اختبار بقعة حبر رورشاخ النفسي

اقرأ في هذا المقال


لقد سمع العديد من الأفراد عن اختبار بقعة حبر رورشاخ النفسي الشهير (Rorschach inkblot)، فهو نوع من أنواع الاختبارات النفسية، يطلب المسؤؤول عن الاختبار من المستجيبين أن يلقوا نظرة على صور بقع الحبر الغريبة ثمّ وصف ما يرونه، غالباً ما يظهر الاختبار في الثقافة الشعبية وغالباً ما يتم تصويره على أنّه طريقة للكشف عن أفكار أو دوافع أو رغبات الشخص اللاواعية.

اختبار بقعة حبر رورشاخ النفسي:

اختبار بقعة حبر رورشاخ النفسي (Rorschach inkblot) هو شكل من أشكال الاختبارات الإسقاطية النفسية، حيث قام عالم النفس (Hermann Rorschach) بتشكيله، في الغالب يتم استخدامه بهدف تقييم أداء الفرد الشخصي والعاطفي، هو ثاني أكثر اختبارات الطب الشرعي انتشاراً بعد اختبار (MMPI-2)، كشفت دراسة استقصائية أجريت عام 1995 على 412 من  علماء النفس الإكلينيكيين أجرتها جمعية علم النفس الأمريكية، أنَّ 82٪ استخدموا اختبار (Rorschach inkblot) في بعض الأحيان على الأقل.

لم يكن روشارخ الشخص الأول والوحيد الذي قام باقتراح أنّ تفسير الأفراد لمشاهد غامضة قد تكشف عن جوانب خفية لشخصيتهم، فقد كان مصدره لإنشاء اختباره الشهير من خلال مجموعة متعددة من التأثيرات، كصبي كان لدى رورشاخ تقدير كبير لـ (klecksography) أو فن صنع الصور من بقع الحبر.

مع تقدمه في السن طوّر رورشاخ اهتمام مشترك بالفن والتحليل النفسي، حتى أنّه قام بعرض أوراق حللت أعمال المرضى النفسيين الفنية، ممّا يشير إلى أنّ الفن الذي يقومون بإنتاجه يمكن استغلاله من أجل التعرّف على المزيد عن شخصياتهم.

إحدى الألعاب التي تمّ إنشاؤها في عام 1896 تضمنت إنشاء وحوش بقع الحبر لاستخدامها كمطالبات للقصص أو الشعر، جرّب ألفريد بينيه كذلك فكرة استخدام بقع الحبر كوسيلة لاختبار الإبداع وخطط في الأصل لتضمين بقع الحبر في اختبارات الذكاء الخاصة به، ربما مستوحى من هوايات طفولته ودراساته لرمزية حلم سيغموند فرويد، بدأ رورشاخ في تطوير منهج منظم لاستخدام بقع الحبر كأداة تقييم.

طور رورشاخ منهجه بعد دراسة عدد كبير من الأشخاص، بما في المرضى النفسيين والعديد من الأشخاص الذين خضعوا للمراقبة، قدم كتابه (Psychodiagnostik) لعام 1921  عشر بقع حبر اختارها على أنّها تمتاز بالقيمة التشخيصية العالية، كما قام الكتاب بتفصيل منهجه في تسجيل الردود على الاختبار، لم يكن نيته عندما أنشأ الاختبار تطوير اختبار الشخصية الإسقاطية للاستخدام العام، بل كان يسعى لإنشاء اختبار يستعمل في تشخيص مرض انفصام الشخصية.

كيف يعمل اختبار بقعة حبر رورشاخ النفسي؟

حتى نفهم طريقة عمل اختبار بقعة الحبر، يجب أن نفهم كيفية تكوينها وكيف يمكن إدارتها، يتكون اختبار (Rorschach) من 10 صور لبقع الحبر، قد تكون أسود أو أبيض أو رمادي والبعض الآخر ملوّن، يعرض عالم النفس أو الطبيب النفسي الذي تم تدريبه على استخدام الاختبار وتسجيله وتفسيره كل بطاقة من البطاقات العشر للمستجيب، أثناء الاختبار يتم تزويد الموضوع بكل واحدة من البطاقات العشر واحدة تتلو الأخرى.

ثم يقوم المسؤؤول عن الاختبار بالطلب من المُختير وصف الشكل الذي يراه على البطاقة، يتم السماح للمتقدمين للاختبار بحمل البطاقات في الوضع الذي يرغبون فيه سواء كانت مقلوبة أو جانبية، يتمتع المستجيبون بحرية تفسير الصورة الغامضة كيفما يريدون، قد يستجيبون أيضاً بأي طريقة يريدونها، قد يقولون إنّهم يرون شيئ واحد أو عدة أشياء مختلفة أو حتى لا يرون شيء على الإطلاق.

يمكن للمتقدمين للاختبار أن يركّزوا على الصورة ككل أو على جوانب معينة من الصورة أو حتى على المساحة البيضاء التي تحيط بالصورة، بمجرد أن يقدم الموضوع رد، سيطرح الأخصائي النفسي بعد ذلك أسئلة إضافية حتى يجعل الموضوع يشرح انطباعاته الأولية بمزيد من التفصيل، يقوم عالم النفس أيضاً بتصنيف ردود الفعل على عدد كبير من المتغيرات، مثل ما إذا كان الموضوع قد نظر إلى الصورة بأكملها، ثمّ يتم تفسير هذه الملاحظات وتجميعها في صورة شخصية للفرد.

كيف تعمل بقع الحبر؟

  • كيف يصف المجيبون الصورة؟ توجد ردود معينة شائعة في كل بطاقة لذلك يقوم المصححون بتضمين رمز يحدد هذه الاستجابات.
  • كم من الوقت يستغرقون للرد؟ قد يشير أخذ وقت طويل جداً قبل تقديم الرد إلى أن المستفتى “صُدم” بما يراه.
  • تُعرف العوامل بالمحددات: التي يمكن أن تتضمن الموقع واللون والتظليل وكذلك الشكل، التي تولد استجابة.
  • التعليقات الإضافية أو غير ذات الصلة: أي تعليقات إضافية يتم إجراؤها وليست جزء من الرد الرئيسي.
  • شعبية أو أصالة الردود المقدمة: بعض الردود شائعة جداً، في حين أنّ البعض الآخر قد يكون أكثر تميز، الاستجابات غير النمطية للغاية ملحوظة لأنّها قد تشير إلى اضطرابات في أنماط التفكير.

تفسير بقع الحبر:

البطاقة الأولى في اختبار (Rorschach) هي صورة شبه متطابقة باللون الأبيض والأسود، يقوم المستجيبون بوصفها على أنّها خفاش أو فراشة، تعد مشاهدة الأشكال الحيوانية أو البشرية أحد استجابات الأفراد المنتشرة بين من البطاقات العشر، أمّا البقعة الثالثة للحبر على سبيل المثال غالباً ما يتم وصفها أنّها شخصيتان بشريتان تقومان بالتشارك في نوع من التفاعل، يُعتقد أنّ الردود على هذه البطاقة توفر معلومات حول كيفية تفاعل الفرد مع الآخرين.

من الممكن أن تشير الاستجابة السريعة بشكل نسبي إلى الإحساس بالراحة مع الآخرين، كذلك الراحة في العلاقات الاجتماعية، مع ذلك قد تكشف الاستجابة بشكل متأخِّر أنّ الفرد يكافح مع التفاعلات الاجتماعية، تحتوي بعض بقع الحبر على اللون الأحمر والذي يُرى على أنّه دم، يمكن أن تكون الردود على مثل هذه البطاقات مؤشر على كيفية تعامل الأشخاص مع التهديدات أو كيفية تعاملهم مع الغضب، غالباً ما تظهر الصور الجنسية في العديد من البطاقات.

أشارت العديد من الدراسات إلى أنّ ما بين 50 إلى 70% من علماء النفس الإكلينيكي يستخدمون (Rorschach) كأداة تقييم، مع ذلك لخّصت إحدى المراجعات أنّ اختبار (Rorschach) كان له القليل من الصلاحية كأداة تشخيصية، تشير الأبحاث إلى أنّ بعض الاستجابات لبقع الحبر قد تدل على مرض انفصام الشخصية وربما اضطراب ثنائي القطب واضطراب الشخصية الفصامية.

مع ذلك تدل الدراسات على أنّ ردود الفعل على بقعة الحبر ليس لها علاقة باضطراب ما بعد الصدمة أو اضطرابات القلق أو اضطراب السلوك أو اضطراب الاكتئاب الشديد أو اضطراب الشخصية المعتمد أو اضطراب الشخصية النرجسية أو اضطراب السلوك أو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.

انتقادات اختبار بقعة حبر رورشاخ النفسي:

مخاوف تتعلق بتسجيل اختبار بقعة الحبر:

تمّ انتقاد الاختبار على نطاق واسع خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي بسبب افتقاره إلى الإجراءات الموحدة وأساليب التسجيل والمعايير، قبل عام 1970 كان هناك ما يصل إلى خمسة أنظمة تسجيل اختلفت بشكل كبير لدرجة أنّها مثلت بشكل أساسي خمسة إصدارات مختلفة من الاختبار، في عام 1973 قام جون إكسنر بنشر نظام تسجيل جديد يشمل ويجمع بين أقوى عناصر الأنظمة السابقة.

مخاوف بشأن ضعف الصلاحية والموثوقية:

بالإضافة إلى النقد المبكر لأنظمة التسجيل غير المتسقة، يلاحظ المنتقدون أنّ صحة الاختبار الضعيفة تعني أنّه غير قادر على تحديد معظم الاضطرابات النفسية بدقة، يمكن أن يكون تسجيل الاختبار عملية ذاتية للغاية، انتقاد رئيسي آخر لرورشاخ هو أنّه يفتقر إلى الموثوقية، بعبارة أخرى قد يتوصل طبيبان إلى استنتاجات مختلفة تماماً حتى عند النظر إلى ردود نفس الموضوع.

مخاوف من التشخيص:

فقد أظهرت تجارب بعض الفعاليّة في تشخيص الأمراض التي تتميز التفكير المشوه، مثل الفصام والاضطراب الثنائي القطب، مع ذلك يحذر بعض الخبراء من أنّه نظراً لأنّ نظام تسجيل (Exner) يحتوي على أخطاء، فقد يكون الأطباء عرضة للإفراط في تشخيص الاضطرابات الذهانية إذا كانوا يعتمدون بشدة على نظام (Exner).

غالباً ما يستخدم الاختبار في الاستشارة النفسية، كما يقوم الأشخاص الذين يستخدمونه بشكل منتظم باستغلاله حتى يحصلوا على كم جيد من المعلومات النوعية حول طرق شعور الشخص، يمكن للمعالج والمريض بعد ذلك استكشاف بعض هذه المشكلات أثناء العلاج، على الرغم من الخلافات والانتقادات حول استخدامه، لا يزال اختبار (Rorschach) يستخدم على نطاق واسع اليوم في مجموعة متنوعة من المواقف مثل المدارس والمستشفيات وقاعات المحاكم.

اليوم يرفض بعض علماء النفس رورشاخ على أنّه مجرد بقايا من ماضي علم النفس، علم زائف على قدم المساواة مع  علم فراسة الدماغ  وعلم التخاطر، يقترح بعض الخبراء أنّه في حين أنّ (Rorschach) تستحق بالتأكيد النقد فهي لا تخلو من الجدارة.

كان استخدام الاختبار في تحديد اضطرابات التفكير راسخ، كما تشير الأبحاث المتاحة إلى أنّ صحة الاختبار أكبر من مصادفة، في حين أنّ اختبار بقعة الحبر قد لا يكون أداة مثالية، إلا أنّه يمكن أن يلعب دور مفيد في تحديد بعض الحالات النفسية، بالإضافة إلى تقييم العلاج النفسي.

المصدر: الاختبارات النفسية، سوسن شاكر مجيدالاختبارات النفسية، د.فيصل عباسالاختبارات النفسية العصبية، سعيد بن سعد زهرانأسس بناء الاختبارات والمقاييس النفسية والتربوية، سوسن شاكر مجيد


شارك المقالة: