مفهوم الأصالة في علم النفس الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


مفهوم الأصالة في علم النفس الاجتماعي:

يعبر مفهوم الأصالة في علم النفس الاجتماعي عن مدى فعالية جوهر الفرد أو الذات الحقيقية على أساس يومي، حيث يصف علماء النفس الأصالة على أنها عمليات متعددة مترابطة لها آثار مهمة على الأداء النفسي والرفاهية، وعلى وجه التحديد يتم التعبير عن الأصالة في العملية الديناميكية لأربعة مكونات تتمثل في الوعي أي فهم الذات، والمعالجة غير المنحازة أي التقييم الذاتي الموضوعي، والسلوك الإنساني أي الإجراءات المتوافقة مع الاحتياجات الأساسية، والقيم والتفضيلات، والعلائقية التوجه أي الإخلاص في العلاقات الوثيقة.

مكونات مفهوم الأصالة في علم النفس الاجتماعي:

أحد تعريفات الأصالة هو أنها تعكس العملية غير المقيدة للذات الحقيقية أو الجوهرية في مشروع المرء اليومي، من هذا المنظور، يتضمن جوهر الأصالة أربعة مكونات مترابطة ولكنها قابلة للفصل ويمكننا توضيحها من خلال ما يلي:

1- الوعي:

يشير مكون الوعي إلى إدراك دوافع الفرد ومشاعره ورغباته وقيمه ونقاط القوة والضعف وخصائصه والسمات الشخصية له، علاوة على ذلك فإنه ينطوي على التحفيز لمعرفة المزيد عن هذه الجوانب الذاتية وأدوارها في سلوك الفرد، حيث أنه عندما يتعلم المرء عن هذه الجوانب الذاتية، يصبح أكثر وعيًا في جوانب شخصية الفرد.

بعبارة أخرى الناس ليسوا ذكورًا أو أنثويًا على وجه الحصر، أو منفتحين أو انطوائيين، أو مسيطرين أو خاضعين، وما إلى ذلك، على الاصح، على الرغم من أن أحد جوانب هذه الأبعاد يسود عمومًا على الآخر، إلا أن كلا الجانبين موجودان عندما يعمل الأفراد بمصداقية أكبر، فإنهم يدركون أنهم يمتلكون هذه الجوانب الذاتية متعددة الأوجه، ويستخدمون هذا الوعي في تبادلهم مع الآخرين ومع بيئاتهم.

يوضح البحث النفسي فوائد امتلاك معرفة ذاتية واضحة ومتسقة داخليًا ومتكاملة جيدًا عبر الأدوار الاجتماعية للفرد، وينطبق الشيء نفسه على التحفيز لمعرفة المزيد عن الذات، فكلما اتخذ المرء موقفًا منفتحًا وغير دفاعي تجاه التعلم عن نفسه، كان الأداء النفسي العام أفضل، علاوة على ذلك فإن امتلاك معرفة كبيرة بالحالات العاطفية للفرد، على سبيل المثال ما يجعل المرء سعيدًا أو حزينًا يمنح أيضًا فوائد كبيرة لصحة الفرد ورفاهيته، والأهم من ذلك التعلم عن الذات هو عملية مستمرة تستمر طوال فترة الحياة.

2- المعالجة غير المنحازة:

يشتمل المكون الثاني من الأصالة على المعالجة غير المنحازة للمعلومات ذات الصلة بالذات، بشكل مختلف يتضمن هذا المكون تقييمًا موضوعيًا وقبولًا لكل من الجوانب الذاتية الإيجابية والسلبية والمعلومات التقييمية ذات الصلة بالذات، على العكس من ذلك فهو لا ينطوي على إنكار انتقائي أو تشويه أو تجاهل المعلومات الإيجابية والسلبية عن الذات على سبيل المثال الإنجازات الإيجابية للفرد أو الأداء الضعيف.

يواجه بعض الأشخاص على سبيل المثال صعوبة كبيرة في الاعتراف بمهاراتهم المحدودة في نشاط معين، ولكن بدلاً من قبول أدائهم الضعيف، قد يبررون آثاره، أو يقللون من أهميته، أو يختلقون درجة جديدة وأفضل تمامًا، ومنها يواجه الآخرين صعوبة في الاعتراف بالجوانب الإيجابية لأنفسهم أو قدراتهم، ويفسرون نجاحهم على أنه ناتج حصريًا عن الحظ.

تسمح معالجة المعلومات التقييمية الإيجابية والسلبية بطريقة موضوعية للأفراد باكتساب معلومات ذاتية دقيقة يمكنهم استخدامها لاتخاذ قرارات مستنيرة فيما يتعلق بمهاراتهم وقدراتهم في المقابل، فإن تشويه المعلومات للمبالغة في الصفات الإيجابية للفرد أو التقليل من الصفات السلبية قد يشعر بالرضا على المدى القصير، ولكنه ضار في النهاية.

3- السلوك الإنساني:

يشتمل المكون الثالث للأصالة على السلوك الإنساني، وتحديدًا ما إذا كان الفرد يتصرف وفقًا لذاته الحقيقية، حيث يعني التصرف بشكل أصلي التصرف وفقًا لقيم الفرد وتفضيلاته واحتياجاته بدلاً من التصرف لمجرد إرضاء الآخرين أو الامتثال للتوقعات أو الامتثال للمعايير الاجتماعية.

بالمثل فإن الأصالة والمصداقية السلوكية تكون محدودة عندما يتصرف الناس بشكل خاطئ للحصول على مكافآت خارجية أو لتجنب العقوبات، ويمكن أن يكون التمييز بين التصرف الأصيل مقابل التصرف الزائف معقدًا، على سبيل المثال توجد مواقف قد يؤدي فيها التعبير الصادق عن الذات الحقيقية إلى عقوبات شديدة مثل الإهانات في حالات كهذه، توجد الأصالة السلوكية عندما يكون الشخص مدركًا للعواقب السلبية المحتملة لسلوكياته ويختار التصرف بطرق تعبر عن ذاته الحقيقية.

النقطة المهمة هي أن السلوك الإنساني الأصيل لا يعكس الإكراه على أن يكون المرء على طبيعته الحقيقية، بل يعكس اختيار الشخص للتعبير عن مشاعره الحقيقية ودوافعه وميوله.

وجد علماء النفس أن الأشخاص الذين يسعون لتحقيق أهداف تتوافق مع جوهرهم هم أقل اكتئابًا، ويشعرون بقدر أكبر من الحيوية والطاقة، وعمومًا أكثر تكيفًا من الناحية النفسية من الأشخاص الذين يسعون لتحقيق أهداف لا تتوافق مع جوهرهم، وبالتالي من المهم جدًا التفكير في سبب تبني الناس لأهدافهم.

عندما يتبنى الأشخاص أهدافًا لأنهم مهمون شخصيًا وممتعون، فإنهم يتمتعون بصحة نفسية وجسدية أفضل مما لو كانوا يتبنون أهدافًا لأنهم يشعرون بالضغط من الآخرين أو لأنهم يريدون تجنب الشعور بالذنب أو القلق أي أنها علامات على أن الهدف لا يتوافق تمامًا مع جوهر الذات، وبشكل عام الأشخاص الذين يتوافق سلوكهم مع من هم بالفعل وقيمهم المركزية هم أكثر سعادة وصحة من الأشخاص الذين يعتمد سلوكهم بشكل أساسي على الحصول على المكافآت أو تجنب العقوبات.

4- التوجه العلائقي:

يشتمل المكون الرابع من الأصالة على توجه الفرد العلائقي تجاه الآخرين المقربين، أي إلى أي مدى يقدر المرء ويحقق الانفتاح والصدق في علاقاته الوثيقة، حيث تستلزم الأصالة والمصداقية العلائقية أيضًا تقدير الآخرين المقربين لرؤية حقيقة الشخص، سواء كانت جيدة أو سيئة.

بشكل مختلف يعكس التوجه العلائقي الأصيل القدرة والدافع للتعبير عن الذات الحقيقية للفرد، وبالتالي فإن التوجه العلائقي الأصيل ينطوي على الانخراط في عمليات الكشف عن الذات التي تعزز تنمية العلاقة الوطيدة والثقة المتبادلة على النقيض من ذلك يعكس التوجه غير الأصيل للعلاقة تزوير الانطباعات عن عمد تجاه الآخرين المقربين، أو الفشل في التعبير عن الذات الحقيقية لهم بشكل نشط وعلني خوفًا من الرفض مثلاً.

العلاقات الوثيقة الصحية تتضمن الثقة والإفصاح عن الذات، ويختلف الأشخاص في مدى استعدادهم أو قدرتهم على مشاركة نقاط ضعفهم وأوجه قصورهم مع شركائهم في العلاقة، وأولئك الذين تنطوي علاقاتهم الوثيقة على إفصاحات ذاتية حميمية متبادلة يكونون عمومًا أكثر رضا عن علاقاتهم من الأشخاص الذين تنطوي علاقاتهم الوثيقة على إفصاحات ذاتية أكثر سطحية أو غير متبادلة.

يشير البحث النفسي إلى أن العامل الرئيسي الذي يساهم في تصرف المراهقين بشكل خاطئ قمع التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم الحقيقية داخل تلك العلاقات هو أنهم يدركون الافتقار إلى موافقة الوالدين والأقران، وبالمثل فإن البالغين الذين لا يشعرون بالتحقق من صحة شركائهم في الصداقة يميلون إلى إظهار سلوكيات ذاتية زائفة متزايدة داخل الفريق الخاص.

المصدر: مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم.علم النفس العام، هاني يحيى نصري.علم النفس، محمد حسن غانم.


شارك المقالة: