علم نفس التطور الأخلاقي في فلسفة برادلي

اقرأ في هذا المقال


لا بدّ من تفسير كيف ينشأ الوعي الأخلاقي؟ تعتمد رواية فرانسيس هربرت برادلي بشكل غير مفاجئ على حقيقة أنّ الأطفال تربوا في بيئة اجتماعية وسيتعلمون من خلال التجربة، وفي مرحلة مبكرة من الحياة العقلية سيشعر الطفل بالسعادة من شيء ما مثل تفاحة  وينقل الإحساس اللطيف إلى الشيء بحيث يصبح جزءًا من محتوى التفاحة وجزءًا مما يعنيه هذا الشيء بالنسبة إلى الطفل أو بالأحرى جزء مما يراه الطفل في ذلك الشيء.

مفهوم التوتر المحسوس وعلاقته بالإرادة:

يولد الطفل شهية لأشياء من هذا النوع وفي وجود تفاحة يكون للطفل رد فعل مختلط وهو شعور لطيف لأنّ الشيء يُنظر إليه على أنّه ممتع ولكنه شعور مؤلم؛ لأنّه لا يمتلك أو يستمتع بالتفاحة وينتج عن هذا توتر محسوس، ويعد محسوس لأنّه يحدث على مستوى ما قبل الإدراك أي قبل أن يكون لدى الطفل معتقدات حول الشيء أو يكون قادرًا على تقديم استنتاجات حول الشيء بناءً على الخبرة السابقة.

هذا التوتر المحسوس هو الرغبة وهو الذي يدفع الطفل إلى العمل لمحاولة الاستحواذ عليه جسديًا، ويختلف حساب برادلي النفسي عن مذهب المتعة في أنّه بينما تقول مذهب المتعة أنّ متعة معينة هي إرادة فإنّ برادلي يدّعي أنّ الشيء المثالي الذي يريده هو شيء معين تم نقل صفة لطيفة إليه وبالتالي يُنسب إلى الشيء نفسه.

وعلاوة على ذلك بناءً على حساب برادلي فإنّ الإرادة بمجرد أن نصل إلى مرحلة امتلاك الذات المطورة تمامًا والقادرة على امتلاك الإرادة تسعى فعليًا إلى البحث عن الكائن الذي يريده لأنّه يمثل إرضاء الذات بعد عملية تحديد الهوية، ومع ذلك في هذه المرحلة لدينا في أحسن الأحوال مقدمة بدائية جدًا للذات ولا يمكن القول إلا أنّها تؤكد نفسها، أي أنّه يفتقر إلى الوعي المتطور الضروري لتمثيل الأشياء المثالية.

وعلاوة على ذلك يفتقر الطفل في هذه المرحلة إلى مستوى الوعي الأعلى المطلوب ليرى نفسه على أنّه يدرك نفسه من خلال تحقيق هدف مثالي حدد به إشباعه، حيث إنّها تؤكد نفسها فقط من خلال أنّها تضع إرادتها في العالم، حيث تستجيب شهواتها ورغباتها للأشياء المعقولة، وفي هذا يكون هدفها غير المعلن هو امتلاك الشيء الذي ترغب فيه.

في هذه المرحلة المبكرة لا يرغب الطفل في الشيء إلّا عندما يكون موجودًا، حيث في مرحلة لاحقة سيكتسب الطفل إحساسًا بهذه الأشياء كأشياء خارجية مستقلة تستمر مع ثبات العوامل الأخرى، وبالتالي يمكن أن تكون مرغوبة في غيابها.

عوامل تؤثر في إرادة الطفل:

يعاني الطفل أيضًا من أشخاص آخرين، وفي النهاية سوف يتعرف عليهم كأفراد لديهم إرادة مستقلة مثل الآخرين الذين لديهم خططهم ومشاريعهم الخاصة وكأنفسهم يحاولون إدراك أنفسهم من خلال أفعالهم، والذين بسبب هذه الحقائق قد تعارض أو تؤكد رغباتها الخاصة وتعارض إرادتها.

نظرًا لأنّ هؤلاء الآخرين سيكونون في البداية أفرادًا من الأسرة أو مقدمي الرعاية، فسيكون هناك رابط عاطفي واعي مسبقًا بينهم وبين الطفل، وعندما يتصرف الطفل وفقًا لإرادة شخص آخر فإنّ المتعة تنتج عن تأكيد ذلك الشخص الآخر، بينما تعتبر المعارضة مؤلمة لأنّها تنفي رباط المودة.

ينتج عن هذا توتر محسوس مشابه لما يحدث في حالة وجود كائن مرغوب فيه يتعذر الوصول إليه، أي توتر بين المتعة المرتبطة بوجود مقدم الرعاية وألم الوجود دون موافقة ذلك الشخص، والنقطة الأساسية هنا هي أنّ الطفل يميل إلى أن يكون جيدًا (أي يتلاءم مع معايير وتوقعات مقدمي الرعاية) فقط لأنّ عدم القيام بذلك مؤلم، وليس لأنّ الطفل لديه في هذه المرحلة أي هدف يحاول تحقيقه لتحقيقها من خلال كونها جيدة، ولا حتى القدرة على توضيح سبب عملها كما تفعل.

وكما يقول برادلي: “يتعلم الطفل إرادة محتوى عالمي وجيد ويتعلم كيفية التعرف على إرادته معه، بحيث يشعر بالسعادة عندما يشعر بأنّه يتوافق معها أو عدم الارتياح أو الألم عندما تكون إرادته على خلاف ذلك فيشعر أنّه مخالف، وهذه بداية الأخلاق الشخصية “.

عندما ينمو الطفل يتعلم لغة الأخلاق وبالتالي المنظور الأخلاقي المتضمن فيها، وفي هذه العملية يتعلم الطفل معنى المفاهيم المعيارية، وبذلك يتعلم ما تعنيه للآخرين في المجتمع اللغوي المشترك، وبهذه الطريقة يضفي المجتمع الاجتماعي منظورًا أخلاقيًا.

في الواقع يعرّف المجتمع الطفل على مستويين من التفكير الأخلاقي، فهو ينقل قيمًا ومعايير أخلاقية محددة من خلال مؤسساته وممارساته، حيث أنّه يوفر المفاهيم الأخلاقية الضرورية لمهمة تصور طرق لتحسين المجتمع، وبهذه الطريقة يمكن الانتقال إلى المستوى الأكثر شمولية للأخلاق المثالية.

وهذا يعني أنّه هناك عدة مراحل محددة من التطور الأخلاقي المنصوص عليها في علم النفس الأخلاقي لبرادلي، ويمكن تجاهل هذه التفاصيل هنا لأنّ النقطة المهمة التي يجب ملاحظتها هي أنّ برادلي يحاول أن يملأ الحساب النفسي للتطور الأخلاقي الذي يملأ الجزء الأخير من عرضه لنظرية تحقيق الذات من خلال شرح كيفية تحديد المرء لرضا المرء.

الممارسات الأخلاقية وتحقيق الذات لدى برادلي:

“ما تركناه إذن (لاستئنافه) هو هذا، فالغاية هي تحقيق النوايا الحسنة التي تفوق أنفسنا ومرة أخرى تكون النهاية هي تحقيق الذات، وبجمع هذه الأشياء معًا نرى أنّ الغاية هي تحقيق الذات لأنفسنا على أنّها الإرادة التي تعلو أنفسنا.

وهذه الإرادة (إذا كانت الأخلاق موجودة) التي رأيناها يجب أن تكون موضوعية، لأنّها لا تعتمد على الإعجاب الذاتي والعالمي، وذلك لأنّه لا يمكن التعرف عليه مع أي شيء شخصي، ولكنه يقف فوق كل التفاصيل الفعلية والمحتملة، وعلاوة على ذلك على الرغم من أنّ العام والعالمي ليس مجردًا لأنّه ينتمي إلى الجوهر الذي يجب تحقيقه وليس له حقيقية”.

مع إحراز أو تحقيق غايات أخلاقية معينة فمن المهم أيضًا ملاحظة الأدوار التي يعينها للمتعة والألم، ويشير وجود هذه الأشياء في نظريته الأخلاقية إلى أنّ أتباع متعة الأخلاقيين لم يكونوا مخطئين تمامًا بشأن أهميتها، وكان خطأهم هو الاعتقاد بأنّ تعزيز المتعة وتقليل الألم يمثلان الهدف النهائي للنشاط الأخلاقي.

فعلى النقيض من ذلك يجادل برادلي بأنّه من خلال التصرف الأخلاقي فإننا نختار وسنتصرف وفقًا لفكرة الحالة التي تمثل الذات المتفوقة التي يجب تحقيقها، حيث أننا نشعر بالسعادة لفكرة تلك الذات التي حددناها لأننا نشعر بأننا أكدناها بفكرة تحقيقها، ونشعر بالألم من التناقض المحسوس بين هذا وبين أنفسنا الفعلية والألم بسبب فكرة عدم كوننا الذات المتفوقة التي نرغب فيها.

المصدر: BRADLEY’S ACCOUNT OF IDEAL MORALITY: SELF- REALIZATION AND ITS EQUIVOCATIONS ESSAYS ON F.H. BRADLEY¶S ETHICAL IDEALISMBradley’s monist idealism, phil 43904, Jeff Speaks, August 29, 2007. THE PRINCIPLES OF LOGIC, Francis Herbert Bradley, Elibron Classics, LONDON KEGAN PAUL, TRENCH, & CO., I, PATERNOSTER SQUARE 1883.FRANCIS HERBERT BRADLEY APPEARANCE AND REALITY A METAPHYSICAL ESSAYm F. H. BRADLEYm Second Edition (Revised), with an Appendix 1897. "F.H. Bradley’s Objections to the Ontological Proof"


شارك المقالة: