ما هو حكم البدء في الصلاة أثناء الأذان؟

اقرأ في هذا المقال


حكم البدء في الصلاة أثناء الأذان:

نقول إنّ الحكم على الصلاة في أثناء الأذان يكون كالتالي:

أولاً: الصلوات التي فرضها الله تعالى لها أوقاتٌ محدودة، ولا يجوز الصلاة قبلها، ولا يجوز تأخيرها عن وقتها إلا لعذرٍ شرعي، فقال تعالى: “إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا” النساء: 103.

يقول الشوكاني في تفسيره لهذه الآية الكريمة، أي أنّ الأذان محدود ومعين، ويقال وقته فهو موقوت، ووقته، يعني مؤقت، والمعنى أن الله تعالى فرض على عباده الصلوات الخمسة وكتبها عليهم في أوقاتها المحدودة، ولا يجوز لأحدٍ أن يأتي بها في غير ذلك الوقت؛ إلّا لعذرٍ شرعي سواء كان نوم أو السهو أو ما شابه ذلك. ويدلُ على ذلك أيضاً حديث إمامة جبريل بالنبي عليه الصلاة والسلام. وهو حديث صحيح مروي بدواوين السنة.

إنّ في شُروع الأذان لكي يُعلم الناس عن مواقيت الصلوات ووقت دخولها، ومن الواجب على المُؤذن أنّ يُؤذن على بدءِ وقت الصلاة؛ لأنهُ مؤتمن على أوقات الصلاة، لما ذكر في الحديث عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الْإِمَامُ ضامِنٌ، وَالمؤَذِّنُ مُؤتمن، اللَّهم أرشِد الأَئمة، واغفر لِلمؤذنِين” رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

والمراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “وَالمؤَذن مُؤتمن” أي أنهُ أمينٌ على صلاة الناس وصيامهم؛ وذلك نظراً لارتباطها بالأذان، قال اِبن الأثير: “مُؤتمن القوم الذي يثقون إليه ويتخذونه أَمِينا حافِظا، يقَال: المؤتمن الرجل فهو مؤتمن ، يعني أن المؤذن أَمين الناس على صلَاتهم وصيامهم”.

وقال السيوطي: إنّ لابن ماجه من حديث ابن عُمر مرفوعاً، خصلتانِ معلقتانِ في أعناق المؤذنين للمسلمين وهي: “صلاتهم وصيامهم” مرقاة الصعود سنن أبي داود. وقالوا هو حديثٌ ضعيف عند بعض المحدثين.

وقال الطيبيّ: إنّ المؤذن أمينٌ في الأوقات؛ لأن الناس تعتمدُ على أصواتهم في الصلاة، والصيام وجميع الوظائف المؤقتة. وقال أيضاً ابن الملك: إنّ المؤذنونَ أُمناء؛ لأن الناس تعتمد عليهم في صلاتهم وغيرها، أو لأنهم يرتقون في أمكنةٍ عالية، فينبغي أن لا يُشرفوا على بيوت الناس لكونهم أمناء، “واغفر للمؤذنين” ما عسى أن يكونُ لهم تفريطٌ في الأمانة التي يحملونها ناحية تقديم على الوقت أو تأخيرٍ عنه سهواً.

لقد قال عبد المحسن العباد: بأنّ المُؤذنُ مؤتمنٌ على وقت الصلاة، وهو الذي عليهِ أن يُحافظ على الوقت؛ وذلك لأن الناس يَعولون على آذانه، ويجب أن يكون أذانه في الوقت لا يتقدمُ عليه ولا يتأخر عنه كثيراً؛ لأنه لو تقدم عليه فيؤدي ذلك إلى أن الناس لا سيما أصحاب البيوت والنساء يصلون قبل الوقت، والصلاة قبل الوقتِ لا تجوز. وإذا أخر الأذان عن الوقت وعن أوله، قد يترتب على ذلك أن يأكل من يريد الصيام في نهار رمضان؛ لأن الإمساك يكون عند طلوع الفجر والأذان علامة عليه. فإذاً: يجب على المؤذن أن يتعاهد الوقت، وأن يكون عارفاً به، وأن يكون أذانه عند دخول الوقت، لا يتقدم عليه فيترتب على ذلك صلاة الناس قبل الوقت، ولا يتأخر عنه فيترتب على ذلك أن يحصل منهم الأكل والشرب بعد طلوع الفجر بالنسبة للصائمين.

وأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “الإمام ضامن” أي بمعنى أنه راعٍ ومحافظٌ على الصلاة؛ وذلك بالإتيان بأفعالها والمأمومون تبع له، فهو ضامن.

وقوله: “والمؤذن مؤتمن” أي أنهم يُعولون على أذانهِ من ناحية صيامهم وصلاتهم، وأيضاً في أعمالهم، التي يكون أساسها الأذان وتترتبُ على الأذان، فهو مؤتمن.

وهناك قول وهو: “اللهم أرشد الأئمة” أي أن يهديهم ويُعلمهم على القيام بما هو واجبٌ عليهم من هذه المسئولية وهذه التبعةِ، التي وصف الإمام بأنه ضامنٌ فيها.

وأيضاً قول: “واغفر للمؤذنين” أي ما يبدرُ منهم من أخطاء معينة بالتي تتعلق بوقت الصلاة سواء من تقدمٍ أو من تأخرٍ؛ وذلك بدون قصد وعمدٍ ومن غير تفريطٍ أيضاً. سنن أبي داود.

ثانياً: إنّ المُصلي إذا صلّى فرضهُ بلحظةِ بدء المؤذن بالأذان ومنضبطاً بوقته، فإن صلاتهُ صحيحة عند أغلبية أهل العلم؛ لأن الأذان عندما يُقام فيعني أنه حان وقت الصلاة ووقتها، وهو شرطٌ لصحتها، وقد دخل الوقتُ بقول المؤذن “الله أكبر” فتحقق الشرطُ فصحت صلاتهُ. ولا يشترط أن ينتظر المصلي حتى انتهاء الأذان.

ومعلوم أن الصلاة على وقتها من أحب الأعمال إلى الله عز وجل، كما ورد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: “سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قالَ: الصَّلَاةُ علَى وقْتِهَا” رواه البخاري ومسلم.

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “قلت: يا رسول الله، أيّ العملِ أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: قلتُ ثم أي؟ قال: برُ الوالدين، قال: ثم قلت أيّ؟ قال الجهادُ في سبيل الله تعالى، ولو استزتهُ لزاداني” رواه مسلم. وقال ابن بطال: إنّ المبادرةَ إلى الصلاةِ في بدايةِ وقتها، أفضلُ وأحبُ من التراخي فيها؛ وذلك لأنهُ شرطٌ فيها، لكي تكون أحبُ الأعمال إذا أقيمت لوقتها المستحب.

ثالثاً: ويُفضل على المُصلي مع الجماعةِ، وهي سنةٌ مؤكدة عند جمهور العلماء، وهي أفضل من صلاةِ المنفردِ بسبعٍ وعشرين درجةً، أو ما يُقارب خمس وعشرين درجة كما ذكر عن ابن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة” رواه البخاري ومسلم.

وهناك روايةٌ أخرى للبخاري، عن أبي سعيدٍ الخُدري رضي الله عنه، “صلاةُ الجماعة تفضل صلاة الفذّ بخمسٍ وعشرين درجة”. فإذا أراد المُصلي الصلاة مع الجماعة في المسجد، فالأمر الثابت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وجود فاصل زمني بين الأذان والإقامة، ويدل على ذلك عدة أحاديث منها:

حديث عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “بين كل أذانينِ صلاة ثلاثاً لمن شاء” رواه البخاري ومسلم، وقال الإمام البخاري في صحيحه: [باب كم بين الأذان والإقامة ومن ينتظر الإقامة] ثم روى الحديث السابق، والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم “بين كل أذانين صلاة” أي بين الأذان والإقامة.

-لقد قال ابن حجر العسقلاني: إنّ بين كلّ أذانينِ صلاة، بمعنى أذانٌ وإقامة، ولا يجوزُ حمله على ظاهره، لأن الصلاة بين الأذانين مفروضة، والخبر محكيٌ بالتخيير لقوله: لمن شاء، وأجرى المصنف الترجمة مجرى البيان للخبر لجزمه بأن ذلك المراد، وتوارد الشراح على أن هذا من باب التغليب، كقولهم القمرين، الشمس والقمر، ويحتمل أن يكون أطلق على الإقامة أذان، لأنها إعلامٌ بحضور فعل الصلاة، كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت للصلاة.

وهناك أيضاً حديث أنس رضي الله عنه قال: “كان المؤذن إذا أذن قام ناسٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم كذلك يصلون الركعتين قبل المغرب، ولم يكن بين الأذان والإقامة شيءٌ” رواه البخاري، وقوله: ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء، أي لم يكن بينهما شيءٌ كثيرٌ، كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري.

رابعاً: لا يجوزُ للمصلّي أن يُقبل على الصلاة، بمجردِ أنه دخل وقت الأذان؛ وذلك لأنهُ قد تفوتهُ سُنة الدعاء  حينما ينتهي الأذان، وأيضاً سنةِ إجابة المؤذن. فعن جابر رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من قال حِين يسمع النّداء: اللهم ربّ هذِه الدعوة التَّامة، والصلَاة القائمة، آت محمداً الوسِيلة والفَضِيلَةَ، وابعَثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، حلَّت له شفاعتي يوم القيامة” رواه البخاري.

عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “إذا سمِعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول ثم صلّوا عليّ، فإنه من صلَّى علي صلاة صلى اللّه عليه بها عشراً، ثُم سلوا اللَّهَ لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة، لا تنبغِي إلا لعبد من عباد الله، وأَرجو أن أكون أنا هو، فمن سأَل لي الوسيلة حلت له الشفاعةُ” رواه مسلم.

عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا قال المؤذّن: اللَّهُ أكبَر الله أكبرُ، فقال أحدكُم: اللَّهُ أكبر الله أكبر، ثُم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهدُ أن لا إله إلا الله، ثُم قال: أشهد أن محمداً رَسولُ اللهِ قالَ: أشْهَدُ أن محمداً رسول الله، ثُم قال: حي على الصلاة، قال: لا حَوْلَ ولا قوة إلَّا باللَّه، ثُم قالَ: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللَّهُ أكبر اللّه أكبر، قالَ: اللهُ أكبر الله أكبر، ثُم قال: لا إله إلّا الله، قال: لا إلهَ إلَّا اللَّه من قَلبه دخل الجنة” رواه مسلم.

المصدر: كتاب الأذان والإقامة والإقامة، تأليف سعيد بن علي بن وهف القحطاني.كتاب المسائل المهمة في الأذان والإقامة، تأليف عبد العزيز بن مرزوق الطريفي.كتاب أحكام الأذان والإقامة، تأليف ناصر الدين الألباني.أحكام الأذان والإقامة من كتاب الفقه من متن الرسالة لابن أبي زيد القيرواني بشرح كفاية الطالب الرباني لأبي الحسن بحاشية العدوي.كتاب الميسر في فقه الأذان والإقامة، تأليف أبي عبد الرحمن عبد الكريم بن رسمي.


شارك المقالة: