أصل النقود وبدء ضربها

اقرأ في هذا المقال


إنّ حاجات الإنسان وظروف حياته تجبره على البحث عن الوسائل والأساليب التي تساعده على توفير تلك الحاجات، وكانت وسيلة التبادل إحدى الوسائل التي وجدها الإنسان في الحصول على ما يُريد مما لا يملك، فبحث الإنسان مع بدايات التعامل بوسيلة التبادل عن سلعة يجد فيها المنفعة والبقاء، يجمعها ويدخرها للاستفادة منها في الأوقات اللاحقة، فوجد المعادن وسيطاً سهلاً وممتازاً للتبادل، ولا تحتاج إلى مخاطرة في الحفظ والادّخار، ومن هنا كانت بدايات استخدام النقود.

اختيار المعادن وسيطاً للمبادلات:

استخدم الناس المعادن في معاملاتهم، فكان من يريد شراء حاجة أو سلعة يطلب من البائع إعطائه بمقدار أضعاف وزن قطع معدنية يدفعها له، ولكن هذه الطريقة كانت متعبة ومرهقة، وتحتاج إلى كثير من الصُّناع الذين يقومون بتكسير الأوزان المعدنية وتسوية أوزانها.
واقتُصرت هذه الطريقة على الأغنياء وكبار التجُّار الذين كانوا يقومون بتكسير القطع، وينسبونها لأنفسهم بكتابة أسمائهم عليها، ولكن كانوا يجدون صعوبات في توحيد أوزان القطع المعدنية، وخاصّة إذا كانت من المعادن النفيسة كالذهب والفضة، وأصبح الكثير منهم لا يضمن عدم الغش أو التطفيف في الأوزان.
ثمّ توّلت الدولة أمور الأوزان بتنفيذ قانون عرض القطع النقدية على السلطات العليا في الدولة، للتأكد من سلامة أوزانها، كما فرضت الدولة عقوبات على من يُخالف القانون، ويستخدم أي قطع معدنية دون عرضها على السلطات المتخصصة أو التلاعب في الأوزان المحدّدة.
وكان تدخّل الدولة بداية لضرب النقود الموحّدة في الوزن والقيمة، بهدف منع الغش والتسهيل على الناس في عمليات التبادل والتجارة، ثمّ جاءت أهداف أخرى مثل تعزيز السلطان وضرب المعادن باسمه، ولحسابه الخاص، وأصبحت عمليات ضرب المعادن عمل مأجور بالنسبة للدولة.
ثمّ ظهرت تطوّرات على القطع المعدنية، وأهمها التقليل من أحجامه وأوزانها لتسهيل التعامل بها، ثمّ قاموا بحفر النقوش وارسومات عليها، حتى وصلوا إلى فكرة صب النقود في قالب واحد، لتوحيد حجمها وشكلها والنقوش المحفورة عليها.

أوّل من ضرب النقود:

بعد البحث والتحري عن أوّل من ضرب النقود، فقد أجمع العلماء والباحثون على أنّ الشعب المصري القديم هو أوّل من ضرب النقود واستخدمها في التبادل، حيث كانوا يُقدّرون قيم السلع بحلقات معدنية متساوية في الأوزان، ومنها حلقات البرونز النحاسي، وكان ذلك قبل أربعة آلاف سنة من ميلاد المسيح عليه السلام.
واستخدموا حلقات مصنوعة من قضبان الذهب الملتوية بمقادير وكميّات قليلة؛ بسبب صعوبة الحصول على معدن الذهب في ذلك الوقت، ولم يُذكر أنهم استخدموا الفضة لأنها كانت من المعادن التي يصعب إيجادها أو الحصول عليها، وكانوا يضربون النقود باستخدام قوالب، والتأكّد ن توحيد حجمها ووزنها قبل التعامل بها.
وحسب أقوال بعض المؤرخين والباحثين أنّ الصينيين هم أوّل من عرف العملة المعدنية، وأصدروها باسم الحاكم آنذاك، هذا ما دلّت عليه القطع النقدية هلالية الشكل، التي تمّ العثور عليها، والقول أنّها تعود إلى ذلك الزمن، كما ذهب البعض إلى أنّ أوّل من تعامل بالنقود الورقية هم أيضاً الشعب الصيني، ولكن توصّل بعض الباحثين أنّ هذا غيرصحيح ولا علاقة للصينيين في بدايات ضرب النقود والعملات، وأنّ هذا الرأي مبني على اكتشافات تاريخية تمّ تقديرها في حسابات خاطئة.
وحسب رأي الباحث والمؤرّخ هيرودوت أنّ اليديين هم أوّل من ضرب النقود، مستدلّاً على ذلك من خلال العثور على عملات قديمة، تعتبر من أقدم العملات التي تمّ العثور عليها، كم أنّ هناك معبد أفسوس الذي تمّ دفع تكاليف بناءه باستخدام قطعاً نقدية، وهو معبد ليدي تمّ بناءه في القرن السابع عشر، وتمّ اعتماد رأي هيرودوت في تاريخ ضرب النقود، إلى أن يأتي أحد بما يُنقض كلامه.
واكتشف الليديون معدن يتكوّن من الذهب المختلط في الفضة على شواطئ بلادهم، فاستخدموه في ضرب النقود، وأصدروا عملتهم من هذا المعدن الذي سُمي لاحقاً بالإلكترم، وهو معدن يجمع بالمعدنين الذهب والفضة معاً بِنِسَب مختلفة، لذلك سبب هذا الاختلاف في نسب مكونات المعدن مشكلات عديدة، فتركوا هذا المعدن وأصدروا عملة جديدة من معدن الفضة بمفرها، وأخرى مضروبة من معدن الذهب لوحده.

وحدة الوزن والتقدير:

إنّ وزن العملات الثقيلة، ورثه الليديون عن الفينيقيين، وورثوا عن البابليين العملات ذات الأوزان الخفيفة، وبرى البعض بأنّ المصريين القدامى هم أوّل من تعامل بالعملات الذهبية خفيفة الوزن، حيث قدّروا وزنها مقدار 126 حبة من القمح الناضج، ثمّ أصبحت النقود وسيلة لوزن المعادن النفيسة والنادرة، ثمّ إلى وقتنا الحاضر الزمن الذي أصبحت النقود فيه ثمناً لأي سلعة بمقادير مختلفة، من سلعة لأخرى، كما يُمكن استخدامها لتحديد قيم الأعمال وتقديرها.

المصدر: تاريخ النقود الإسلامية، موسى الحُسيني، 1988موجز النقود والسياسة النقدية، زكريا مهران، 2017السياسة النقدية والمصرفية في الإسلام، عدنان التركماني، 1988السياسة المالية والنقدية في ظل الإسلام، عوف الكفراوي، 1997


شارك المقالة: