الجدل في القرآن الكريم وأنواعه وآدابه

اقرأ في هذا المقال


أساليب القرآن الكريم كثيرة لا تنتهي، فالكفار لا ينهون حواراتهم ووضعهم أدلة كاذبة على رسالات الأنبياء والطعن بها فأسلوب الجدل في القرآن الكريم من أكثر الأساليب المستخدمة بين المسلمين والكفار، وبين الأنبياء وأقوامهم فجدالهم لا حجة عليه ولا قوة له، على عكس جدال الأنبياء والمسلمين فلهم الحصة الكبيرة من الجدالات الناجحة، فالجدال أمرٌ مهمٌ لإقناع الطرف الآخر بالرأي السليم.

تعريف الجدل

لغة: القوة والصلابة.

اصطلاحا: هو الحوار بين طرفين ومحاولة طرف إقناع الطرف الآخر بأنه على صواب مع وجود أدلة على رأيه وأقواله، فإن لم يكن هناك أدلة فجداله ما هو إلا تكبر وعناد.

في القرآن الكريم: هو حوار ينشأ بين جهة مسلمة وجهة كافرة، أو بين جهتين مسلمتين، للسؤال ومعرفة شيء معين يخص الدين، أما حوار الكفار فيكون لإثبات رأيهم الخاطئ.

أنواع الجدل في القرآن الكريم

أولاً الجدال المذموم

دائماً ما يقترن الجدل والجدال في القرآن الكريم بالذم لأنه محاولة من الكفار على طمس الحق بالباطل من خلال آرائهم الخاطئة، قال تعالى: “وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ” ( سورة الكهف:56)، في هذه الآية الكريمة يجادل الكفار بالقول الباطل ليطفئوا نور الدين الصحيح،  وقوله تعالى: “مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا” (سورة غافر:4)، في هذه الآية المقصود بالجدال الطعن في آيات الله عز وجل.

وقد حذر النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن الخوض في هذا الجدال المذموم، كما في الحديث عن أَبِي أُمَامة قال: قَال رسُولُ اللَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم-: “مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلا أُوتُوا الْجَدَلَ” ثُمَّ تَلا رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- هَذِهِ الآيَةَ “مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ” (سورة الزخرف: 58).

 ثانيا الجدال المحمود

كما هناك جدال مذموم هناك جدال مرغوب محمود، وهو جدال واقع بين المسلمين لمعرفة مسألة معينة أو تفسير قاعدة معينة، ومن أشهر الجدال المحمود جدال سيدنا إبراهيم -عليه السلام- مع الملائكة الكرام الذين جاءوا يبشرونه بالغلام العليم، ويخبرونه أنهم مرسلون لإهلاك قوم لوط -عليه السلام- فأخذته الرأفة للشفاعة لهم فنهاه الله -عزَّ وجلَّ- عن ذلك لأنه أمرٌ منتهي، قال تعالى: “فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ(74) إنَّ إبراهيمَ لحليمٌ أوّاهٌ منيبٌ(75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ(76)” ( سورة هود:74-76).

كما كان يجادل سيدنا محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم- قومه بالحسنى والجدال المحمود، قال تعالى: “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” (سورة النحل:125).

 ثالثا الجدال عن النفس يوم الحساب

وهو جدال واقع للنفس يوم القيامة أمام الله -عزَّ وجلَّ- عن مصيرها أهو للجنة أم للنار، قال تعالى: “يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ” (سورة النحل:111).

أمثلة على جدال الأنبياء لأقوامهم

جدال سيدنا نوح عليه السلام مع قومه

1-قال تعالى: “لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ” (سورة الأعراف:59).

2- قال تعالى: “قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ(سورة الأعراف:60).

3- قال تعالى: “أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴿64﴾ فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ” (سورة الأعراف:63-64).

جدال سيدنا موسى عليه السلام مع قومه

1- قال تعالى: “يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنزلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا ( سورة النساء: 153).

2- قال تعالى: “وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ(105) قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ(107)” (سورة الأعراف:104-107).

جدال سيدنا عيسى عليه السلام مع قومه

1- قال تعالى: “فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا(29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32)” (سورة مريم:29-32).

2- قال تعالى: “مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ(36) فَاخْتَلَفَ الأحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ(37)” (سورة مريم:35-37).

3- قال تعالى: “وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ(57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ(58) إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ(59)” (سورة الزخرف:57-59).

جدال سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم مع قومه

1- قال تعالى: “رَسُولا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا” (سورة الطلاق:11)

2- قال تعالى: “إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ(119) وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ(120)” (سورة البقرة:119-120).

3- قال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا” (سورة النساء:170).

وفي الختام لا ينتهي الحديث عن الجدال فأمثلة القرآن الكريم كالبحر لا تنفذ ولا تنفذ فوائدها وأخبارها، وجدال الكفار لا ينتهي مع الزمن بل يضل مستمراً إلى يوم الدين، لاعتقادهم أنهم على حقٍ والمسلمون والأنبياء على باطل، لكن جدال الأنبياء يفوز دائما لاقترانهم بكل ما هو حقٌ من السماء، فالله -عزَّ وجلَّ- يعطي أنبيائه الحجج والبراهين ليكونوا دائماً على صواب.

المصدر: مناهج الجدل في القرآن الكريم،زاهر عواض الألمعي،2018استخراج الجدال من القرآن الكريم،ابن الحنبلي،1980مباحث في علوم القرآن،مناع القطان،2000المعونة في الجدل،أبو اسحاق الشيرازي،1987


شارك المقالة: