ما هي قصة توبة ملك من ملوك البصرة وجاريتهُ؟

اقرأ في هذا المقال


قصة توبة ملك من ملوك البصرة وجاريتهُ:

لقد رُوي عن مالكُ بنُ دينار عليه رحمة من الله، أنّه كانَ يسيرُ يوماً في زقةٍ من أزقةِ البصرة، فإذا هُناك بجاريةٍ من جواري أحدِ المُلوك، تركبُ ويُحيطُ بها الخَدم، فعندما رآها مالكُ، صاحَ وقال: أيتها الجارية، هل سيَبيعُكِ مولاكِ؟ قالت له ما الذي تقولهُ، أعاد عليها وقال لها: أيَبيعُكِ مولاكِ، وإذ تراهُ يَبيعُني، هل سيشتريني أحدٌ مثلك، فقال لها أجل، خيراً منكِ.

وذهبت وهي ساخرةً منهُ، وقالت احِملُوني إلى دَاري، وحِينما وصَلت أخبَرت مَولاها بما حصلَ مَعها، وضحك مولاها، وأمَرَ بأن يأتي له بذلك الرجل، فجاء مالك، فألقيت لهُ الهيبةُ في قلبِ الأسد، فقال له: ما هي حاجتُك أيها الرجل.

قال حاجتي هي أن تبيعني تِلك الجاريةُ، قال له الملكُ: هل تقدرُ على دفعِ ثمنها؟ قال: ثمَنُها عِندي هو نُواتانِ مَسوستانِ، فضحكوا، وقال كيف يكون ثَمنها هكذا عِندك، فقالَ لهم: من كُثرةِ عُيوبها، فسألوهُ وما هي تِلك العُيوب.

فقال لهم: إذا لم تتَعطرُ زَفُرت، وإذا لم تستك بَخرت، وإذا لم تتمشطُ وتتدهنُ قمّل شعرها وشَعُث، وإذا لم تُعمرُ عن قليلٍ هَرمت، وتُصبحُ ذاتُ حيضٍ وبولٍ وأقذارٍ جمة، فلعلّها لا تَودكُ إلا لنفسها، ولن تُحبك إلّا لشغفها كلٌ بك، ولن تُوفي بعهدك، ولن تَصدقَ في وُدك، ولن يُخلفُ عليها أحدٌ من بعدك، إلّا نظرت إليه مثلك.

وهنا في هذه الحالةِ أنا سآخذُ من غيرِ ما سألتُ بجارِيتُك من الثمنِ، فهي خُلفت من سُلالةِ الكافورِ، لو مُزج بريقها أجاجٌ لطابَ، ولو دُعي بحديثها ميتٌ لأجاب، ولو بانَ مِعصمها للشمسِ لأظلمت دُونهُ، ولو ظهرَ في الليلِ لَكانَ نورهُ ساطعٌ، ولو واجهت الآفاقُ بِمجوهراتِها وحُليّها لبدت مُزخرفةً، نشأت بينَ رِياضِ الزعفرانِ والمِسك،  وسكنت في أكنانِ النعيمِ، ولو تغذت من ماءِ التسنيمِ، فليست خالفةً لِعهدها، ولا يتغيرُ أو يتبدلُ ودّها، فأيهما بذلك أحقُ برفعةِ الثمنِ، فقال: تلك التي وصفت.

فقال: إنّها موجودةُ الثمنِ، قريبةُ المخطبِ، قال: وكم يبلغ ثمنها، فأجابهُ اليسيرُ المبذول، أي أن تُفرغ ليلك من أجل أن تُصلي ركعتينِ خالصتانِ لوجهِ ربك، وأن يُوضع طَعامُك من أجلِ أنّ تَذكُر جائِعك، فتُؤثرَ الله على شَهوتِك، وأن تُزيلَ عن الطريقِ قذراً، وأن تقطعَ أيامُك بالبلغةِ، وتُعلي هِمتُك عن دارِ الغفلةِ، وأن تعيشَ في دُنياكَ قنوعاً، وأن تجيءُ يوم القيامةِ وأنتَ آمناً، وأن تَسكُن جنتكَ غداً مُخلدا فيها أبداً.

فقال الرجلُ: أيتها الجارية، هل سَمعتِ ما قالهُ هذا الشيخ، فقالت: نعم. وقال: هل صدق أحمدٌ أم كذب، فقالت: لا بل هو نُصحٌ وبرٌ، فقال لها: إذن أنتِ حرةً لوجه الله تعالى، واذهبوا أيّها الخَدمُ أيضاً فأنتم أحرار، وضِيع لكم كذا وكذا لكم من الصدقةِ.

وكلّ ما أملكُ من مالٍ هو صدقةً لوجه الله تعالى، وخلعَ ما عليه من لبسٍ، ولبس سترةً خشنةً كانت على أحدِ أبوابهِ وارتداها، وقالت له الجاريةُ: ليسَ لي عيشٌ بعدك يا مولاي، وقامت أيضاً بخلعِ سُترتها وارتدت سُترةً خشنةً وسارت معه. فودعهما مالك وداعاً، وذهبا كلٌ منهم على جهة، وبَقيا يَتعبدانِ معاً حتى أتاهُما الموت ونَقلهما على حال العِبادة.

المصدر: كتاب التوابين، تأليف موفق الدين أبو محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي.كتاب قصص التوابين، تأليف عبد العزيز سيد هاشم.كتاب قصص التائبين قصص واقعية مؤثرة جداً جداً، تأليف عصام أبو محمد.كتاب العائدون إلى الله، مجموعة من قصص التائبين، تأليف محمد بن عبد العزيز المُسند.


شارك المقالة: