ما هي حقيقة ظاهرة الدجال؟

اقرأ في هذا المقال


ما هي حقيقة ظاهرة الدجال؟

إننا في ظاهرة عجيبة أقرب إلى الإبليسية ومنها الظاهرية الأنيسة، وهذا واضحٌ من السياق، فالدجال هنا شيخٌ كبير مقيد في جزيرةٍ، وهو يخرج في آخر الزمان شاباً قططاً وميلادهُ مجهول وعمره مجهول وقدراته خاصة وخارجةً عن قدرات البشر وأسئلتهُ عجيبةً ومساعدهُ أعجب وهو الجساسةُ، فكل هذه العلامات تُشيرُ إلى أننا لسنا أمام ظاهرة بشريةٍ، إنما نحن مع ظاهرةٍ أقرب إلى الجن والشياطين، وقد نقل نعيم بن حماد عن جبير بن نفير، وشريح بن يزيد والمقدام بن معدي كرب وعمرو بن الأسود وكثير بن مرة أنهم قالوا عن الدّجال “ليس الدّجال إنسناً، إنما هو شيطان في بعض جزائر اليمن، لا يُعلم من أوثقهُ”.
وقال ابن حجر بعد ذكره للأثر الذي أوردهُ نعيم: لعلّ هؤلاء مع كونهم ثقات تلقوا ذلك من بعض كتب أهل الكتاب. فهذا القول المنقول عن خمسةٍ من الثقات يُعزز القول بأننا أمام ظاهرة جديدةً أشبه بالظاهرةِ الإبليسية من بعض الوجوه، والأحاديث الأخرى تُعزز ذلك أيضاً. وقد ورد أنّ بعض أتباع الدجال من الشياطين مما يوحي أنّ له قدرةً على التخاطب معهم بطريقةٍ مباشرةٍ، ولعلّ الدّجال عنده قدرةً تقمصيةً أو تشكلية كإبليس الذي جاء لقريش على شكل شيخ نجدي، وثبت مجيئهُ على عدة هيئاتٍ، إلى أنّ مخالفتهُ للظاهرة الإبليسية تتمثل في أنّ جسم الدّجال يكون كثيفاً مرئياً في الغالب من أمره وذلك بخلاف إبليس.
وإذا اعتبرنا ذلك فيكون الجسد بالنسبة للدّجال، مثل الثوب إلى أنّ يخرج خرجتهُ الأخيرة، عندها يثبتُ على الهيئةِ التي وصفها النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا التأويل يُسهل علينا تصور المراد بمجموع الأحاديث التي تكلمت عن الدّجال وحتى عن ابن صياد الذي يحتملُ معه أمرين وهما:
الأول: إنّه حالة شيطانيةً كما ذكر ابن حجر قدرها الله سبحانه وتعالى في زمن النبوة ليستعلمَ عن خبر رسول الله سبحانه وتعالى، وهي أشبهُ بالحالة الدّجالية؛ حيث اختفى إلى أنّ يأتي مناصراً للدّجال أو أحد مستشاريه، وهذا الرأي آراه ضعيفاً لكن النصوص تحتملهُ.

الثاني:
إنّ رحلة الدّجال الأكبر ابتدأت بميلاد ابن صياد، وهذا الجانب البشري فيه وكان ميلادهُ مع بداية الرسالة التي سيخرج في آخر الزمان ليغويها؛ أي كان ابن صياد كالثوب بالنسبة للدّجال، ويحتملُ أنّ ملابسة الدّجال لابن صياد كانت في أوقات مخصوصة ليكون قريباً من نبي الأمة التي سيخرج لإغوائِها وفتنها آخر الزمان، وذلك ليتعرف على تعاليمها عن قرب، فهو بذلك يكون أقدرُ على معرفة ما يفتنها.
أما دّجال الجزيرة الذي رآه تميم فهو حالة شيطانية صرفة جاءت لتحكي حال الدّجال وإرهاصات خروجه بشكل حسي، وهذا واضح من خلال طبيعة الجساسة، ويحتمل أنّ يكون الدّجال في ذلك الوقت قد تقمص تلك الشخصية للدلالة على إرهاصات خروجه بشكل حسي، وهذا واضح من خلال طبيعة الجساسة، ويحتمل أنّ يكون الدّجال في ذلك الوقت قد تقمص تلك الشخصية للدلالة على إرهاصات خرجه وجاء على هيئة شيخٍ كبير، وفي آخر الزمان حين يخرج يأتي على هيئة شابٍ قطط.
والملاحظُ بأن النبي عليه الصلاة والسلام قد استخدم أسلوباً عجيباً في إقراره لقصةِ تميم حيث قال: “فإنهُ أعجبني حديث تميم أنهُ وافق الّذي كنتُ أحدثكم عنه، وعن المدينة ومكة، إنه حبسني حديثٌ كان يحدثنيهِ تميم الدّاري عن رجلٌ كان في جزيرة من جزائر البحر”.
وعلى القول الثاني فإنه يُسهل علينا عدة أمورٍ ومنها:
وصف النبي عليه الصلاة والسلام لميلاد الدّجال وصفهُ والديهِ هو على حقيقتهِ، ويُراد به ابن صياد، فهو الميلاد الأولى للدجال.
توقف النبي عليه الصلاة والسلام في الفصل بشأن ابن صياد في بداية الأمر وإشفاقهِ لحينِ موته من ابن صياد، واختيار آية الدّخان التي لها علاقة بالدّجال الأكبر كخبيئةٍ امتحن فيها ابن صياد يعزز فكرة كون ابن صياد هو الدّجال الأكبر، ويُشير إلى أنّ النبي تحصل لديه من عدة قرائن ما يؤكد على ذلك.
قسمُ بعض الصحابة المقربين من رسول الله عليه الصلاة والسلام على أن ابن صياد هو الدّجال أيضاً على حقيقتهِ، ولا يتصور منهم إلا حال تأكدهِم من ذلك.
جزم عمر وأبي ذر وابن عمر وجابر وحفصة رضي الله عنهم بأنّ ابن صياد هو الدّجال فيه إشارة إلى أنّ لديهم بعض الدلائل الخاصة القوية التي تَحصلت عندهم من رسول الله تؤكد على أنه الدّجال.
نفور عين ابن صياد دون شعور منه وانتفاخه وإخباره بمغيبات كلها تعزز كونه الدّجال الأكبر، وهذه بداية إرهاصاتهِ، وتطور قدراته.
إصرار جابر رضي الله عنه على أنّ ابن صياد هو الدّجال حتى لو مات أو أسلم فيه إشارة إلى أنه فهم أنه أمام ظاهرة مغايرة للبشر لها خصائصها التي تتميز بها، وفيه تأكيد على أن العلم الذي تحصل لديهِ عن ابن صياد بلغ درجة العلم القطعي الذي لا يحتمل غيره.
حصول قصة تميم، وتقمص الدّجال لهيئة الشيخ الكبير فيها إنما جاءت بقدر الله لتوجيه أنظار عموم الصحابة عن ابن صياد، وعدم ملاحقته أو الافتنان به في غير زمانه، أما إسلام ابن صياد ودخوله المدينة فليس فيه دلالة على أنه ليس الدّجال كما صرح ابن حجر؛ لأنّ النبي عليه الصلاة والسلام قال أنهُ لا يدخل المدينة في زمان فتنهُ، وكذلك لا يتزوج في تلك المرحلة بالذات.
إنّ الروح الدّجالية حلت في جسد ابن صياد من ميلاده لتكون قريبةً من فهم طبيعة الرسالة التي ستًغوي أفرادها في آخر الزمان، وهذه الروح أيضاً حلّت في جسد الشيخ الكبير الموثق في الجزيرة، وهي التي تحل أو تشكل على هيئة شاب قطط في آخر الزمان عند بداية الفتنة. وقد قسم عمر وجابر وأبي ذر على أنّ ابن صياد هو الدّجال في محله وجزم كبار الصحابة بذلك صحيح، والقول بأنّ الشيخ الموثق في الجزيرة هو الدّجال الأكبر أيضاً صحيح، ولا تعارض بين هذه الأقوال كلها لأننا أمام ظاهرةً مخالفة للبشر، ومن الخطأ قياسها وفق عقولنا ونَواميسنا. فنحنُ لسنا أما ظاهرة إنسيةٍ حتى نقيس عليها، بل نحنُ أمام ظاهرةٍ خاصة خارقة قدرها الله تعالى من أجل أن تُمثل حلقة من حلقات صراع الحق والباطل في آخر الزمان.
نقول: أعان الله هذه الأمة في آخر الزمان، فإنّ قائد أعظم فتنةٍ في الأرض والتي حذّر منها كل الأنبياء كانت من حظ هذه الأمة وهذا القائد بقدر الله، فقد نبت في العاصمة الأولى لهذه الأمة وفي عهد نبيها، وهذا يُضيف له قدرة خاصة وخبرة متميزة في الإغواء؛ لأنه تعرف عن قرب على معالم رسالة الحق كاملةً، فبالتالي يكون خبيراً في كل الجوانب المخلةِ بتلك التعاليم.

المصدر: كتاب علامات الساعة، تأليف سعيد اللحام.كتاب المسند من أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة، تأليف مصطفى العدوي.الموسوعة في الفتن والملاحم وأشراط الساعة، تأليف محمد أحمد المبيض.كتاب أشراط الساعة، تأليف يوسف عبد الله بن يوسف الوابل - دار ابن الجوزي.كتاب أشراط الساعة، تأليف عبد الله بن سليمان الغضيلي.كتاب أشراط الساعة وأسرارها، تأليف محمد سلامة جبر- الطبعة الأولى.


شارك المقالة: