العادة العقلية هي حدث قابل للتفسير

اقرأ في هذا المقال


تعني عادة العقل أن يكون لدى المرء ميل نحو التصرف بذكاء عند مواجهة مشكلة لا يعرف إجابتها، بينما يشير التصرف بذكاء إلى سلوك حل المشكلات الذي يتم إنشاؤه من خلال الخبرة المكتسبة من خلال التفاعلات الاجتماعية، وبهذه الطريقة يبدو أنّه يمكن تفسير العادات وكيف تشكلت وكيف تتعامل العادات مع الظروف الجديدة، والتي يمكن أن يتم تفسيرها عن طريق باب الذكاء للمرء.

الارتكاس المشروط والعادات

هناك بعد آخر ملموس داخل الترتيب الوراثي لعلاقة الذكاء بالعادات، فعلى سبيل المثال تعد اكتينيات بييرون التي يتم تركها معزولة في جزر محددة والتي تعمل على الحفاظ على المياه اللازمة لها، فلا يبرهن هذا السلوك عن ذكاء متحرك جيدًا حيث تحافظ بشكل خاص داخل حوض ماء على عاداتها بضعة أيام قبل أن تنطفئ من ذاتها حيث هذا يعتبر تكيفًا، كما علم غويبو سات غولدت شميت طريقة الأكل بأن تمر من ثقب في لوحة من الزجاج وتحافظ على خط سيرها عند رفع هذا اللوح، ويمكننا أن نطلق على هذا السلوك ذكاء غير قشري، مع أنّه يبقى أقل بكثير مما يدعى عمومًا ذكاء.

من هنا أتت الفرضية التي بدت لفترة طويلة هي الأبسط بأنّ العادة تشكل حدثًا قابلًا للتفسير، حيث ينبثق الذكاء شيئاً فشيئًا عنه نتيجة التشابك المتصاعد في الترابطات المكتسبة، ومع ذلك يبدو ضروريًا فهم بنيات الذكاء ونموها الواقعي، والتذكر بمدى بقاء العادات الأكثر ضرورة والعادات غير القابلة للرجوع إلى تصورات الترابط السلبي، وفي هذه الحالة يكون مفهوم الارتكاس المشروط أو التكيف بشكل عام لتجديد حيوية النظرية الترابطية وبذلك يتم إعطاء أنموذج فيزيولوجي دقيق ومصطلح متجدد في آنٍ واحد.

من هنا تنبثق سلسلة التطبيقات التي يحاول السيكولوجيون في تحليل الوظائف الفكرية من مثل اللغة والتعبير وغيرها من الوظائف وحتى أحيانًا لفعل الذكاء نفسه، حيث في هذه الحالة أنّ نماذج العادة الأكثر بدائية مثل المشي نفسه يحصل بأول نسبة للنقلات الترابطية المتشابكة أكثر فأكثر والتي تقيدها بانطلاق الذكاء: فحيثما يكون الترابط بين التحرك والإدراك يقوم تداعي الأفكار.

وفي الواقع بدمج العنصر الجديد داخل التصور السابق للنشاط بغض النظر فيما إذا كان هذا التصور السابق من النوع الارتكاسي كما هو الحال داخل الارتكاس المشروط، أم من درجات أكثر ارتفاعًا فأنّ التداعي يشكل في الحقيقة أينما كان تكيفًا، والوثاق الترابطي ليس مطلقًا بمجرد تكرار العلاقة معينة قائمة مع الواقع الخارجي، ولذلك يبقى تفحص نشأة العادة كبنية الإدراكات إلى أقصى درجة مهمًا بالنسبة لمسألة الذكاء، فإذا لم يقم الذكاء الناشئ إلّا على ممارسة نشاط يأتي متأخر، ويقع في درجة عالية داخل عالم تداعي الأفكار والعلاقات الملائمة حرفيًا للعلاقات المسجلة بشكل نهائي داخل البيئة الخارجية، فإنّ هذا النشاط يصبح في الواقع وهميًا بالمقابل.

علاقة التجربة الذهنية بالعادات

بقدر ما يتداخل تداعي الأفكار العضوية التي تؤدي بالنهاية إلى العمليات الخاصة بالذهن منذ بداية النشاط الإدراكي وتكوين العادات، فأنّ البيانات التجريبية التي نحاول إطلاقها على الذكاء المكتمل غير كافية على كل المستويات لأنّها تهمل التنشئة التكيفية.

من المعلوم أنّ ماش ورينانو فهما التفكير على أنّه تجربة ذهنية وهذا الوصف صحيح من ناحية مبادئه، ويتخذ شكل حل تفسيري إذا كانت التجربة نسخة من الواقع الخارجي القائم، وبما أنّ الأمر ليس كذلك وسبق للتطابق مع الواقع أنّ افتراض على صعيد العادة تكيف هذا الأخير مع تصورات الفرد، فأنّ تفسير التفكير من خلال التجربة الذهنية يدور في حلقة مفرغة.

حين أرجع سبيرمان الذكاء إلى الفترات الثلاثة الأساسية من تعلم التجربة وتهذيب العلاقة وتهذيب الارتباطات، ومن هنا يبدو أنّه من المفيد إضافة أنّ التجربة لا تضبط دون توسط الترابط البناء، حيث تقوم فترة تهذيب العلاقات على فهمه واستيعابه على أنّه عملية تقوم بذاتها، وتأتي نتيجة مجموعة متسلسلة من العلاقات المتناسقة أو من دمج هذه المجموعة المتسلسلة، في حين أن تهذيب الارتباطات يمثل ما تم طبعه باقترانات العلاقة ما يميل نحو التصدي المباشر إلى معرفة طابعها التلازمي متضامن مع تكتلات محددة تمامًا مسؤولة عن مضاعفة الرتب أو العلاقات، وإنّ الاستمرارية التي تصل العادات الأساسية بالذكاء أكثر نموًا.

تشكل العادة في الظروف الجديدة

تم إعادة مفاهيم المحاولة التجريبية بعد محاولة معينة والتي تم عمل منها مبدأ نظرية تتعلق بالذكاء وتطبق بالتتابع على الذكاء الغرائزي وعلى ذكاء الطفل العملي وحتى على مسألة ظهور فرضية علم نفس العقل الراشد، وقد تم البدء بعمل مقارنات على الذكاء بصفته وظيفة بديلة عن التكيف الجديد والعادة الغريزية الآلية والتي عادةً ما تقوم على تكيف يعاد بشكل متكرر مع الظروف، ولكن كيف يتصرف الفرد في حالة الظروف الجديدة؟

كل إنسان وحتى العالم نفسة يحاولون التجريب وقد تكون هذه المحاولة التجريبية حركية حسية صرفة، أو استبطانية تحت شكل محاولات فكرية فقط حيث إنّما تبقى وظيفتها دومًا ذاتها، وهي إيجاد حلول تنقيها التجربة بعد الصدمة، وهكذا يفترض فعل الذكاء التام ثلاث فترات أساسية وهي:

1- السؤال الذي يوجه البحث.

2- الفرضية التي تستبق الحلول.

3- الرقابة التي تختار من بين هذه الأخيرة.

يمكننا التمييز بين نوعين من الذكاء وهما: الأول عملي أو تجريبي والآخر تأملي فكري، حيث يبرز السؤال في النوع الأول فيظهر حاجة بسيطة والفرضية بمظهر محاولة تجريبية حركية حسية، أما الرقابة تظهر بمظهر سلسلة من الإخفاقات والنجاحات.

النوع الثاني فالحاجة تنعكس إلى سؤال ويجري استبطان المحاولة التجريبية إلى أبحاث من الفرضيات وتستبق الرقابة عواقب الاختيار بواسطة وعي العلاقات الكافية لاستبعاد الفرضيات الخاطئة والاحتفاظ بالجيدة منها، وأكد تولمان على دور التعميم في تكوين العادات في ذاتها، وهكذا يدرك الحيوان وجود متاهة جديدة عن تلك التي يعرفها وتماثل جديد إجمالي ينطبق على وضعه الجديد مع التصرفات التي نجح فيها سابقًا،

يبدو أنّ الاكتساب يفترض منذ التدرب الأولي نشاطاً تكيفياً حتى تصبح العلاقة بين العادة والذكاء موازية تمامًا لمسألة العلاقات بين الذكاء والإدراك الحسي، والقدرات تنظر إلى الذكاء بأنّه قدرة عقلية ناجمة عن الاختلاف في الفروق الفردية بين الطلبة، أما عادات العقل فتنظر إلى الذكاء على أنّه ميل نحو شيء معين، وتعبر عن نظرة إلى الذكاء تتركز الى الشخصية وتحترم دور المزاج والاختلافات الفردية، والنظر للذكاء على أنّه ميل يعني
أنّه أنماط مميزة من السلوك الذكي في مواقف الحياة اليومية، وجميع الرؤى للذكاء تتمثل في الوصف اللفظي لمظاهر السلوك الذكي.

المصدر: سيكولوجية عادات العقل والسلوكيات الذكية (التعود العفلي(، تأليف: ضاري خميس العبادي، لناشر: مكتب اليمامة للطباعة والنشر، دار الكتب والوثائق ببغداد لسنة 2019م.The National Assessment of College Student Learning: Identification of the Skills to be Taught, Learned, and Assessed, NCES 94–286, US Dept of Education, Addison Greenwood (Ed), Sal Carrallo (PI). See also, Critical thinking: A statement of expert consensus for purposes of educational assessment and instruction. ERIC Document NoCosta, A. & Kallick, B (2000), Discovering and Exploring Habits of Mind. ASCD. Alexandria, Victoria USA.Briggs, Tracey, W. Passion for What They Do Keeps Alumni On First Team. U. S. A Today. February 25, 1999. Vol. 17, No. 115 pp. 1A-2A.قطامي، يوسف وعمور، أميمة (2005)، عادات العقل والتفكير النظرية والتطبيق. عمان. دار الفكر


شارك المقالة: