قوانين وشروط تكوين العادات العقلية

اقرأ في هذا المقال


يصف رافايسون في مقالته بعنوان العادة بأنّ العادات مألوفة لكنها غامضة، بحيث أصبحت الأفعال التي تتكرر بمرور الوقت عادات تدريجيًا مع حياة غريبة خاصة بهم، وقد كان رافايسون مفتونًا أكثر بالعادات الإيجابية أو التكيفية تلك التي نطورها بعناية حيث بالطبع لا يتم تطوير كل العادات بانتباه وإدراك من الفرد، فتتطور بعض العادات دون وعي من ضغوط داخلية أو خارجية، وتميل هذه إلى أن تكون عادات سلبية أو غير قادرة على التكيف، وكان لعلماء الأعصاب أيضًا الكثير ليقولوه عن العادات بما في ذلك كيفية تكوين العادات الإيجابية وكيف يمكن كسر العادات السلبية، ولذلك ظهرت قوانين وشروط لاكتساب العادات العقلية والتي تصبح مبرمجة في الدماغ والتي يقوم بها دون تفكير وتركيز عالي، ولكن في البداية سنخوض في تدرج ظهور العادات لدى الأفراد.

ظهور العادات لدى الإنسان

يمكن تناول مسألة تكوين العادة من منظور علمي أو منظور شخصي وتجريبي أكثر، ففي التجربة الذاتية لتكوين العادة كتب بيرجسون عن كل من العادات الإيجابية والسلبية، حيث تنشأ العادات السلبية من التعرض لأشياء اعتدنا عليها في النهاية، وعلى سبيل المثال يقوم المتسلقون على ارتفاعات عالية بتكييف أجسامهم تدريجيًا مع المستويات المنخفضة من الأكسجين المتاح عندما يتسلقون فوق 7000 قدم.

أمّا العادات النشطة هي تلك التي نطورها من خلال النية والجهد المتكرر وتتبلور كمهارات نؤديها بقليل من التفكير أو بدون تفكير، فعلى سبيل المثال تمارس لاعبة الجمباز المشي والقفز والتقليب على عارضة ضيقة حتى تتمكن من القيام بكل هذه المناورات بسلاسة دون أن تسقط، ويمكن أيضًا اعتبار العادات كمهارات نقطة انطلاق للإبداع، وبناءً على ما يمكننا القيام به عادةً نصل إلى آفاق جديدة كما هو الحال عندما يغرس موسيقي الجاز في عزف لحن أساسي ثم يرتجل ملاحظات جديدة ومغامرة فوق الموضوع الأساسي، ويتجسد المنظور العلمي لتكوين العادات اليوم في أبحاث علم الأعصاب.

قوانين تكوين العادات العقلية

1- قانون تفريق التمرينات: أو ما تعرف بالتدريب مع الفواصل الزمنية حيث من المتعارف عليه أنّ تكرار الشيء يعتبر أساسًا لتشكيل واكتساب العادات العقلية كما أكدّها العالم الألماني كوست (Cost)، ولكن هذا التكرار قد لا يكون مجديًا إذا لم نفرق بين التمرينات بفواصل زمنية ليست طويلة المدى وقصيرة المدى، وهذا يتوقف على نوع العادة التي يريد الفرد تعليمها وطبيعة الشخص، حيث أنّ الفاصلة الزمنية تساعد على تخمر العادة في عضوية الإنسان.

2- قانون النضج: قام بعض أهل العلم والمهتمين بتقديم شرحًا للفواصل الزمنية حيث وضّحوا أنّ العادة تتم إذا ترسخت تغييرات الوظائف العضوية للفرد وتثبيت اثاره في الجملة العصبية، فعلى سبيل المثال عندما يبذل طالبًا جهدا كبيرًا في الليل لحفظ دروسه ولكنه يلاحظ أنّه لم يتقنها بشكل جيد، فإذا نام واستيقظ في الصباح يجد أنه يتقن دروسه التي كان يظن أنّه لم يتقنها في الليل، وتفسير ذلك يكمن في أنّ العادات تتشكل عبر مجموعة من الخلايا العصبية في عمل واحد يحدث في هذه الخلايا العصبية جميعًا تيار عصبي.

هذا التكرار والروتين يعطي فائدة من حيث قدرة هذا الأثر في الخلايا العصبية أو التهيئة لطريق التيار العصبي، ولكن العمل العضوي يتطلب فترة زمنية خاصة لكي يثبت ويستقر الأثر ويحدث الارتباط العصبي، ونتيجة لذلك تأتي الحاجة إلى توفر الفواصل الزمنية ما بين التمرينات المتعددة، وفي نفس السياق يعلل هذا الأمر المشقة والعناء لاكتساب عادة عقلية بالرغم من تكرار الدائم من دون وجود فواصل زمنية وفترات من الراحة.

3- قانون التدرج في الصعوبات: وهو قانون يأتي بعملية تقسيم السلوك أو العمل الواحد إلى عدة أجزاء، حيث أنّ الفرد حسب ما هو متعارف عليه علميًا وعمليًا يكون لديه القدرة على التعلم عند فصل العمل الواحد إلى أجزاء والقيام بكل جزء على حده، حيث ينتقل من العمل البسيط إلى العمل المركب، أي من العمل البسيط إلى العمل الصعب، وبالتالي جاءت الحاجة والضرورة إلى تقسيم الأعمال الأكثر تركيبًا إلى أعمال بسيطة والتقدم شيئًا فشيئًا، فعند تعلم القراءة يتم البدء بالإدراك الإجمالي ثم تأتي الخطوة التالية بتحليل الجملة إلى كلمات أو إلى حروف، في حين عند تعليم الطفل الصغير الكتابة يتم تعليمه في البداية الكتابة على الخطوط المنقطة ثم الخطوط المستقيمة وتعليمه استخدام قلم الرصاص ثم قلم الحبر وعلى هذا النحو.

شروط تكوين عادات العقل

الشروط النظرية لتكوين عادات العقل

1- شرط الدافع: وراء كل سلوك دافع قد يكون دافعًا داخلياً أو دافعًا خارجياً، والدافع الداخلي يرجع إلى الشخص نفسه كالميل والرغبة في القيام بعمل ما، أما الدافع الخارجي فيرجع إلى البيئة الخارجية وما فيها من نظم وتقاليد وأعراف.

2- شرط التكرار: يقول الفيلسوف أرسطو أنّ العادة بيت التكرار، ولكن في الواقع يعد التكرار هو العامل المهم في تكوين العادة.

3- شرط الاهتمام والإرادة والانتباه: حيث كلما زاد اهتمام الإنسان بعمل ما سهل حفظه وتعلمه وبالتالي اعتياده وهذا الاهتمام قد يصدر عن دافع أو عن مصلحة أو واجب، أما الإرادة فإنّها تزيد الاهتمام وتقاوم الصعوبات وتستدر الجهود عنها لاهتمام أو ستضعف الرغبة الطبيعية التي كانت تدفعنا من قبل إلى تعلم العادة.

الشروط العملية لتكوين عادات العقل

لم يكتف العلماء بهذه النظريات المجردة بل قاموا بإجراء تجارب عدة بعضها على الحيوان وبعضها الآخر على الإنسان، وذلك لمعرفة القواعد العامة التي يتبعها الكائن الحي في اكتساب العادات الحركية بصور مجردة وليس بطريقة أثر للتفكير فيها.

توظيف العادات العقلية

يتم استخدام مصطلح عادات العقل ليعني وجود ميل نحو التصرف بذكاء عند مواجهة مشاكل لا يعرف الفرد إجاباتها على الفور، وعندما يواجه البشر انقسامات أو تشوشهم المعضلات أو يواجهون شكوكًا وجهاً لوجه، فإنّ الأفعال الأكثر فاعلية تتطلب رسم أنماط معينة من السلوك الفكري، وعندما يعتمد المرء على هذه الموارد الفكرية فإنّ النتائج التي ينتجها هذا الفرد تكون أكثر قوة وذات جودة أعلى وأهمية أكبر مما لو فشل في استخدام أنماط السلوك الفكري تلك.

يتطلب توظيف عادات العقل مزيجًا من العديد من المهارات والمواقف والإشارات والتجارب السابقة والميول، وهذا يعني أنّ الفرد يقدر نمطًا واحدًا من التفكير على الآخر، وبالتالي فهو يعني ضمنًا اتخاذ القرار بشأن النمط الذي يجب استخدامه في أي وقت، ويتضمن الحساسية للإشارات السياقية في موقف ما يشير إلى أنّ الوقت والظرف المناسبين لتوظيف هذا النمط، ويتطلب مستوى من المهارة لتوظيف وتنفيذ السلوكيات بفعالية بمرور الوقت، وأخيرًا يقود الأفراد إلى التفكير في التطبيقات المستقبلية وتقييمها وتعديلها والمضي قدمًا في التطبيقات المستقبلية.

تشير الأبحاث في التفكير الفعال والسلوك الذكي إلى أنّ هناك بعض الخصائص المميزة للمفكرين الفعالين، فالعلماء والفنانون وعلماء الرياضيات ليسوا وحدهم من يظهرون هذه السلوكيات، وتم تحديد هذه الخصائص في الميكانيكيين الناجحين والمدرسين ورجال الأعمال ومندوبي المبيعات والآباء أي الأشخاص في جميع مناحي الحياة.

المصدر: سيكولوجية عادات العقل والسلوكيات الذكية (التعود العفلي(، تأليف: ضاري خميس العبادي، لناشر: مكتب اليمامة للطباعة والنشر، دار الكتب والوثائق ببغداد لسنة 2019م.The National Assessment of College Student Learning: Identification of the Skills to be Taught, Learned, and Assessed, NCES 94–286, US Dept of Education, Addison Greenwood (Ed), Sal Carrallo (PI). See also, Critical thinking: A statement of expert consensus for purposes of educational assessment and instruction. ERIC Document NoCosta, A. & Kallick, B (2000), Discovering and Exploring Habits of Mind. ASCD. Alexandria, Victoria USA.Briggs, Tracey, W. Passion for What They Do Keeps Alumni On First Team. U. S. A Today. February 25, 1999. Vol. 17, No. 115 pp. 1A-2A.قطامي، يوسف وعمور، أميمة (2005)، عادات العقل والتفكير النظرية والتطبيق. عمان. دار الفكر


شارك المقالة: