أهمية تعلق الطفل بالمسجد

اقرأ في هذا المقال


الأطفال من وجهة نظر الدين الإسلامي هم عماد المستقبل وأساسه، ولا يمكن بناء مستقبل مشرق دونهم، فهم رجال الغدّ وعنصره الرئيس، لذا يجب الاهتمام تنشئتهم تنشئة سليمة، وتوفير بيئة ملائمة لتربيتهم وتعليمهم، وللمسجد دور مهم وأساسي في ذلك، والدليل على ذلك اهتمام الإسلام بالأطفال حتى أثناء أداء العبادة في المسجد.

أهمية تعلق الطفل بالمسجد

كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتوقف قبل أن يبدأ الصلاة حتى يتمكن الطفل الصغير من إنهاء لعبته، وكان صلى الله عليه وسلم يصلي في الناس  وهو يحمل طفلا بين ذراعيه، وها هو صلى الله عليه وسلم يدفعه صراخ الطفل إلى عدم الإطالة في الصلاة، وكان هذا في مسجد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

عن شداد بن أوس رضي الله عنه قَالَ: “خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء، وهو حامل حسنا أو حسينا، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه، ثم كبر للصلاة، فصلى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي: فرفعت رأسي، وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال الناس: يا رسول الله، ‌إنك ‌سجدت ‌بين ‌ظهراني ‌صلاتك سجدة أطلتها، حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله، حتى يقضي حاجته”، رواه النسائي، صححه الألباني.

عن أبي قتادة: “أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ يصلِّي وَهوَ حاملٌ أُمَامَةَ بنتَ زينبَ بنتِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فإذا سجدَ وضعَها وإذا قامَ حملَها”، الحديث صحيح، توضح هذه الأحاديث كيف كان من الطبيعي أن يكون الرضع والأطفال الصغار جزءًا من المسجد النبوي، يظهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم يفهم طبيعة الأطفال ويهتم باحتياجاتهم وراحتهم في المسجد.

أهمية تحمل وجود الطفل في المسجد

عندما لا يتم الترحيب بالأطفال في المسجد، فهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى عدم ذهاب الآباء إلى المساجد، وهذا عكس منهج النبوة في هذه المسألة، وعكس إرشادات الدين الإسلامي بالتعامل مع الأطفال.

السؤال المهم إلى أين يجب أن يذهب الأطفال للتعلم والتواصل الاجتماعي؟ قد يؤدي ذلك إلى إعطاء الأطفال فرصة للركض والحصول على تغيير سلبي للمكان باستبدال المسجد بمراكز التسوق، حيث يتعرض الأطفال للموسيقى المبتذلة والملابس الهزيلة والإعلانات المغرية، وغيرها من الأماكن الأخرى التي تشكل خطرًا على حياتهم ومستقبلهم.

ويجب أن تكون مساجدنا هي المراكز المجتمعية التي تمنح الأمهات وأطفالهن فرصة لبناء صداقات مفيدة، واستيعاب اللقاءات الدورية؛ لمناقشة احتياجاتهم، الأمر الذي يؤدي إلى صقل شخصيتهم، وتوجيههم توجيهًا سليمًا.

وعندما لا ترحب المساجد بالأطفال، سيجد الأطفال أماكن أخرى للذهاب إليها، وغالبًا ما يتلقى الأطفال في المسجد انتقادات بسبب ضجيجهم ولباسهم ولعبهم، وقد يتلقى الأطفال الثناء على نكاتهم وملابسهم وقدراتهم الرياضية في أماكن أخرى غير المسجد، فيؤدي ذلك إلى تفضيل الطفل الذهاب إلى تلك الأماكن وهجرهم للمسجد، وهذا دليل خطر على مستقبل الأطفال وتعلقهم بالمساجد والتزامهم بالصلاة.

ويزدهر الأطفال حيث يشعرون بالانتماء، فإذا أراد المجتمع أن يشعر الأطفال بأنهم ينتمون إلى المجتمع المسلم، فيجب أن يشعروا بالترحيب في المسجد، والأطفال الذين يركضون في منطقة الانتظار أمام المسجد أو يلعبون كرة السلة في ساحته، ليست علامات على وجود مسجد صاخب أو أطفال يسيئون التصرف؛ إنها علامات على مجتمع مزدهر يقوم فيه الأطفال ببناء صداقات تربط قلوبهم وعقولهم بالمسجد.

ويحتاج الأطفال إلى تطوير هذا الاتصال من البداية، ويجب العناية والاهتمام بدخول الأطفال إلى المسجد قبل أن يبلغوا وتتعلق قلوبهم بغيره، فقد يكون الأوان قد فات لإحضار المسجد إلى قلوبهم، وإن التسامح مع القليل من الضجيج واللعب هو تضحية صغيرة لبناء مجتمع مسلم مستقبلي إيجابي.

ومن الواضح أن الأطفال الصغار يمكن أن يصرفوا المصلين أثناء الصلاة، ونادراً ما يصلي الآباء والأمهات دون إلهاء أطفالهم الصغار، والأطفال الصغار سواء في المنزل أو في المسجد، هذه هي الطبيعة التي خلقها الله تعالى فيهم، فهم يفيضون بالطاقة والحماس ويفتقرون إلى ضبط النفس، علمًا بطبيعتهم.

طرق تأليف قلب الطفل بالمسجد

قد علم الرسول صلى الله عليه وسلم كيفية التعامل مع الأطفال، وحث الكبار على الرحمة والرأفة بالصغار، ومثال على ذلك كيفية تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع أنس بن مالك الذي خدمه صبياً، فلم يوبخ النبي صلى الله عليه وسلم أنس على نسيان أي مهمة أو أي شيء آخر خلال تسع سنوات التي قضاها في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم، وبنفس الوقت لا يجب أن يكون المسجد الذي يرحب بالأطفال مكانًا صاخبًا وجامدًا؛ بل يجب أن يكون مريحاً لهم.

وهناك العديد من النصائح لتأليف الأطفال بالمسجد، والعديد من الطرق للتعامل معهم في المسجد ومنها:

1- تصحيح أخطاء الأطفال بلطف

على الآباء واجب تذكير الأطفال بلطف ما هي آداب المسجد، لا يمكن إجبار طفل، أو حتى أي شخص بالغ، على الانصياع لأوامرهم، لا يصغي الأطفال من جميع الأعمار لأي شخص منفعل، ويستمعون إلى شخص الذي يبتسم ويتحدث معهم، ويظهر اهتمامًا باحتياجاتهم، ويتجاهل الأطفال ويتهربون ويهينون الشخص الذي يعاملهم بقسوة وغضب وشتائم.

2- عرض المساعدة على الأطفال

بدلًا من التحديق في الأب وهو يركض خلف طفله النشط أو والدته وهي تكافح لتهدئة الطفل، يجب على من بالمسجد عرض المساعدة بطريقة مهذبة، فهذا يساعد الآباء على التحكم في أطفالهم.

3- إجراء جلسات تذكير للأطفال

يمكن أن توفر المساجد تذكيرات ودية متكررة للآباء والأطفال حول قواعد وأخلاق المسجد، وأن لا يكون ذلك بطريقة التلقين والأوامر.

4- إنشاء مرافق صديقة للأطفال

التأكد من أن حمام المسجد به طاولة تغيير لمنع البقع والروائح بالانتقال على سجاد الصلاة، وتوفير غرفة أو حواجز للأمهات المرضعات، ووضع أدوات التنظيف في متناول الأهل لتنظيف المسجد بعد أطفالهم، ووضع المصاحف والكتب بعيدًا عن متناول الأطفال.

في النهاية يجب إنشاء في المسجد غرفة إصلاح منفصلة للآباء والأمهات مع الأطفال، وملأها بالألعاب المباحة والمواد الحرفية، وتنظيم مجالسة الأطفال في الأوقات التي تتوقع فيها الكثير من الأطفال، مثل صلاة الجمعة والتراويح أو أثناء المحاضرات، والذي بدوره يحفز الأبناء لحب المسجد والتعلق به.

المصدر: فن تربية الأطفال في الإسلام، محمد سعيد مرسيفصل الكلام في حقوق الطفل والمرأة في الإسلام، حكمت فريحات، 2012حقوق الأطفال: سلسلة التربية الإسلامية، أحمد شوقي إبراهيم، 2012‏ملامح رعاية وتربية الطفل في الإسلام، ‏دويبي عبد السلام، 1998


شارك المقالة: