيادة، فأرسل للخليفة هشام وأعجب بتفكير عامله، فقام بعزله عن خراسان، وضمَّها إلى خالد بن عبدلله القسري مع العراق، وولَّى عليها أخاه أسد.
واستمر أسد ضد الحارث بن سريح، وانتصر على الترك في طخارستان وحارب الخارجين، فقام بتحقيق الأمن خاصةً على الطرق التجارية، وتوفي أسد في بلخ عام 120هـ، وتولَّى من بعده شيخ مضر نصر بن سيار، استمر في نشاط أسد وقام باستعادة السيادة للدولة الإسلامية في حوض نهر سيحون، وقام بحل مشكلة الخراج، إذ أزالها عن المسلمين وأوكلها لغير المسلمين الذين لم يكونوا يدفعونها.
وقام شيخ مضر بإزالة شكاوي المسلمين عن النظام الضرائبي، فعمَّ الأمن في خراسان في عهده، رغم ذلك كله ثبت أن استعادة النظام التام أمر مستحيل، وكان عاجزاً عن التوفيق بين العصبيتين العربيتين، وابتدأت مشاكله بعد موت هشام بن عبد الملك عام 125هـ
أما السند فقد تولاها الجنيد أيضاً، واستطاع استعادة برهمناباد، وقام بقتل جاي سنك، ووصلت غاراته لشرق الهند وجنوبها الشرقي، لكن بعد خروج المسلمين من الهند قلّض النفوذ الإسلامي فيها، وانشغال الدولة الأموية بأمورها الداخلية بعد اشتداد الحركة العباسية.

جبهة الأندلس في عهد هشام بن عبد الملك:

نظراً لضعف الحكومة المركزية في دمشق وبعد المسافة وانشغال حكام شمال أفريقيا في أعمالهم، لزم الأمر لأهل الأندلس أن يدافعوا أن أنفسهم بأنفسهم، وكانت بدايات المرحلة الأولى من تاريخ إسبانبا الإسلامية كولاية مرتبطة بالحكم المركزي في دمشق، وقد ارتبطت بمحاولات توسعية من وراء جبال البريينيه حيث بلاد غالة والفرنجة.
وتعتبر محاولة السمح بن مالك الخولاني الإندفاع وراء البرينييه بدايةً جدية للحركات التوسعية، فاستطاع اجتياح مقاطعة سبتمانيا بما فيها ناربون المدينة الساحلية واستولى عليها، ثُمَّ ما بعدها إقليم اكتانيا ثُمَّ وصلت لتولوز، ثُمّ أغاروا على مقاطعة البروفانس، وتلاقوا مع حاكم اكيتانا الدوق أودو فحدث حرب طاحنه انتهت بانتصار الدوق، وكان السمح من بين قتلى الحرب، فقاد عبد الرحمن بن عبدلله الغافقي المسلمين بمحاولة انسحاب ناجحة.
وكانت محاولة عنبسة بن سحيم الكلبي من أكبر المحاولات الإسلامية لغزو غالة، فهاجم إقليم سبتمانيا وإقليمي البرفانش وبرجنديا وفتح قرقشونة ونيم وأوتون، ثُمَّ وصل إلى حوض نهر الرون، وقام باجتياح عدة مدن منها ليون وماسون، ولكن جيشاً من الفرنجة قطع طريقه عند رجوعه واستشهد عنبسه في هذه المعركة.
أما عبد الرحمن الغافقي كان من ألمع المحاربين المسلمين، حيث يتمتع بمواهب عسكرية عظيمة، وكان الهدف الأول له هو القضاء على االدوق أودو الذي كان العقبة الرئيسية أمام تقدم المسلمين في بلاد الفرنجه، فالتقى معه في معركة على نهر الدردوني، ففرَّ الدوق هارباً واحتمى بشارل بن ببين وتعاونوا ضد المسلمين.
وكانت نتيجة هذه المعركة أن تقدم المسلمون في مقاطعة أكيتانيا حتى مدينة تور، وكان ذلك آخر امتداد بطريقة منظمة لهم؛ لأن شارل خشي من المسلمين توغلهم في بلاد الفرنجة، فتحول للأساليب الدفاعية لمنع دخول المسلمين بلاده، وعاني الغافقي وقتها من نقص في المؤن بسبب ابتعاده عن المركز، عكس الجيش الفرنجي الذي كان مرتاحاً ويفوق جيس المسلمين عدداً وعُدَّة فتعمد شارل تأخير اللقاء لإنهاك قوى المسلمين.
وحدث اللقاء العظيم بين الطرفين في منطقة سهلية بين تور وبواتييه في عام 114هـ، بمكان معروف باسم بلاط الشهداء، ودارت حرب طاحنة انتهت بانتصار شارل ومقتل الغافقي بعد قتال بطولي، واضطر بعدها الجيش الإسلامي العودة إلى سبتمانيا بسبب تفرق كلمة جنوده واختلاف رؤوساء الجند. وتعتبر معركة بلاط الشهداء من أعظم المعارك، إذ أنها أوقفت زحف المسلمين في أوروبا، وزالت مخاوف الأوروبيين، وأعطى البابا غريغوري لشارل لقب المطرقة وأصبح يسمى شارل مارتل.

ولاية العهد ووفاة هشام بن عبد الملك:

كان الوليد بن يزيد هو ولي العهد بالإستناد إلى وصية يزيد بن عبد الملك، وكان هشام ينوي أن يخلعه ليعيِّن بدلاً منه ابنه مسلمة ولكنه لم ينجح بذلك، وعندما توفي هشام كان الوليد يعيش في الأردن بمنطقة الأزرق، وتوفي هشام في سنة 125هـ، واستمرت خلافته لمدة تسعة عشر عاماً ونصف.


شارك المقالة: