الكذب والخداع في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


يهتم علماء النفس الأخلاقي بتقسيم الأسئلة المركزية للنقاش حول الكذب والخداع في علم النفس، حيث أن الأسئلة من النوع الأول تعريفية أو مفاهيمي وهي تتضمن أسئلة حول كيفية تعريف الكذب، وكيف يتم تعريف الخداع، وما إذا كان الكذب دائمًا شكل من أشكال الخداع، والأسئلة من النوع الثاني معيارية وبشكل أكثر تحديدًا أخلاقية، وهي تتضمن أسئلة عما إذا كان الكذب والخداع خطأ أخلاقيًا بشكل مبرر أو لا يمكن تبريره، وما إذا كان الكذب أسوأ من الخداع من الناحية الأخلاقية.

الكذب في علم النفس

لا يوجد تعريف مقبول عالميًا للكذب على الآخرين، والتعريف الأكثر قبولًا للكذب هو أنه يعبر عن تصريح يدلي به شخص لا يصدقها بنية أن يُقاد شخص آخر إلى تصديقه، بقصد جعل شخص آخر يقبله على أنه صحيح، ولتقديم بيان صدق خاطئ لشخص آخر بقصد أن الشخص الآخر يعتقد أن هذه العبارة صحيحة.

وفقاً لهذا التعريف للكذب هناك أربعة شروط ضرورية على الأقل للكذب أولاً يتطلب الكذب أن يدلي الشخص ببيان أو شرط البيان، وثانيًا يتطلب الكذب أن يعتقد الشخص أن البيان كاذب أي أن الكذب يتطلب أن يكون البيان غير صادق شرط عدم الصدق، وثالثًا يتطلب الكذب تقديم البيان غير الصادق إلى شخص آخر وشرط المرسل إليه، ورابعًا يتطلب الكذب أن يقصد الشخص الآخر أن يكون التصريح غير الصادق صحيحًا نية خداع حالة المرسل إليه.

وفقًا لشرط البيان في الكذب في علم النفس يتطلب الكذب أن يدلي الشخص ببيان، حيث يتطلب الإدلاء ببيان استخدام العلامات أو الرموز التقليدية، العلامات التقليدية الموجودة في مكان محدد تعارض العلامات أو المؤشرات الطبيعية أو السببية، بالإضافة إلى العلامات التي تدل على التشابه أو الرموز مثل كشخصية ترتدي فستانًا مميزاً في مكان لا يتناسب، لذلك يتطلب الإدلاء ببيان استخدام اللغة.

من الممكن لأي شخص أن يدلي ببيان باستخدام لغة الإشارة وكذلك عن طريق عمل إيماءات جسدية محددة تم تحديد معانيها من خلال الاصطلاح على سبيل المثال إيماء رأس المرء برأسه ردا على سؤال، ومن ثم يمكن الكذب بهذه الوسائل، إذا كان من المسلم به أن الشخص لا يدلي ببيان عندما يرتدي شعر مستعار أو يعطي ابتسامة مزيفة وغيرها فهذا يعني أن الشخص لا يمكن أن يكذب من خلال القيام بهذه الأشياء، وإذا كان من المسلم به أن الشخص لا يدلي ببيان عندما يرتدي زي الشرطة عندما لا يكون ضابط شرطة فهذا يعني أنه لا يستطيع أن يكذب من خلال القيام بذلك.

يجب تمييز شرط البيان عن شرط مختلف مفترض ضروري للكذب أي شرط أن يتم التأكيد عليه، وشرط التأكيد ليس شرطًا ضروريًا للكذب ووفقًا لشرط البيان في الكذب لا يمكن الكذب بحذف الإدلاء ببيان، ما يسمى بأكاذيب الإغفال أو الكذب السلبي، من الممكن أن يكذب الشخص بالبقاء صامتًا، فإذا كان الصمت إشارة متفق عليها مسبقًا مع الآخرين والتي تعادل الإدلاء ببيان.

وفقًا لشرط عدم الصدق في الكذب، يتطلب الكذب أن يدلي الشخص ببيان غير صادق أي الإدلاء ببيان يعتقد أنه كاذب، وهنا يجب ملاحظة أنه يجب تمييز هذا الشرط عن الشرط الضروري المفترض للكذب بأن العبارة التي يدلي بها الشخص خاطئة، فقد تكون العبارات الصادقة كاذبة، وقد تكون العبارات الكاذبة صحيحة.

إذا أدلى الإنسان ببيان صادق بقصد خداع شخص آخر، فهو لا يكذب على شرط عدم الصدق، بالإضافة إلى أن الكذب ليس أكاذيب في كل الأوقات، فإن الخدعة المزدوجة ليست كذبة أيضًا وفقًا لشرط الكذب إذا أدلى المرء ببيان صادق، يقصد المرسل إليه أن يعتقد أن البيان خاطئ، فعندئذٍ لا يكذب.

أحد الآثار الضمنية لشرط عدم الصدق هو أنه إذا أدلى شخص ما ببيان يعتقد أنه ليس صحيحًا أو خاطئًا، فلا يمكنه أن يكذب، فإنها مسألة نقاش حول ما إذا كان من الممكن الكذب باستخدام الاستعارات يعتبر هذا البيان غير الصادق الذي تم تقديمه بنية الخداع هو عادة لا تعتبر كذبة؛ لأن البيان غير الصادق هو مجازي، ومع ذلك يجادل البعض بأنه من الممكن الكذب باستخدام الاستعارات، إذا كانت العبارات المجازية الكاذبة حرفيًا يمكن أن تكون عبارات صادقة، وفقًا لمعتقدات المتحدث وبالتالي يمكن أن تكون تصريحات غير صادقة وفقًا لمعتقدات المتحدث.

الخداع في علم النفس

هناك موقفان يشغلهما من يهتمون بتعريف الكذب من علماء النفس والفلاسفة وهما الخداع وعدم الخداع، المجموعة الأولى الخادعين ترى أن نية الخداع ضرورية للكذب، ويمكن تقسيم الخادعين بدورهم إلى خادعين بسيطين، الذين يعتقدون أن الكذب يتطلب إصدار بيان غير صادق بقصد الخداع، والخادعين المعقدين الذين يعتقدون أن الكذب يتطلب تقديم تأكيد غير صادق بقصد الخداع عن طريق خرق الثقة أو الإيمان، والمخادعين الأخلاقيين الذين يرون أن الكذب يتطلب الإدلاء ببيان غير صادق بقصد الخداع، وكذلك انتهاك حق أخلاقي للآخر أو الإساءة الأخلاقية للآخر.

المجموعة الثانية غير الخادعين ترى أن نية الخداع ليست ضرورية للكذب، ويرون أن التعريف التقليدي غير صحيح وغير كاف، حيث يمكن تقسيم غير المخادعين إلى غير خادعين بسيطين الذين يرون أن تقديم بيان غير صادق كافٍ للكذب، وغير المخادعين المعقدين الذين يرون أنه شرطًا إضافيًا، بالإضافة إلى الإدلاء ببيان غير صادق مطلوب للكذب.

يشمل الخداع البسيط في علم النفس أولئك الذين يدافعون عن شروط الكذب وكذلك أولئك الذين يدافعون عن النسخ المعدلة من تعريفه بالنسبة للمخادعين البسطاء يتطلب الكذب إصدار بيان غير صادق بقصد الخداع، لكنه لا يتطلب تقديم تأكيد أو خرق للثقة أو الإيمان.

يعتقد الخادعين المعقدين أنه بالإضافة إلى طلب نية الخداع  فإن الكذب يتطلب تقديم تأكيد غير صادق، وكذلك أو يستلزم ذلك خرقًا للثقة أو الإيمان، يرى العديد من المهتمين بمفهوم الخداع في علم النفس أن المرء لا يقوم إلا بتأكيد شخص آخر إذا أدلى ببيان لشخص آخر ويعتقد الآخر أن الشروط تجعل الشخص الآخر يعتقد أن تصريحه صحيح و أن أحدهم يعتزم أن يعتقد الشخص الآخر أنه يعتقد أن جملة المرء صحيحة.

وفقًا لشروط الكذب لا يمكن الكذب إذا كان المتحدث يعتقد أن الظروف من هذا القبيل بحيث لا يكون لدى المستمع ما يبرره في الاعتقاد بأن المتحدث يدلي ببيان صادق، ومنها يقدم العالم إيمانويل كانط مثالاً يقوم فيه اللص بإمساك الضحية من حلقه ويسأله أين يحتفظ بأمواله، فإذا أدلى الضحية ببيان غير صادق ليس لدي نقود يقول كانط أن هذه ليست كذبة؛ لأن الآخر يعرف أنه ليس لديه أيضًا أي حق في طلب الحقيقة مني.

يعتقد العالم ديفيد سيمبسون أيضًا أن الخداع يتطلب تأكيدًا وخرقًا للإيمان، بتأكيدنا على أننا نقدم أنفسنا على أننا نؤمن بشيء ما أثناء الاستدعاء على الرغم من عدم اكتسابه بالضرورة ثقة الشخص الذي نؤكد له، حيث يحدث هذا الاحتجاج بالثقة من خلال فعل الإخلاص الصريح والذي بموجبه نحاول أن نثبت كل من أننا نؤمن ببعض الافتراضات وأننا نعتزم أن يدركوا أننا نؤمن به.

الخداع في علم النفس هو تأكيد غير صادق بمعنى أن إيمان المؤكّد المطلوب مفقود يستلزم هذا أن الشخص الذي يكذب يهدف إلى الخداع بثلاث طرق، أولاً لدينا نية أن يكون أحدهم مخطئًا فيما يتعلق ببعض الأمور، كما نرى حقيقة الأمر، هذه هي النية الخادعة الأولية، ثانيًا نعتزم خداع الشخص الآخر فيما يتعلق بإيماننا بهذا الأمر أي نحن لا نكذب حول هذا الاعتقاد، لكننا نعتزم الخداع بشأنه.

المصدر: مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم.علم النفس العام، هاني يحيى نصري.علم النفس، محمد حسن غانم.


شارك المقالة: