هل النبي إبراهيم عليه السلام أعلى درجة في الأئمة أم هناك أحد غيرة؟

اقرأ في هذا المقال


تعريف الإمامة وما علاقتها بإبراهيم عليه السلام:

لقد خلق الله تعالى الإنسان لهدفٍ سامٍ وهي العبادة، فقال الله تعالى: “وما خلقتُ الجِنّ والإنس إلّا ليعبدون” الذاريات:56. ومن معالم العبادة هو الاستخلاف في الأرض، ولقد خلق الله تعالى الإنسان ليُعمر في الأرض، فقال تعالى: “هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها” هود:61. أي هو الخالق لكم من الأرض وهو الذي جعلكم عمّاراً لها تستغلونها بكلِ نفعٍ، ولما كان من معاني العبودية تحكيمٍ وتطبيق شريعة الله تعالى، وهذا لا يكون إلا بإمامةٍ صالحة.
والإمامةُ في اللغة من أمَ يؤمُ، وهي تأتي بمعنى التقدم، فيُقال أمّهم، وأمّ بهم أي تقدمهم. والإمامةُ في الإصطلاح: هو من له الريلسة العامة في الدين والدنيا جميعاً، ويتضحُ من معنى الإمامة أنها القيام على مصالح الناس في الدين والدنيا.

إبراهيم عليه السلام والإمامة:

لقد ذكر الله في كتابه وصفاً لإبراهيم عليه السلام بأنه أمة فقال تعالى: “إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” النحل:120. وكما ذكرنا معنى أمة أنه قدوةٌ يهتدي به أهل الهدى في الخير، وتعرض الآيات في سورة البقرة أن الله أراد أن يجعل من إبراهيم عليه السلام للناس إماماً، وكان هذا بمثابة امتحان له عليه السلام وابتلاء، فما كان منه عليه السلام إلّا أنّ أتم امتحانه على أكمل وجه، وبهذا الاختبار قد حاز إبراهيم عليه السلام الاصطفاء والاجتباء الرباني، فأصبح إماماً، للأمة المسلمة، فقال تعالى: “وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ” البقرة:124. وفي هذه الآية ثلاثُ صفاتٍ تُبين فضائل إبراهيم عليه السلام وهي: الابتلاء بالكلمات، والوفاء بها والإمامة والقدوة لمن بعده، فظهر من معنى الإمام في الآية نفس معنى أمة وهو أن يكون عليه السلام قدوةً لمن بعده من أهل الإيمان، فيتبعون ما عليه من الهدى ويقتفون سنته التي هي بوحي من الله، ولهذا بقي عليه السلام إماماً للهدى مع كل الناس من المؤمنين على اختلاف الزمان والمكان.

هل إبراهيم عليه السلام إمام المؤمنين:

لم يقف إبراهيم عليه السلام عند معرفته بأنه إماماً للمؤمنين، بل طلب من الله أن يعرف لمن تكون الإمامةُ من بعده، فطلب ذلك على سبيل الرغبة في الدعاء، أي ومن ذريتي يا رب من سيكون؟ فأعلمهُ الله جلّ جلاله أن من ذريتهُ من سيكون ظالماً وعاصياً لله سبحانه وتعالى وعلى هذا فإنه لا يستحق النبوة ولا الإمامة من كان ظالماً من ولدك فقال: “لا ينالُ عهديَ الظالمين”. ومعنى عهدي في الآية هي الإمامة، وهي تشملُ إمامة الرسالة وإمامة الخلافة والصلاة، فبينت الآية أنّ من كان من أهل الفسوق والعصيان فهو ليس أهلاً للإمامة، وفي هذا بيان أن الإمامة لا تُمنح إلّا للأتقياء؛ لأنها عهدٌ من الله، ولأن الإمام يُقتدى به فلا بالظالمين لذا فلا ولاية لفاسق، وأن منصب الإمامة والرياسة في الدين لا يصلهُ الظالمون.

الإمامةُ في الأرض:

لقد أراد خليلُ الله أن تبقى الإمامةُ في الأرض؛ لتكون الإمامة مظهراً لبقاء أناس يطبقون منهج الله في الأرض على نفس طريقه عليه السلام من الوفاء والإكمال، ولكن تبارك وتعالى أعلمُ وأدرى بخلقهِ من أي أحد. فقد تبين لإبراهيم عليه السلام أن بعضاً من ذريتهُ سيُخالفون ما أرادهُ عليه السلام من تطبيق منهج الله الله في الأرض ومخالفة الله تعالى بالعصيان، وبالفعل كا ن ما كان من ادعاء قومٍ أنهم أحقُ بالإمامة مع ظلمهم وعتوهم في الأرض، وادعوا نسبتهم لإبراهيم عليه السلام وهو منهم براء بالإمامة، بأن من عمل وأدى واجبه كاملاً بصبرٍ ومصابرة وتحمل المشاقِ كما كان عليه السلام في صبره، وانقاد لشرعه جل وعلا، وائتمر بما كلفه الله، وترك العناد والصلف والتمرد، هو من يكون إماماً، وفي هذا تنحية لليهود عن منصب الإمامة والقيادة،؛ لأنهم ظلموا وفسقوا وانحرفوا عن عقيدة إبراهيم عليه السلام، فوراثة إبراهيم عليه السلام ليست على قائمة على الجنس والنسب، بل إنها قائمةً على نصرة الدين، فالظلم والكفر مانعٌ للإمامة.

ماذا سأل إبراهيم عليه السلام من ربه:


إن الأمام لا بدّ أن يكون قدوةً مستسلماً لله جل وعلا وجاهداً بنفسه وماله في سبيل الله أن ترفع كلمة الله في الأرض، يتبرأ من الكفار ولا يوالي إلا أولياء الله، فركائزُ الإمامة إمامٌ مسلم وأمةٌ مسلمة ونظامٌ وشريعة من الله تطبق على الأرض. وإلى هذا الأمرِ سعى إبراهيم عليه السلام فكان يسألُ الله القبول منه فقال: “رَبّنَا تَقَبَل مِنّا إنّكَ السَمِيعُ العليم” البقرة:124. وكذلك طلب من الله أن يكون ابنه إسماعيل مستسلماً لله تعالى، وأن يجعل من ذريتهُ أمةً مسلمة له جل وعلا فقال تعالى: “رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ” البقرة:128. ثم طلب من الله أن يكون في ذريته إماماً لهم يُعلمهم أمور دينهم ويُزكي نفوسهم فقال: “رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” البقرة:129.

المصدر: كتاب أصول الإيمان في قصة إبراهيم عليه السلام، إعداد فوزية محمود عبد الرحمن الملفوح.كتاب أطلس تاريخ الأنبياء، تأليف سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوثكتاب قصص الأنبياء تأليف الكاتب محمد متولي الشعراوي.كتاب قصص الأنبياء، تأليف الطيب النجار.كتاب قصص الأنبياء، تأليف الحافظ ابن كثير.


شارك المقالة: