مثالية الذات والنفعية في منظور فلسفة برادلي

اقرأ في هذا المقال


إنّ الاختيار الإرادي له ميزة معيارية مضمنة في شكل فكرة عن دولة أو ذات أفضل، ولكن إدراك الذات يعني أكثر من هذا بالنسبة للنظرية الأخلاقية لأنّه يُزعم أنّه يمثل الهدف النهائي الشامل للفعل الأخلاقي والذي يستلزم فكرة ما عن الذات المثالية الكاملة التي يتم استهدافها وهذا يثير مشكلة معرفية.

مثالية الذات ونقد برادلي للنظرية النفعية:

في الحالات الفردية مثل المدمن الذي يفكّر في وضعه قد يكون لديه فكرة عن كيفية تغييره من خلال ملاحظة الآخرين أو التفكير في كيف كان قبل أن يصبح مدمنًا، ولكن كيف يمكن لأي شخص أن يعرف ما هي الذات المثالية والذات المتفوقة التي ليست أفضل فحسب بل هو ممتاز؟

والإجابة عن هذا أمر بالغ الأهمية إذا كانت النظرية الأخلاقية لبرادلي لا تقع ضحية للنقد الذي وجهه لأطروحة جون ستيوارت ميل حول صفات الملذات، ووجه فرانسيس هربرت برادلي وابلًا من الانتقادات ضد أي نظرية نفعية أو غير ذلك، وتقترح تعظيم المتعة كهدف أخلاقي نهائي.

كان الاعتراض المركزي هو أنّه نظرًا لأنّ الملذات هي سلسلة هالكة، ومع رحيل كل واحدة وبمجرد تجربتها فلا يمكن تجميع مجموع من الملذات وبما أنّه توجد دائمًا أكثر من الملذات التي جربها أي شخص، فإنّ ميل كان هدفه الأخلاقي تعظيم الحالات الممتعة بلا معنى.

لكن تقديم فكرة الأنواع المختلفة نوعيًا من الملذات التي يمكن تصنيفها يشير إلى أنّه ربما يمكن للمتعة بعد كل شيء التعبير بنجاح عن الذات التي يجب أن نستهدفها، وربما تكون أفضل الذات – الذات الأخلاقية المثالية – وهي تلك التي تسعى إلى أعلى أنواع المتعة.

في تقييم هذا برادلي يؤكد الطبيعة النسبية والمقارنة لمصطلحات مثل (أعلى) و (أقل)، وتدعونا المصطلحات المتناقضة مثل (الرئيس) و (المرؤوس) للتساؤل فيما يتعلق بما هو أسمى من (B) أو أعلى منه؟ ويصر برادلي على أنّه إذا قلت إنّ سالي متفوقة على جوان فإنّه يجب أولاً مقارنتها من حيث بعض الخصائص التي يتشاركانها، فعلى سبيل المثال كلاهما جميلان، وثانيًا أضعهما على مقياس وهو ما تم تصوره من حيث اثنين من النهايات المحددة.

ربما يمكننا أن نرى النقطة هنا من خلال تخيل ما يحدث عندما بعد أن قلت إنّ سالي متفوقة على جوان، بحيث يُطلب منا بعد ذلك ترتيب ماري مثلًا، وإذا تم الحكم على ماري بأنّها متفوقة في الجمال على كليهما فعندئذ يتم وضعها بين سالي وشخص في أعلى المقياس.

فلسفة ميل في مقياس الملذات:

فشل تفسير ميل عن الملذات الفائقة لأنّه لم يشرح أبدًا ما هو المقياس الذي يتم استخدامه، وبالتالي لا يشرح أبدًا ما هو (أعلى) أنواع المتعة، وما إذا كان هذا النقد ينجو من التدقيق لا يهم كثيرًا بقدر ما يتعلق الأمر بمصير مذهب المتعة، لأنّ هجوم برادلي على مذهب المتعة النوعي لا يقل عن كونه شاملًا ويعتقد أنّه لا توجد حالة مقنعة يمكن لميل أن يدعمها.

على سبيل المثال لا يستطيع قضاة ميل المختصون القول إنّ هذا الترتيب يبدو صحيحًا لأنّ هذا يعني الاعتراف بأنّ الحديث عن الترتيب لا معنى له نظرًا لأنّه يمكن للمرء أن يصنفهم بشكل مختلف.

ولا يمكن إجراء الترتيب من حيث جمال ماري لأنّ هذه هي الجودة التي تجعل ماري مرشحًا لوضعها على المقياس في المقام الأول، حيث الأمر الذي دفع برادلي إلى الاعتقاد كما فعل معظم منتقدي ميل أنّه ما لم يكن العمل برمته هراءً حقًا فلا بدّ من وجود معيار آخر بخلاف استخدام المتعة وبالتالي تخلى ميل عن مذهب المتعة.

هذه الحجج وبعض الحجج الأخرى مستقلة عن قضية معرفة الحد الأعلى لمقياس الملذات وهذه المسألة مهمة، ومع ذلك لأنّها تمثل مشكلة يجب أن تواجهها نظرية برادلي في تحقيق الذات أيضًا، أي الحديث لشخص أخلاقي متفوق أو أفضل أو أكثر كمالًا وذلك يتطلب شرح الحد الأعلى للمقياس الذي تستخدمه هذه التقييمات.

يبدو هذا مطلبًا معقولًا حتى بغض النظر عن مسألة ما إذا كان الحكم على شيء ما ليكون أفضل من شيء آخر يستلزم معرفة ما هو الأفضل، فإنّ أطروحة برادلي لا تقتصر على محاولة أن نصبح أفضل مع كل خيار وفعل ولكننا نريد ذلك أن تكون أفضل ما يمكن أن تكون وكلاء أخلاقيين مثاليين.

لحسن الحظ لدى برادلي إجابة في المقطع من الدراسات الأخلاقية حيث قال برادلي إنّه في محاولاتنا النظرية لفهم العالم نريد أن نجعل مجموعة معتقداتنا التجريبية متماسكة وبما أننا نفترض كفرضية عمل أنّ العالم الخارجي منهجي، فإنّ هذا التناقض في معتقداتنا تشير إلى أننا لم نتوصل بعد إلى التماسك والاتساق المطلوبين، وهذا بالإضافة إلى ذلك يجب أن تتضمن مجموعة معتقداتنا التجريبية جميع الحقائق ويجب أن تكون شاملة.

يدعي برادلي أنّ هدفًا مشابهًا ينطبق على العوامل المتعمدة، ونحن نتطلع إلى إنتاج الذات التي تكون كلًا عضويًا يرتبط فيه الجميع بجعلها نظامًا وليس مجرد مجموعة من الأفعال والخصائص العشوائية، ومع ذلك يجب أن تسعى أيضًا إلى أن تكون كل ما يمكن أن تصبح عليه بدلاً من أن تعيش حياة المحار، فهذان الجانبان يسميهما (التجانس و الخصوصية) على التوالي، ويبدو أنّهما متوازيان أي متماسكان وشاملان عند تطبيقهما على مجموعة من المعتقدات.

برادلي والأدلة التجريبية:

ولإظهار أننا نهدف إلى أن نكون كاملين يقدم برادلي أولاً بعض الأدلة التجريبية حيث إلى الحد الذي ينظر فيه الناس إلى عواقب أفعالهم فإنّهم يظهرون أنّهم لا يرون أفعالهم منفصلة عن الأشياء الأخرى التي فعلوها وربما يفعلونها ويخضعون بعض الغايات لأهداف أوسع، أي أنّ الأشخاص العاديين لا يظهرون درجة من الحكمة في اتخاذ الخيارات فحسب بل يدركون أيضًا أنّ قيمة بعض الإجراءات هي أنّها وسيلة لتحقيق أهداف أكثر أهمية.

في الواقع يدعي أنّ معظم الناس يتصرفون مع بعض بالمثل الأعلى للحياة أو فكرة ما عما يجعلهم سعداء تمامًا، ومهما كان التعبير عنها غامضًا وهذا يأمر حياتهم ويحكم خياراتهم وأفعالهم، وباختصار تعتبر الحياة الطبيعية للبالغين الناضجين منهجية نسبيًا على الأقل.

فلسفة برادلي في مفهوم إرادة الوقوف:

علاوة على ذلك إذا اعتاد الشخص على التصرف بطرق معينة وطور نزعة للتصرف على هذا النحو وهكذا، فإنّ أفعاله ستميل إلى أن تكون متسقة نسبيًا، وهذا النوع من الأشخاص لديه ما يسميه برادلي إرادة الوقوف وهو يفسر سبب قدرة أولئك الذين يعرفون شخصًا جيدًا على التنبؤ بما سيفعله هذا الشخص بدرجة كبيرة من اليقين ولماذا يشعر هذا الشخص بالسعادة لأنّ الآخرين يعرفون أنّه يمكن الاعتماد عليهم التصرف بشكل مناسب.

وبعبارة أخرى هناك بنية لأفعالها توحي بحياتها الداخلية (رغباتها وميولها وقيمها وما إلى ذلك) موحدة، وإنّها مثل كائن حي من حيث أنّ كل هذه الميزات تعمل معًا كوحدة واحدة.

تحقيق الذات في فلسفة برادلي:

متجاوزًا الأدلة التجريبية يدعي برادلي أنّه في الفعل الإرادي الذات ككل هي في النهاية محتوى إرادتنا، وبعبارة أخرى في تحقيق الذات فإنّ الكائن المثالي الذي ستحدد به الذات رضاها النهائي هو الكل، وهناك نوعان من التعبير عن فكرة (الذات الكاملة).

في البداية لاحظ برادلي أننا نجد أنّه من الطبيعي أن نتحدث عن شخص يرغب في هذا أو ذاك، وغالبًا ما نتحدث عن إرادة شخص ما كما هو الحال في إرادتها للعيش، ويكشف هذا عن جانبين من جوانب الإرادة، فالشخص الفرد الذي يتداول ويختار مسار العمل، فإنّه أولاً عندما تريد سالي شيئًا ما فهناك عملية معينة تحدث حيث تتداول سالي، وتواجه بعض الرغبات أو الميول تجاه شيء أو آخر وتنتهي في النهاية بفعلها كذا وكذا.

المصدر: FRANCIS HERBERT BRADLEYBradley’s monist idealism, phil 43904, Jeff Speaks, August 29, 2007. THE PRINCIPLES OF LOGIC, Francis Herbert Bradley, Elibron Classics, LONDON KEGAN PAUL, TRENCH, & CO., I, PATERNOSTER SQUARE 1883. APPEARANCE AND REALITY A METAPHYSICAL ESSAYm F. H. BRADLEYm Second Edition (Revised), with an Appendix 1897."F.H. Bradley’s Objections to the Ontological Proof"Francis Herbert Bradley’s Moral and Political Philosophy


شارك المقالة: