واقع وإمكانية النظرية الاجتماعية في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


واقع وإمكانية النظرية الاجتماعية في علم الاجتماع:

إن الظاهرات التي يدرسها علم الاجتماع، ظاهرات طبيعية تخضع للدراسة العلمية المنهجية، وبالتالي فمن الممكن الوصول إلى نظرية علمية صادقة عن المجتمع مثلما هو الحال بالنسبة للعلوم الأخرى التي توفرت فيها هذه النظرية، مثل علم الحياة وعلم الفيزياء.

ولكن لماذا لم يتم التوصل إلى هذه النظرية العلمية في ميدان علم الاجتماع على الرغم من مرور حوالي مئة وسبعون عاماً على اكتساب دراسة المجتمع عنوان العلم، وعلى الرغم من أن التفكير في المجتمع قديم قدم البشرية؟

لكي نستطيع الإجابة على هذا التساؤل علينا أن نتوقف قليلاً لندرس الظروف الفعلية التي تحيط بالعلم، وتشجعه على التطور أو تعرقل تطوره، ذلك أن العلم قد وجد دائماً في مجتمع وكانت بينه وبين هذا المجتمع، علاقات تأثير متبادل، ولكي نوضح الظروف الفعلية التي تعوق تطور النظرية الاجتماعية وتعوق وصولها إلى فهم موضوعي ومتكامل للظاهرات الاجتماعية، يجب أن نشير إلى الظروف الاجتماعية الفعلية التي عاقت تطور العلوم الفيزيقية والبيولوجية من قبل، وإلى ما طرأ على هذه الظروف من تغير أدى إلى تطور ونمو هذه العلوم ثم نحاول التعرف على الظروف الاجتماعية المرتبطة بنشأة علم الاجتماع، وكيف تشجع هذه الظروف على عرقلة نمو النظرية الاجتماعية أو على نموها.

يدلنا التاريخ على أن المكتشفات العلمية الجديدة في ميادين العلوم الفيزيقية والبيولوجية كانت تلقى في أوروبا أشد المعارضة والمقاومة، ممّا أثر على تقدمها وأعاق نموها لفترة طويلة من الوقت، والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها، ما تعرض له عالم الفلك والرياضة والطبيعة الإيطالي الشهير جاليلي جاليليو، من سجن واضطهاد من جانب محاكم التفتيش الكاثوليكية التي نشطت في أوروبا وخاصة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وكانت مهمتها اكتشاف المذنبين ومعاقبتهم بالتعذيب والسجن والإعدام حرقاً، لقد كانت الكنيسة الأرثوذكسية في ذلك الوقت متحالفة مع الإقطاع الأوروبي وكانت تسيطر على عقول الناس وتشير بينهم الخرافات التي تتفق ومصالح الإقطاع، ولهذا كانت تحارب العلم والفكر العلمي في كافة صوره ﻷن هذا الفكر كان سيسقط الفكر الزائف الذي كانت الكنيسة، والإقطاع يروجانه.

وكانت الكنيسة تدرك أن كشف الأكاذيب والخرافات وفصح زيف الفكر الذي تروج له من شأنه أن يؤدي إلى الإطاحة بمصالحها ومصالح الإقطاع، ولكن مع قدوم عصر التنوير ومع ما طرأ على المجتمع الأوروبي من تحول من مجتمع زراعي إقطاعي إلى مجتمع صناعي رأسمالي ومع ما حدث من ثورات برجوازية أهمها الثورة الفرنسية.

كانت دراسة الظاهرات الفيزيقية والبيولوجية إذن دراسة علمية والوصول إلى القوانين التي تحكمها والتنبؤ بها، والتحكم فيها ممكنه دائماً ولم تكن مستهلة، ولكن واقع العلوم الفيزيقية والبيولوجية فيما قبل عصر التنوير والثورة الصناعية كان يتناقض تماماً مع هذه الإمكانية، ولكن مع تغير الظروف الاجتماعية الفعلية، والتي ساعد العلم أيضاً على تغييرها، أمكن أن تتحول هذه الإمكانية إلى واقع فعلي وحققت العلوم الفيزيقية والبيولوجية تقدماً مذهلاً في كافة المجالات.

المصدر: أصول البحث الاجتماعي، عبد الباسط حسن.علم الاجتماع الريفي، غريب سيد أحمد.محاضرات في تصميم البحوث، محمد سعيد فرح.مناهج البحث العملي، محمد الجوهري.


شارك المقالة: