علم النفس الشعبي كمحاكاة عقلية

اقرأ في هذا المقال


تُفهم القدرة على قراءة الأفكار في فلسفة العقل والعلوم المعرفية النفسية على أنها القدرة على تمثيل الحالات العقلية للآخرين والتفكير بشأنها والاستجابة لها، تُعرف نفس القدرة أيضًا باسم علم النفس الشعبي ونظرية العقل والتفكير العقلي، بمعنى كيف يصل الناس إلى تمثيل الحالات العقلية للآخرين؟ هذا هو السؤال الرئيسي الذي يقدم له علم النفس الشعبي كمحاكاة عقلية للقراءة الذهنية إجابة.

علم النفس الشعبي كمحاكاة عقلية

يعتقد علم النفس الشعبي كمحاكاة عقلية أننا في العديد من الظروف نصل إلى تمثيل الحالات العقلية للآخرين من خلال وضع أنفسنا في مكانهم أو اتخاذ وجهة نظرهم، على سبيل المثال “يمكنني محاولة معرفة القرار التالي لخصمي في الشطرنج من خلال تخيل ما سأقرره إذا كنت مكانه”.

يأخذ علم النفس الشعبي كمحاكاة عقلية هذه الفكرة المنطقية على محمل الجد ويطورها إلى نظرية كاملة، في جوهر النظرية نجد الفرضية القائلة بأن المحاكاة العقلية تلعب دورًا مركزيًا في قراءة الأفكار، حيث أننا نصل عادةً إلى تمثيل الحالات العقلية للآخرين من خلال محاكاة حالاتهم العقلية في أذهاننا، لذا لمعرفة القرار التالي لخصمي في لعبة الشطرنج مثلاً أقوم بتبديل الأدوار معه في اللعبة.

من خلال القيام بذلك نقوم بمحاكاة لمعتقداته وأهدافه ذات الصلة ثم نقوم بتغذية هذه الحالات الذهنية المحاكاة في آلية اتخاذ القرار الخاصة بنا، وترك ​​الآلية تنتج قرارًا محاكياً، هذا القرار يُسقط على الخصم أو يُنسب إليه، بعبارة أخرى الفكرة الأساسية لعلم النفس الشعبي كمحاكاة عقلية هي أنه إذا كانت الموارد التي يستخدمها دماغنا لتوجيه سلوكنا يمكن تعديلها لتعمل كتمثيلات للحالات العقلية للآخرين، فعندئذٍ لا نحتاج إلى تخزين معلومات عامة حول ما يدفع الناس نحن فقط نقوم بالتكتيكات نيابة عنهم.

وفقًا لذلك يتحدى علم النفس الشعبي كمحاكاة عقلية نظرية التفكير في وجهة النظر القائلة بأن النظرية النفسية الضمنية تكمن وراء القدرة على تمثيل الحالات العقلية للآخرين والتفكير بها، بينما تؤكد نظرية على أن قراءة الأفكار عملية غنية بالمعلومات وقائمة على النظرية، فإن علم النفس الشعبي كمحاكاة عقلية ترى أنها فقيرة من الناحية المعلوماتية وموجهة نحو العملية.

أصول وأصناف علم النفس الشعبي كمحاكاة عقلية

إن فكرة أننا غالبًا ما نصل إلى تمثيل الحالات العقلية للآخرين من خلال محاكاة تلك الحالات في أنفسنا لها تاريخ مميز في الفلسفة النفسية والعلوم الإنسانية، من خلال العودة إلى فكرة التعاطف، ففي شكلها الحديث تأسست علم النفس الشعبي كمحاكاة عقلية في عام 1986، مع نشر العالم روبرت جوردون علم النفس الشعبي كمحاكاة والنسخ المتماثل والوظيفية للعالم جين هيل.

انتقدت هاتان المادتان النظرية وقدمت النص على أنها تفسير أفضل للقراءة الذهنية، حيث ناقش جوردون في مقالته النتائج النفسية المتعلقة بتنمية القدرة على تمثيل المعتقدات الزائفة للآخرين، ومنها اجتذب هذا اهتمام علماء النفس التنموي وخاصة العالم بول هاريس الذي قدم دعمًا تجريبيًا لعلم النفس الشعبي كمحاكاة عقلية، الذي جادل ضده منذ ذلك الحين للدفاع عن نسخة مختلطة من علم النفس الشعبي كمحاكاة عقلية.

كان العالم ألفين جولدمان مدافعًا مبكرًا ومؤثرًا عن علم النفس الشعبي كمحاكاة عقلية وقد فعل الكثير لإعطاء النظرية مكانتها البارزة، كان عمله مع عالم الأعصاب فيتوريو جاليز أول من افترض وجود صلة مهمة بين علم النفس الشعبي كمحاكاة عقلية والخلايا العصبية المرآتية المكتشفة حديثًا، ويُعدّ كتاب محاكاة العقول الصادر عن جولدمان لعام 2006 هو أوضح وأشمل تفسير حتى الآن للقضايا النفسية والفلسفية والتجريبية ذات الصلة.

منذ أواخر الثمانينيات من القرن الماضي كان علم النفس الشعبي كمحاكاة عقلية واحد من اللاعبين المركزيين في المناقشات الفلسفية والنفسية والعصبية الخاصة بقراءة الأفكار، ومع ذلك فقد قيل إن ثروات علم النفس الشعبي كمحاكاة عقلية لها نتيجة سلبية ملحوظة فلقد أصبح تعبير المحاكاة العقلية يستخدم على نطاق واسع وبطرق متنوعة، مما يجعل نظرية المحاكاة مصطلحًا شاملاً يجمع بين العديد من الأساليب المتميزة قراءة الأفكار.

أحد مجالات الخلاف الأساسية بين منظري المحاكاة هو طبيعة علم النفس الشعبي كمحاكاة عقلية أي نوع من النظرية يفترض أن يكون علم النفس الشعبي كمحاكاة عقلية وما يمكن لعلماء النفس والفلاسفة أن يساهموا فيه، حيث يأخذ بعض منظري المحاكاة السؤال كيف يصل الناس إلى تمثيل الحالات العقلية للآخرين؟ كسؤال تجريبي مباشر حول العمليات والآليات المعرفية التي تقوم عليها قراءة الأفكار، وفقًا لهم جوا هذا التساؤل فإن علم النفس الشعبي كمحاكاة عقلية هي نظرية في العلوم المعرفية.

من الشائع أن التحقيق في مدى المحاكاة في الفهم النفسي هو تجريبي، وأن البحث النفسي هو الطريقة لمعرفة ما إذا كان علم النفس الشعبي كمحاكاة عقلية صحيح، لكن هذا التصور مشوش إنها حقيقة أولية حيث يجب إعطاء المحاكاة دورًا جوهريًا في حساب المستوى الشخصي لدينا للفهم النفسي.

ما المقصود بالمحاكاة العقلية في علم النفس الشعبي

في اللغة الشائعة نتحدث عن وضع أنفسنا في مكان الآخرين أو التعاطف مع الآخرين، يُفهم هذا الحديث عادةً على أنه تبني وجهة نظر أو منظور شخص آخر في خيالنا، على سبيل المثال من الطبيعي تمامًا تفسير الطلب مع محاولة إظهار بعض التعاطف مع الأفراد كطلب منه لاستخدام قدراته التخيلية للنظر في العالم من منظور غيره، ولكن ما الذي يمكن لشخص ما أن يتبنى بشكل خيالي منظور شخص آخر؟ بالنسبة للتقريب الأول وفقًا لمنظري المحاكاة العقلية فإنه يتكون من محاكاة ذهنية أو إعادة تكوين الحالات العقلية لشخص آخر.

يتيح لنا الخيال عرض أنفسنا في موقف آخر ورؤية العالم أو التفكير فيه من منظور آخر، هذه المواقف ووجهات النظر قد تكون تلك الخاصة بشخص آخر حقيقي، أو المنظور الذي نتمتع به بشأن الأشياء إذا صدقنا شيئًا لا نؤمن به في الواقع، أو ذا طابع خيالي، حيث أن الخيال يُعيد خلق الحالات العقلية للآخرين.

وهكذا وفقًا لعلم النفس الشعبي كمحاكاة عقلية فإن التعاطف مع حزن أصدقائنا مثلاً يتكون من محاكاة ذهنية لحزنهم، واعتماد وجهة نظر سياسية يتكون من محاكاة عقليًا لمعتقداتهم السياسية، هذا هو المعنى البديهي والعام للمحاكاة العقلية الذي يفكر فيه منظرو المحاكاة في علم النفس الشعبي.

وغني عن القول أن هذا التوصيف الحدسي للمحاكاة العقلية فضفاض، ماذا يعني بالضبط أن نقول إن الحالة العقلية هي محاكاة عقلية لحالة عقلية أخرى؟ من الواضح أننا بحاجة إلى إجابة دقيقة لهذا السؤال إذا كانت فكرة المحاكاة العقلية هي لبنة البناء الأساسية لنظرية ما، ومع ذلك يختلف منظرو المحاكاة حول كيفية الإجابة على هذا السؤال، يتعلق الانقسام المركزي بما إذا كان ينبغي تعريف المحاكاة العقلية من حيث التشابه أو من حيث إعادة الاستخدام.

المصدر: مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف، 2015.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم، 1995.علم النفس العام، هاني يحيى نصري، 2005.علم النفس، محمد حسن غانم، 2004.


شارك المقالة: