ما هي قصة توبة هشام بن عبد الملك؟

اقرأ في هذا المقال


قصة توبة هشام بن عبد الملك:

لقد قيلَ أنّ هشام بن عبد الملك كان عندهُ ربيبة لبعض عجائز الكوفة، وقد وصفت وبرعت واشتهرت بالجمال، وهي أيضاً فائقةُ الحُسنِ والكمال، وهي أيضاً قارئةً للقرآن الكريم، وتروي الأشعار بكل عقلانيةٍ وأدب، فأمر أن يُبرد إلى والي الكوفة أن تُبتاع له بحكم مولاتها، وأن يتعجل حملها إليه وبعث في ذلك خادماً.

وحينما وصلَ الكتاب إلى الوالي، بعثَ إلى العجوز، فابتاع منها الربيبة ب(200 ألف درهمٍ وحديقة من النخل) ، يُخرج منها في كل سنة 500 مائة مثقال. فقاموا بتجهيز الجاريةِ وبعثوها إلى هشام.

ولها فرعٌ مقصورة ومفردة أنزلها فيها مع وصائف، وأمر لها أيضاً بأجود أنواع الملابس وأفخر أنواع الذهب والحُلي وما يُجهز به من الفرش. وفي ذاتَ يوم وهو خالٍ بها في مستشرف قد أُعدت فيه الفرش والطيب وما شابه ذلك، فتذاكرا فيه طرائفُ الأخبار وبلاغة الآثار، وعندما سرّ بقدومها وجُمعت مسرتهُ معها، وإلّا بصراخٍ ونحيب، فذهب هشام ليستشرف، وإذ هي بجنازةٍ معها مجموعة من الناس، ويتبع الجنازة بعض النسوة اللاتي يصرخنّ.

وهناك من بين النسوة اللاتي يصرخن واحدةٌ تندبُ وتقول: إنه أبي المحمول على الأعواد، والذاهبُون به إلى الموت، الخالي في قبرهِ فريداً، والمكونُ في لحدهِ غريباً، فليت شعري أيّها المنقول، أنتَ ممّن يُناشدُ حملتهُ: أسرعوا بي، أم أنت ممن يُناشدهم ارجعوا بي، فإلاما تقدمونِ. وبعدها ذبلت عينا هِشام وملئت بالدموع، فالتهى عن لذتهِ وصار يقول: كفى بالموتِ واعظاً.

فقالت له غضيض: كفى لقد قطعت لي قلبي هذه النادبةُ من شدة ندبها، فقال هشام: الأمر جد، فنادى الخادم، ونزلَ عن مُستشرفهِ ومضى، فأغفت غضيض وهي في مجلسها، فآتاها آتٍ في منامها وأخبرها بأنه أنتِ المُفتنة تعالى بجمالك، والمُلهيةُ بدلالك، فكيف أنت إذا نقر في الناقور، وبعثرت القبور،  وخرجوا منها إلى النشور، وقبلوا بجميع الأعمال التي قدموها.

وبعدها استيقظت من نومها مُرتاعة وراحت من شرابها، فنادت لبعض وصائفها، وقامت بدع الماء على جسدها واغتسلت به، وقامت بخلعِ ملابسها وحُليها ولبست ما يُشبهُ مدرعة الصوف، وقامت بتحزيم وسطها بخيط، وأخذت عصا وألقت في عُنقها جراباً، وذهبت إلى مجلس هشام، فعندما رآها أنكرها ولم يعرفها.

وحينما دخلت عليه قالت له أنا غضيضُ أمتك، فقد جاءني النذير وقرع مسامعي وعيدهُ، وقد قضيت مني وطراً وها أنا أتيتك لكي تعتقني من رق الدنيا، فقال لها هشام: شتان ما بين الطربين وأنت في طربك، اذهبي فأنت حرة لوجه الله تعالى، وقال: أي موضعٍ تُريدين، قالت أريد بيت الله الحرام، فقال: انطلقي، فلا سبيل لأحدٍ عليك.

وخرجت من دار الخلافةِ زاهدةً في الدنيا وترغب الآخرة فائضةً على وجهها حتى وصلت مكة المكرمة، فأقامت صائمة ومجاورة تعودُ على نفسها بالغزل في طعامها وشرابها، فإذا حلّ المساء تطوف وبعدها تعود إلى حجرها وتقول: يا ذخري أنت عدتي، فلا تقطع لي رجاءً أنلني مناي وأحسن منقلبي وأجزل عطائي.

ولم تزل على هذه الحال حتى غيّر الليل والنهار لون وجهها وبشرتها، وغير طولَ القيام والسجود جسمها، وشدة البكاء عينيها وأقرح المغزل بنانها، حتى انتقلت إلى جوار ربها.

المصدر: كتاب التوابين، تأليف موفق الدين أبو محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي.كتاب قصص التوابين، تأليف عبد العزيز سيد هاشم.كتاب قصص التائبين، قصص واقعية مؤثرة جداً جداً، تأليف عصام أبو محمد.كتاب العائدون إلى الله، مجموعة من قصص التائبين، تأليف محمد بن عبد العزيز المُسند.


شارك المقالة: