ما هو جواز الحبس للدين في الشريعة الإسلامية؟

اقرأ في هذا المقال


جواز الحبس للدين في الشريعة:

لقد جاء في شرح الكنز للزيلعي: أن المدين بحبس في كل دين لزمه إذا كان قادراً على الدفع وطُولب به فلم يوف فيشترط للحبس أن يُماطل المدين في الوفاء مع مقدرتُه عليه؛ لأنه بذلك يكون ظالماً يستحق العقوبة، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: “مطل الغِنى ظلم”. أما إذا ثبتت عسرته فإنه يستحق النظرة إلى الميسرة، لقول الله تعالى: “وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ” البقرة:280. فحبسه مع العسرة يكون ظلماً فلا يحل.
وعند أبي يوسف ومحمد وزفر: أن ذلك لا يجوز؛ لأن المدين منتظر إلى الميسرة بإنظار الله تعالى. فلو كان بإنظار الدائنين لا يكون لهم حق الملازمة قبل الأجل، فلأن تمتنع الملازمة مع إنظار الله تعالى أولى. وحجة الرأي الأول، أن المدين منظر حتى يقدر على الوفاء، وذلك محتمل في كل ساعة، فيُلازم حتى لا يخفى المال المال الذي يأتيه. وأنه قد يكسب فوق حاجته، فيأخذ الدائنون منه فضل كسبه، بخلاف الأجل؛ لأن الغريم ليس له أن يطلب الدين قبل حلول الأجل مع القدرة على أدائه، لأنه مؤخرٌ بخلاف ما نحن فيه، إذ الدين نفسه حال، ولكن المدين لا يُطالب به لعسرتهِ، وزوال العسرة متوقع في كل آن، فتجوز الملازمة.
وعند مالك: أن القاضي لا يُحبس في الدين؛ ولكنه يستبرئ أمر المدين، فإن اتهم أنه أخفى مالاً وغيبةً حبسه، وإن لم يجد له شيئاً ولم يخف شيئاً لم يُحبسه، وخَلى سبيله، لقوله تعالى: “وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ” البقرة:280. إلا أن يحبسه قدر ما يتلوم له من اختباره ومعرفة ما له وما عليه، أو يأخذ حميلاً.
وقال ابن القاسم: إنه يُحبس أبداً حتى يأتي بماله، إن عرف له مال قد غيبهُ. وقال مالك إذا تبين للقاضي الإلدادِ من الغريم فإنه يُحبس، ومثال هؤلاء التجار الذين يأخذون أموال الناس فيَقعدون عليها ويقولون ذهبت منا، ولا يُعرف ذلك إلا بقولهم، دون دليلٍ آخر.
وعلى ذلك، فالأصل عند مالك أن القاضي لا يحبس المدين في الدين، إلا إذا اتهم بإخفاء ماله وتغييبهِ، فهو للاستبراء، وكذلك إن عرفت له أموال غيبها حتى يأتي بهذه الأموال. أما عند الحنابلة، يكون الحبس عند القدرة على الوفاء مع المطالبة. وذلك لقضاء الدين، ويكون الحبس كذلك لإثبات عسرة المدين.
وخلاصة هذا الأمر: أن التنفيذ بالحبس جائز في الشريعة الإسلامية، بشرط أن يطلب الوفاء من المدين فيأبى، مع استطاعته الوفاء. أما إذا لم يكن عنده ما يوفى به فلا يُحبس، وينظر إلى الميسرة.

المصدر: كتاب التعزير في الشريعة الإسلامية، للدكتور عبد العزيز عامر.كتاب التعزير في الإسلام، للدكتور أحمد فتحي بهنسي.كتاب أحكام التعزير والجرائم التأديبية وعقوباتها، للدكتور شعبان الكومى أحمد فايد.كتاب الحدود والتعزيرات عند ابن القيم دراسة وموازنة، تأليف بكر عبد الله أبو زيد.


شارك المقالة: