الإشراف القضائي على تطبيق الجزاء الجنائي الدولي

اقرأ في هذا المقال


الإشراف القضائي على تطبيق الجزاء الجنائي الدولي:

قضت الحرب العالمية الثانية ومجزرتها المروعة على ضمير المجتمع الدولي، وأدت الى إنشاء محاكم عسكرية دولية لمحاكمة ومعاقبة أهم المجرمين المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد السلام، وفرض الروادع عليهم وعقوبات جنائية. وهي تتناسب مع الجرائم التي وصلت إلى عقوبة الإعدام.

وفي نهاية القرن الماضي، انتشر التطهير العرقي والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية إلى يوغوسلافيا السابقة ورواندا وسيراليون وكمبوديا. ولذلك، أنشأ المجتمع الدولي مرة أخرى محكمة جنائية دولية مختلطة خاصة لتحمل المسؤولية عن الجرائم الدولية العقوبات على هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.

ولن تمنع هذه المحاكم المؤقتة والحصرية المجتمع الدولي من طلب إقامة مؤسسة دولية للعدالة الجنائية الدولية تكون مسؤولة عن محاسبة ومحاكمة ومعاقبة الأشخاص الطبيعيين الذين ارتكبوا أخطر الجرائم ذات الاهتمام الدولي، ولوقف الإفلات من العقاب في ظل النظام القانوني الدولي ومرتكبي العقوبات الجنائية الدولية تتحقق مع إنشاء المحكمة، حيث تأسست المحكمة الجنائية الدولية في صيف عام 1998.

وعلى الرغم من أن نظام القانون الجنائي الدولي يتسم بالتساهل والمرونة، فإن العدالة الجنائية الدولية تتمتع بأكبر قدر من القوة للمجرمين الدوليين رفيعي المستوى، بمن فيهم الرؤساء والقادة المدانون بارتكاب جرائم دولية وحصانتهم ليست كافية للتهرب من المجرم الدولي. وعندما يثبت أن فردًا ما يتحمل المسؤولية الجنائية الدولية عن انتهاك قواعد القانون الجنائي الدولي والقانون الإنساني الدولي، فإن العقوبة تكون نتيجة حتمية والعقوبات الجنائية الدولية ليست من أركان الجرائم الدولية، بل هي فاعلية الجرائم الدولية وتوافر عناصرها.

وتجدر الإشارة إلى أنه بالمقارنة مع المحكمة الجنائية الدولية السابقة، فإن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يتبنى سياسة عقوبات أوضح. وفي هذه السياسة، يفسر ويشرح بدقة أنواع العقوبات التي تطبقها المحكمة الجنائية الدولية ويظهر أن محكمة العدل الدولية تقوم على تخفيف العقوبات الصادرة؛ لأن معظم الاتفاقيات والمواثيق الدولية في هذا المجال تحدد فقط الطبيعة الإجرامية للفعل، لكنها لا تفرج عن العقوبة بحزم وبشدة. ولذلك، فإن قواعد الإعفاء من العقوبة والتقادم يمكن أن يعتبر نوعا من التغيير الجزائي.

دور القانون الدولي الجنائي في القضاء الجنائي الدولي:

يحمي القانون الجنائي الوطني قيم ومصالح المجتمعات في المنطقة من خلال معاقبة السلوكيات التي تنتهك تلك المصالح والقيم المعتبرة، ومن ثم توفير الحماية الجنائية على المستوى المحلي للدولة، ويوفر القانون الجنائي الدولي الحماية الجنائية الدولية من خلال توفير كافة أشكال الحماية الجنائية الدولية، لأداء وظائفها من خلال توفير الحماية لمصالح وقيم المجتمع الدولي ومعاقبة انتهاكات القانون الجنائي الدولي.

ويعتبر القانون الجنائي الدولي من الموضوعات الهامة في القانون الدولي العام؛ لأن طبيعته تجعل من الممكن فرض الحماية الجنائية في المجال الدولي ويرجع سبب هذه الأهمية إلى طبيعة الحماية وطبيعة قواعدها. وانطلاقا من مفهوم عقاب مخالفة القواعد العقابية ومراعاة بعض الإجراءات الجزائية، عدا عن ذلك أن العقوبة هي أقرب أشكال عقاب الروح، وتحتوي على المسؤولية الشخصية، وكلها تجعل القانون الجنائي الدولي مهمًا، سواء من الناحية النظرية أو في الممارسة، من حيث قدرتها على الحفاظ على النظام العام الدولي وفعاليته، فإن المصالح التي يحميها القانون هي جوانب مهمة.

فالعدالة الجنائية هي الأساس لإنشاء وتشكيل القانون الجنائي الدولي وإن تفشّي وتشهير القانون الجنائي الدولي هو تشهير معايير تقسيم القواعد القانونية حسب حقوقها كقواعد وأساس قانوني للقانون الجنائي الدولي. وبشكل عام، هناك فرق بين القواعد الإجرائية للقانون الدولي الجنائي والقواعد الموضوعية له، وهذا التقسيم للقواعد الجنائية الدولية يعود إلى موضوعية القواعد الإجرائية بحيث يتيح لنا التعامل مع جزأين من القواعد الجنائية الدولية.

وبالنظر إلى طبيعة القانون الجنائي الدولي وتطوره التاريخي، وجدنا الأساس النظري للقانون الجنائي الدولي الموضوعي، لا سيما فيما يتعلق بالجرائم الدولية. وفيما يتعلق بالقانون الجنائي الدولي الإجرائي، لم نجد طريقة للتمييز بين وجودها في المحكمة الجنائية الدولية المؤقتة، وتطبيقها مؤقتًا وفصلها نظريًا ودائمًا باستثناء المحكمة الجنائية الدولية، ثم لاحظنا أنه لا يوجد أساس نظري للانفصال عن هذه المحاكم.

وتعد محاكمة الجرائم الدولية الخطيرة، بما في ذلك الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، ضرورية لتقديم القانون الجنائي الدولي والضحايا إلى العدالة. وهذا جزء مهم من العدالة الانتقائية، وهو أيضًا عملية تحويل المجتمع إلى ديمقراطية تحترم الحقوق ومعالجة انتهاكات حقوق الإنسان. ويعتبر التحقيق مع الذين ارتكبوا جرائم وتسببوا في فظائع سياسية أو عسكرية واسعة النطاق ومقاضاتهم من المتطلبات الرئيسية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.

المصدر: القضاء الجنائي الدولي/مرشد أحمد السيد أحمد غازي الهرمزي/2002المحكمة الجنائية الدولية/محمود شريف بسيوني/2001القانون الدولي الجنائي/علي يوسف شكري/2005القانون الدولي الإنساني/عمر محمد المخزومي/2009


شارك المقالة: