ما هو التباعد النفسي في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


كان الكثير منا في موقف تمنعنا فيه عواطفنا من رؤية الصورة الكبيرة والاستجابة بشكل مناسب، فمثلاً قد نشعر بأن عواطفنا جرفتنا مما يقودنا إلى قول أو فعل أشياء مؤذية، وقد نشعر بالشلل بسبب مشاعرنا ولا يمكننا تجاوز هذه المشاعر، وقد نتخذ قرارات خاطئة لأننا نغفل الصورة الأكبر، في هذه المواقف المشحونة عاطفياً فإن أفضل ما يمكننا فعله هو زيادة المسافة النفسية بيننا وبين الحدث.

ما هو التباعد النفسي في علم النفس

غالبًا ما نجد أنفسنا في مواقف لا يمكننا فيها رؤية الصورة الأكبر، على سبيل المثال في الحالات التي نشعر فيها بالتوتر الشديد أو القلق أو الحزن أو الغضب، قد يكون من الصعب فهم عواقب هذا الحدث المحدد، لمساعدتنا يمكننا استخدام تقنية التباعد النفسي في علم النفس، حيث يهدف مفهوم التباعد النفسي إلى وصف قدرتنا على التراجع وبدون استجابة فورية، ومسح البيئة والتفكير في مسار العمل بدلاً من أن تهيمن عليه المحاكاة الفورية.

يمكن أن يشير التباعد النفسي في علم النفس إلى التباعد الزمني للأحداث في الوقت المناسب، على سبيل المثال يتم التعامل مع الأحداث في المستقبل البعيد بشكل مختلف مقارنة بالأحداث في المستقبل القريب، حيث يصف التباعد النفسي قدرتنا على فصل أنفسنا عن الأشخاص الذين لا نحبهم، على وجه التحديد نخلق مساحة بيننا وبين شخص آخر نعتبره غير مرغوب فيه، وتكمن جذور التباعد النفسي في علم النفس التنموي ويصف كيف يخلق الأطفال مساحة بين أفعالهم وبيئتهم المباشرة.

لذلك فإن التباعد النفسي هو تقنية نفسية حيث نبتعد عن الموقف أو الحدث حتى نتمكن من اكتساب منظور، واكتساب منظور من خلال التباعد النفسي يمكن أن يشير إلى نتائج مختلفة، على سبيل المثال يمكن أن يشير المنظور إلى جوانب التخطيط طويلة المدى من خلال اكتساب المنظور نكون أكثر قدرة على تحديد الأهداف والوفاء بالمواعيد النهائية.

ويمكن أن يشير المنظور أيضًا إلى مجموعة المشاعر السلبية الضعيفة، على سبيل المثال قد يفعل شريكنا شيئًا يجعل دمنا يغلي، ومع ذلك عندما نكتسب المسافة النفسية قد ندرك أن سلوكهم لا يبرر رد الفعل العاطفي الشديد الذي شعرت به.

باختصار يعمل التباعد النفسي مثل عدسة واسعة الزاوية، حيث يسمح لنا بالتصغير من تجربتنا الضيقة والمضخمة حتى نتمكن من رؤية الأحداث والتجارب كجزء من عملية أكثر شمولاً.

أنواع التباعد النفسي في علم النفس

يصف علماء النفس أربعة أنواع من التباعد النفسي الزمان والمكان والمسافة الاجتماعية والافتراضية أي الاحتمال، حيث يتمثل التباعد النفسي الزماني بالوقت، فنحن نفكر في الأحداث البعيدة في المستقبل بشكل مختلف مقارنة بالأنشطة التي ستحدث قريبًا، بالنسبة للأحداث في المستقبل البعيد نستخدم مصطلحات أكثر تجريدية على سبيل المثال سداد بطاقتي الائتمانية، مقارنة بالأحداث في المستقبل القريب على سبيل المثال دفع 100 دولار مقابل بطاقتي الائتمانية كل شهر.

ويتمثل التباعد النفسي المكاني بالفضاء فنحن نستخدم مصطلحات أكثر تجريدية لوصف الأحداث التي تحدث داخل الفضاء القريب من الناحية المادية من الأحداث التي تحدث في الفضاء البعيد، والتباعد النفسي في المسافة الاجتماعية عندما نصف شخصًا مختلفًا عنا.

فإننا نستخدم المزيد من الصفات والوصفات المجردة أي زيادة المسافة بيننا وبينهم أكثر مما نستخدمه عند وصف شخص مشابه لنا، والتباعد النفسي من حيث الفرضية فنحن نستخدم كلمات ومصطلحات أكثر تجريدية لوصف الأحداث التي يقل احتمال حدوثها أي أحداث بمسافة كبيرة مقارنة بالأحداث التي يُرجح حدوثها أي الأحداث التي تقع على مسافة صغيرة.

تطور التباعد النفسي في علم النفس

هناك بعض المعلومات المثيرة للاهتمام حول كيفية تطور التباعد النفسي في علم النفس، فقد يكون استخدام مصطلح التباعد النفسي في أدبيات علم النفس التنموي مقدمة لاستخدام المصطلح في علم النفس الإكلينيكي ومع ذلك هذه مجرد فرضية، ومنها يقدم علماء النفس ملخصًا جيدًا للتباعد النفسي في علم النفس التنموي، يفترضون أن جذور التباعد النفسي يمكن إرجاعها إلى الباحثين والمفكرين الرئيسيين في مجال علم النفس التنموي والتعلم.

اللغة والتباعد النفسي في علم النفس

توجد نظريات مختلفة لشرح اكتساب التباعد النفسي في علم النفس، على سبيل المثال هناك بعض الأدلة على أن التباعد النفسي يتطور عند الأطفال من خلال اللغة، من خلال الكلام يمكن للأطفال اللعب في عالم خيالي لم يكن موجودًا من قبل أو حاليًا، بهذه الطريقة يسمح الكلام للطفل بمسافة بين العالم الحقيقي والسيناريو التخيلي الافتراضي.

ومنها لا يقتصر التباعد النفسي الذي يتحقق من خلال الكلام على الأطفال فقط، بل يقدم حجة قوية حول كيف أن استخدام اللغة يسمح للأشخاص من جميع الأعمار بإنشاء مسافة بينهم كما هي موجودة وموضوع المناقشات.

التباعد النفسي والأداء التنفيذي في علم النفس

يجادل بأن المفاهيم المتعددة للتباعد النفسي والوظيفة التنفيذية وتنظيم العاطفة مرتبطة، حيث يتم شرح علاقتهم على أنه يسمح الأداء التنفيذي بتنظيم أفضل لعواطفنا، ويؤدي تنظيم عواطفنا إلى التباعد النفسي، لذلك يسمح الأداء التنفيذي أيضًا بالتباعد النفسي،.

ومنها يشير مصطلح الأداء التنفيذي إلى مجموعة من القدرات والسلوكيات التي يسيطر عليها الفص الأمامي في الغالب، بما في ذلك السلوكيات الموجهة نحو الهدف والتخطيط على سبيل المثال تحديد كيفية ارتداء الملابس، وردود الفعل المثبطة على سبيل المثال عدم تشتيت الانتباه أو انتظار الفرد لدوره، ومراقبة سلوكه وتصحيح الأخطاء، وتغيير سلوكه استجابة لتغير في البيئة.

يجادل بعض علماء النفس بأنه تمامًا مثلما يكون الأداء التنفيذي مسؤولاً عن العمليات المعرفية الموضحة أعلاه، فإنه يسمح لنا أيضًا بأداء العمليات المهمة للتباعد النفسي مثل التحول وعلى وجه التحديد  فإن القدرة على تدوير أو تحويل انتباهنا إلى جانب آخر من المشكلة أو تغيير تركيزنا من عنصر إلى آخر مهمة جدًا للتباعد النفسي، وعملية تثبيط الاستجابة حيث تساعدنا القدرة على تقييد استجابتنا العاطفية الأولية لحالة معينة على خلق مسافة نفسية، بالإضافة إلى ذلك من خلال منع أنفسنا من التصرف بناءً على استجابتنا العاطفية الأولية يمكننا الاستجابة بشكل مختلف.

وعملية التحديث حيث تشير هذه العملية إلى قدرتنا على تحديث المعلومات التي نستخدمها والتركيز عليها أثناء موقف معين، على وجه التحديد بعد تحويل انتباهنا وتثبيط استجابتنا الأولية يمكننا إعادة تقييم المعلومات المتاحة في السياق الحالي وتحديد ما يبقى مهمًا وما الذي لم يعد ذا قيمة.

نظرية التباعد النفسي في علم النفس

على الرغم من وجود بعض التداخل بين التيارات المختلفة للتباعد النفسي في علم النفس، إلا أن فعل التباعد النفسي يكون في الغالب غير نظري، أي أن القليل من الأبحاث النفسية تصف كيف يتطور التباعد النفسي كأداة أو تقنية ويعمل في البشر، بشكل أساسي لأن التباعد النفسي ليس عملية تطورت بشكل طبيعي، بل هي تقنية يمكننا استخدامها استجابة لسيناريو معين، وإن الافتقار إلى النظرية هو في الغالب نتيجة لما نعنيه عندما نشير إلى التباعد النفسي.

في علم النفس الإيجابي يستخدم التباعد النفسي بشكل أساسي كأداة أو تقنية استجابة لحالة معينة، وإن التباعد النفسي ليس عملية نفسية تفسر بعض جوانب السلوك الإنساني، على سبيل المثال إنها ليست عملية نفسية مثل الذاكرة أو الإدراك، بدلاً من ذلك إنها أداة نستخدمها في مواقف محددة لأغراض محددة.

المصدر: مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم.علم النفس العام، هاني يحيى نصري.علم النفس، محمد حسن غانم.


شارك المقالة: