من هم الناجون من قوم عاد؟

اقرأ في هذا المقال


الناجون من قوم عاد:

إنّ العباد يُعذبون على جهلهم بالله تعالى، وإضاعتهم لأوامره، وارتِكابهم للمعاصِي والمَحارم التي نهى الله عنها، وأعلم أن الله سبحانه وتعالى لا يُعذب نفساً عَرفتهُ وأحبتهُ، وامتَثلت أوامرهُ وابتعدت عن نواهيه، وأطاعت ربها وبكت خشيةً من عذابه، وطمِعت في رحمته، فهل يغفلُ عاقلٌ عن طريق النجاة، فيُضيعُ نفسه، وهل يوبق نفسه إلا جاهل، عاش لشهواته ولنفسه، فشتان بين من يتبع الهوى ويَبيع نفسهُ للرحمن، فقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أن الناس صنفان في البيع، فمنهم من يبيع نفسه لله فيَعتقها ربها من النار، ومنهم من يَبيعها فيؤمنُ نفسه، والعياذُ بالله، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: “كلّ الناس يغدو فبايع نفسهُ فمعتقُها أو موبقها” صحيح مسلم.
ولقد اختلطت الأمور في هذه الأيام، حتى أصبح همّ الناس في هذه الأيام النجاة ليس من عذاب الله عزّ وجل ولا النجاة من المساءلة في القبر، ولا الوقوف في حرّ الشمس يوم القيامة، ولا السؤال من الله تعالى ولا كيف يعبرون الصراطَ برغم ما فيه من كلاليب تنهش ولا أصبح همّهم النجاة من النار، فليس للأسف هذا هو همّ الناس لا يعلمون، فقال تعالى: “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ” الأعراف:96.
فنحنُ هنا سنتحدثُ عن الناجين من قوم هود عليه السلام وما الأسباب التي أدت بهم إلى النجاة في الدنيا من الهلاك وفي الآخرة من عذاب الله. فقال تعالى: “فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا” الأعراف:72. فذكر الطبري: فأنجينَا هوداً والذين آمنوا معه من أتباعه على الإيمان به والتصديق به وبما دعا إليه من توحيد الله، وهجر الآلهة والأوثان.
وذكر الرازي: فنجى الله هوداً عليه السلام والذين معه برحمة من عند الله تعالى، إذ كانوا مستحقين للرحمة بسبب إيمانهم بالله وبنبوةِ هود.
قال البقاعي: ولما كان هذا ينبغي أن يكون سبباً للتصديق الذي هو سببُ الرحمة بين أنه إنما سبب لهم العذاب، وله ولمن تبعه النجاة، فبدأ بالمؤمنين اهتماماً بشأنهم بقوله: “فأنجيناهُ” أي بما لنا من العظمة إنجاء وحياً سريعاً، سَللناهم به من ذلك العذاب، كسلّ الشعرة من العجنِ، “والّذينَ مَعَهُ” أي في الطاعة، وأشار إلى أنه لا يجب على الله شيءٌ بقوله: “برحمتهِ” أي بإكرامٍ وحياطةٍ “منّا” أي لا بعملٍ ولا غيره.
قال محمد رشيد رضا في تفسيره: أي فلما جاء أمرنا أنجَينا هوداً والذين معه من المؤمنين برحمةٍ عظيمة من لدنا لا يُقدر عليها غيرنا. وقال المُراغي في تفسيره: أي فلما جاء أمرنا ووقع ما وقع من العذاب بقوم عاد، أنجيّنا هوداً والّذينَ آمنوا به وبما دعا إليه من توحيد الله وهجر الأوثان، برحمةٍ عظيمة من عند الله عزّ وجل.
وبعد سرد أقوال المفسرين للآيةِ السابقة، فإننا نلاحظ الناجين من العذاب من قوم عاد هم الذين آمنوا مع هود عليه السلام، لما دعاهم إليه من توحيد الله وحده وترك عبادة الأصنام والأوثان، واتباع أمر الله تعالى، ولما آمن هؤلاء القوم نجاهم الله من العذاب برحمةٍ من عنده. فقال تعالى: “وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ” هود:58.

أسباب الناجون من قوم عاد:

وفي هذا المقام نذكر أهم الأسباب التي نجت هوداً عليه السلام والذين آمنوا معه من قومه، وهي ما يلي:

  • الإيمان بالله تعالى، فقال عزّ جلاله: “وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ” يونس:103.
  • تقوى الله تعالى: “ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا” مريم:72.
  • الخوف من عذاب الله، والطمع في رحمته، فقال تعالى: “وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰفإنّ الجنةَ هيَّ المَأوى” النازعات:40-41.
  • التوكل على الله وحده، فقال تعالى: “إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” هود:56.
  • الاستغفار، فقال تعالى: “وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ” هود:52.
  • ومن أسباب النجاة أيضاً، أن يتغمد الله عباده برحمته من عنده، فقال تعالى: “فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا” الأعراف:72.
    فالله تعالى إذا تولى عبده برحمته فإن ذلك العبد في الدنيا من العقاب والهلاك الدنيوي وفي الآخرة من العذاب الأليم، وهو عذاب النار وبئس القرار، والعِياذُ بالله، فأسأل الله العظيم أن يتغمدنا برحمته، وأن يُدخلنا الجنة بِرحمتِه لا بأعمالنا، فلن يدخل الجنة أحدٌ بعمله إلا أن يتغمده الله برحمته، وقد ورد حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام وهو، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “سددوا وقاربوا واعلموا أن أحداً منكم ليس بمنجيهِ عمله، قالوا: لا أنت يا رسول الله؟ ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته” مسند الإمام أحمد.

المصدر: كتاب قصص الأنبياء تأليف الكاتب محمد متولي الشعراوي.كتاب قصص الأنبياء، تأليف الطيب النجار.كتاب قصص الأنبياء وهبة الزحيلي.كتاب قصص الأنبياء، للحافظ ابن كثير.كتاب قصة هود وصالح عليهما السلام، إعداد زكريا سعيد عبد الرحمن سحويل- إشراف الأستاذ الدكتور جمال محمود الهوبي.


شارك المقالة: