خداع الذات الجماعي في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


تقريبًا كل جانب من جوانب خداع الذات بما في ذلك تعريفه وحالاته النموذجية هو موضوع جدل بين الفلاسفة وعلماء النفس، والحد الأدنى من خداع الذات ينطوي على الشخص الذي يبدو أنه يكتسب ويحتفظ ببعض الاعتقاد الخاطئ في أساس الدليل على عكس ذلك نتيجة لبعض الدوافع الإنسانية، والذي قد يظهر سلوكًا يوحي ببعض الإدراك للحقيقة.

خداع الذات الجماعي في علم النفس

تلقى خداع الذات الجماعي في علم النفس اهتمامًا فلسفيًا مباشرًا ضئيلًا مقارنة بنظيره الفردي، فقد يشير الخداع الذاتي الجماعي ببساطة إلى مجموعة من الأفراد المخدوعين بأنفسهم أو إلى كيان جماعي، مثل شركة أو لجنة أو هيئة محلفين أو ما شابه يكون خادعًا للذات، تعكس هذه البدائل منظورين أساسيين اتخذه علماء المعرفة الاجتماعية من علماء النفس بنسب المواقف الافتراضية تجاه المجموعات.

من ناحية أخرى يمكن أن تؤخذ هذه الإسهامات بإيجاز كطريقة غير مباشرة لإسناد تلك المفاهيم إلى أعضاء الجماعة، هذا الفهم الملخص إذن يعتبر المواقف المنسوبة إلى المجموعات ليست أكثر من استعارات تعبر عن مجموع المواقف التي يتبناها أعضائها، مثل إن القول بأن الطلاب يعتقدون أن الرسوم الدراسية مرتفعة للغاية هي مجرد طريقة للقول أن معظم الطلاب يعتقدون ذلك.

من ناحية أخرى قد تُفهم مثل هذه الإسناد بشكل غير محكم على أنها تنطبق على الكيانات الجماعية، فهي متميزة وجوديًا عن الأعضاء الذين تعتمد عليهم، هذه ما يسمى بالموضوعات المتعددة أو الاندماجيات الاجتماعية، أثناء الإشراف على الأفراد الذين يتألفون منها، قد تعبر عن مواقف تختلف عن الأعضاء الفرديين، يعتبر الفهم غير التجميعي إذن أن الجماعات مثل الأشخاص هم مجرد أهداف مناسبة لإسناد المواقف الافتراضية، وربما اللوم الأخلاقي والمعرفي أيضًا.

بالمعنى التجميعي يشير خداع الذات الجماعي في علم النفس إلى الاعتقاد الخادع للذات الذي تشاركه مجموعة من الأفراد، والذين يأتي كل منهم إلى الاعتقاد بخداع الذات لأسباب مماثلة وبوسائل مماثلة، متفاوتة وفقًا لحساب خداع الذات المتبع، قد نطلق على هذا خداع الذات عبر جماعي أيضاً، وبالمعنى غير التجميعي فإن موضوع خداع الذات الجماعي هو الجماعة نفسها وليس مجرد الأفراد الذين يتألفون منها.

أشكال خداع الذات الجماعي في علم النفس

تتمثل أشكال خداع الذات الجماعي في علم النفس من خلال ما يلي:

1- خداع الذات عبر المجموعة

يمكن فهم خداع الذات الجماعي بأنه تمسك باعتقاد خاطئ في مواجهة أدلة على عكس ذلك من قبل مجموعة من الناس نتيجة لرغبات أو عواطف أو نوايا مشتركة اعتمادًا على حساب خداع الذات، ولصالح هذا الاعتقاد يختلف الخداع الذاتي الجماعي عن الأشكال الأخرى من المعتقدات الزائفة الجماعية مثل التي قد تنجم عن الخداع أو الافتقار إلى الأدلة، بقدر ما يكون الاعتقاد الخاطئ من آليات خداع الذات لدى الوكلاء بغض النظر عن تفسيرها وليس الغياب، من الأدلة على عكس ذلك أو وجود معلومات مضللة.

بالتالي يعتبر الأفراد الذين يشكلون المجموعة لن يتمسكوا بالاعتقاد الخاطئ إذا لم تتشوه رؤيتهم بسبب مواقفهم مثل الرغبة والقلق والخوف أو ما شابه من الاعتقاد، ما يميز الخداع الذاتي الجماعي عن الخداع الذاتي الانفرادي هو سياقه الاجتماعي، أي أنه يحدث داخل مجموعة تشترك في المواقف التي تؤدي إلى الاعتقاد الخاطئ والاعتقاد الخاطئ نفسه، مقارنةً بنظيره الانفرادي فإن خداع الذات داخل المجموعة أسهل في التعزيز وأكثر صعوبة في الهروب، حيث يتم تحريضه من خلال جهود خداع الذات من قبل الآخرين داخل المجموعة.

عملياً كل خداع للذات له مكون اجتماعي يتم دعمه عن قصد أو عن غير قصد من قبل رفقاء المرء، ومع ذلك في حالة الخداع الذاتي الجماعي يأتي البعد الاجتماعي في المقدمة؛ لأن كل عضو في المجموعة يساعد عن غير قصد في الحفاظ على الاعتقاد الخادع الذاتي للآخرين في المجموعة.

على نطاق أوسع وتقاسم المواقف المشتركة قد تخدع شرائح كبيرة من المجتمع أنفسهم معًا، على سبيل المثال مشاركة عددًا من المعتقدات الخادعة للذات فيما يتعلق بأنماط الاستهلاك، حيث يتم إنتاج العديد من السلع التي نستهلكها بواسطة أشخاص يعانون من ظروف عمل لا نجدها مقبولة وبطرق ندرك أنها مدمرة للبيئة ومن المحتمل ألا تكون مستدامة، وعلى الرغم من إدراكنا بشكل عام لهذه التداعيات الاجتماعية والبيئية لممارساتنا الاستهلاكية، فإننا نتمسك بالاعتقادات المفرطة في التفاؤل بأن العالم سيكون على ما يرام، وأن مخاطره مبالغ فيها وأن المعاناة التي تسببها الممارسات الاستغلالية والمهينة بيئيًا مبالغ فيها.

يرسخ المجتمع المعتقدات الخادعة للذات من خلال توفير التعزيز الإيجابي من قبل الآخرين الذين يتشاركون نفس المعتقد الخاطئ، وكذلك الحماية من الأدلة التي من شأنها أن تزعزع استقرار المعتقد المستهدف، ومع ذلك هناك حدود لكيفية ترسيخ هذه المعتقدات التي يمكن أن تصبح خادعة للذات وتظل كذلك.

لا يمكن أن يكون الدعم الاجتماعي هو السبب الوحيد أو الأساسي للاعتقاد الخادع للذات؛ لأن الاعتقاد سيكون ببساطة نتيجة الخداع الشخصي غير المقصود وليس عملية تكوين المعتقد المنحرف التي تميز خداع الذات، إذا أصبحت البيئة سلبية معرفيًا لدرجة تجعل من الصعب الوصول إلى الأدلة المضادة للفاعل، فعندئذ يكون لدينا حالة من الاعتقاد الخاطئ، وليس خداع الذات.

هكذا حتى داخل الجماعة يُخدع الشخص نفسه في حالة عدم اعتقاده الخاطئ إذا لم يكن لديه الدوافع التي تحرف عملية تكوين معتقداته، فبالنسبة لخداع الذات الانفرادي فإن التنوع الجماعي يمثل عقبات خارجية أكبر لتجنب أو الهروب من خداع الذات، ولهذا السبب فهو أكثر رسوخًا، وإذا كانت الآليات النفسية المتنوعة المقترحة لخداع الذات تشكل تحديًا داخليًا لقدرة خادع الذات على التحكم في تكوين معتقداته، فإن هذه العوامل الاجتماعية تشكل تحديًا خارجيًا لسيطرة مخادع الذات.

2- الخداع الذاتي الجماعي غير التجميعي

يمكن أيضًا فهم الخداع الذاتي الجماعي من منظور الجماعة نفسها بمعنى غير تلخيصي، فعلى الرغم من وجود حسابات مختلفة لاعتقاد المجموعة بشكل عام يمكن القول إن المجموعة تؤمن أو ترغب أو تقدر أو ما شابه فقط في حالة الالتزام المشترك بالسلوك الجمعي بهذه الأشياء كجسد واحد، قد يكون مجلس إدارة الشركة على سبيل المثال ملتزمًا بشكل مشترك كهيئة تصدق وتقيم وتسعى إلى تحقيق ما يوصي به الرئيس التنفيذي.

لا يستلزم هذا الالتزام أن يؤيد كل عضو من أعضاء مجلس الإدارة شخصيًا مثل هذه المعتقدات أو القيم أو الأهداف، فقط كأعضاء في مجلس الإدارة يفعلون ذلك، بينما تظل التفسيرات الفلسفية النفسية الدقيقة لخداع الذات غير التلخيص غير مفصلية إلى حد كبير فإن الاحتمالات تعكس تلك الخاصة بخداع الذات الفردي.

المصدر: مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم.علم النفس العام، هاني يحيى نصري.علم النفس، محمد حسن غانم.


شارك المقالة: