الفيلسوف بهارتريهاري والفلاسفة الأوائل

اقرأ في هذا المقال


يمكن اعتبار بهارتريهاري (Bhartrihari) أحد أكثر فلاسفةاللغة والدين الأصليين في الهند القديمة، ويُعرف في المقام الأول باسم النحوي ولكن أعماله لها أهمية فلسفية كبيرة خاصة فيما يتعلق بالصلات التي يفترضونها بين القواعد والمنطق وعلم الدلالات والأنطولوجيا.

منظور عام لفلسفة بهارتريهاري:

يمكن وصف فكره بأنّه جزء من مدرسة الفكر (shabdadvaita) (كلمة أحادية)، والتي تؤكد أنّ الإدراك واللغة في المستوى النهائي هما مفاهيم متطابقة وجوديًا تشير إلى حقيقة عليا واحدة وهي براهمان، حيث يفسر بهارتريهاري فكرة الكلمة الأصلية الشبدة (shabda) على أنّها تتجاوز حدود اللغة المنطوقة والمكتوبة والمعنى، كما تُفهم على أنّها شبدا تاتفا (shabda tattva) بـ (مبدأ الكلمة)، بحيث تشرح هذه الفكرة المعقدة طبيعة الوعي وإدراك جميع أشكال المظاهر الظاهراتية، وتفترض وجود هوية يتم الحصول عليها بينها والتي ليست سوى براهمان.

وبالتالي فإنّ اللغة كمبدأ وجودي في الأساس هي التي تفسر كيفية قدرتنا على تصور وإيصال وعي الأشياء، ويفترض المفهوم الميتافيزيقي للشبدا براهمان وحدة كل الوجود كأساس لجميع الظواهر الفردية المحددة لغويًا.

حياة وأعمال بهارتريهاري:

كانت أعمال الفيلسوف بهارتريهاري معروفة على نطاق واسع لدرجة أنّ الرحالة الصيني يجينغ (Yijing) أو أي تشينج (I-Tsing) الذي ولد في عام 635 وتوفي في عام 713 ميلادي، ذكر الفيلسوف النحوي ظنًا أنّه بوذي، ولسوء الحظ لا نعرف الكثير عن تاريخه الشخصي وأعماله لا تلقي الكثير من الضوء على الأمر.

وهناك بعض الروايات التي تشير إلى خلفيته ولكن لا تدعمها البيانات التاريخية، ففي هذه الروايات المشكوك فيها إلى حد ما يُقال إنّه ممزق وجوديًا بين نوعين من الحياة وهما:

1- طريق المتعة.

2- طريق اليوغي الرهباني.

وعلى الرغم من اعتقاده أنّه يجب أن يتخلى عن عالم الملذات المادية (الذي ينعكس في الشعر المنسوب إليه من قبل العلماء)، فقد تطلب الأمر محاولات عديدة لتحقيق حياة الهدوء في النهاية، وقد دفعته مذهب المتعة والفطنة الفلسفية وفقًا لأسطورته إلى إنتاج أعمال كبيرة الاتساع والعمق والجمال.

ينسب بهارتريهاري بعض النظريات في عمله ويكيبيديا (Vâkyapadîya) إلى معلمه الذي ربما كان أحد معاصري سوندريا وفاسوراتا، ولنكون أكثر دقة يقترح الباحث الشهير تيروباتور راماسشاير فينكاتاشالا مورتي (T.R.V. Murti) التسلسل الزمني التالي: فاسوراتا يليه بهارتريهاري الذي ولد في عام 450 وتوفي في عام 510 ميلادي ودينيجا (Dignâga) الذي ولد في عام 480 وتوفي في عام 540 ميلادي.

الأعمال الرئيسية المنسوبة إلى بهارتريهاري:

1- أطروحته الفلسفية الرئيسية ويكيبيديا (Vâkyapadîya) (في الجمل والكلمات) كانداس (kândas) الأول والثاني والثالث.

2- محبة (Mahâbhâshyatîkâ) وهو عمل فلسفي جاء كتعليق على محبة باتنجالي (Mahâbhâshya of Patanjali).

3- فاكيابادريتي (Vâkyapadîyavrtti)، وهو تعليق على (Vâkyapadyavrtti) وشابداهاتسوميكشا (shabdadhâtusamîksha).

منذ عام 1884 تم تحرير ونشر (Vâkyapadîya) التي تحتوي على ما يقرب من 635 آية ونشرها عدة مرات بالترجمة الإنجليزية.

يناقش الفصلان الأولان من (Vâkyapadîya) طبيعة الخلق وعلاقة البراهمان والعالم واللغة والروح الفردية جيفا (jîva) وإظهار وفهم معاني الكلمات والجمل، بالإضافة إلى ذلك فإنّ الأعمال الأدبية التي ينسبها البعض إلى بهارتريهاري (غير المذكورة هنا) قد أثرت على الحركات التعبدية الهندوسية المتنامية بهاكتي (bhakti)، والأهم من ذلك تم الاعتراف بعمله الفلسفي ومعالجته من قبل مدارس التفسير الهندوسي للكتاب المقدس:

1- ميمامسا (Mîmâmsâ)، وتعني في اللغة السنسكريتية انعكاس أو تحقيق نقدي، وهو أحد الأنظمة الستة (دارشان) للفلسفة الهندية، وتعتبر ميمامسا التي ربما تكون أقدم الأنظمة الستة أساسية لفيدانتا وهي نظام آخر من الأنظمة الستة، وقد أثرت بعمق في صياغة القانون الهندوسي.

2- (Vedânta) أي الفيدية الصوفية، والفيدانتا أحد الأنظمة الستة (دارشانس) للفلسفة الهندية، ومصطلح فيدانتا يعني في اللغة السنسكريتية الاستنتاج (anta) من الفيدا، وهي أقدم الأدب المقدس للهند، حيث إنّه ينطبق على الأوبنشاد التي كانت تطورات من الفيدا، وعلى المدرسة التي نشأت من دراسة (ميمامسا) للأوبنشاد، وهكذا يشار إلى فيدانتا أيضًا باسم فيدانتا ميمامسا (انعكاس في فيدانتا)، وأوتارا ميمامسا (انعكاس في الجزء الأخير من الفيدا)، وبراهما ميمامسا (انعكاس في براهمان).

3- البوذية.

النحويون الأوائل وعلم المعاني الفلسفي:

في الهند القديمة رأى النحويون أنّ مهمتهم هي إرساء أسس الفيدا، ولكن عملهم غالبًا ما أدى إلى تطوير أنظمتهم الفلسفية الخاصة، فيشرح باتانجالي في كتابه محبة (Mahâbhâshya) أنّ دراسة القواعد (vyâkaranam) كانت تهدف إلى الحفاظ على حقيقة الفيدا، ولتوجيه استخدام الكلام الفيدى في سياقات الطقوس، والمساعدة في التفسيرات الواضحة لخطاب الإنسان الفردي.

كان كل من بانيني وباتانجالي وهما اثنان من كبار نحوي سانكسريت وأول من قدم تحليلًا منهجيًا ورسميًا للأسس النحوية لجميع المعاني المقصودة، فقد طور بانيني في القرن السابع قبل الميلاد (Ashtâdhyây) (ثمانية فصول) للنحاة، كما يحتوي هذا العمل المثير للإعجاب على تحليل شامل لقواعد اللغة السنسكريتية وصولاً إلى مكوناتها الاسمية واللفظية، ويحتوي على علم اللغة وينطبق على الفيدا، ويتألف أيضًا من مجموعات من القواعد التشغيلية والقواعد الوصفية التي تفسر الأول.

من بين هذه قواعد التفسير للنصوص الفيدية نعطي قواعد عالمية، ونهج بانيني ليس مثل (Mîmâmsâ) الذي يركز على دراسة اللغة الفيدية، وبدلاً من ذلك يتعامل بانيني مع اللغات المنطوقة والفيدية كما لو كانت من نفس النوع.

يقال إنّ (Ashtâdhyây) لبانيني وتعليقاته ويكيبيديا (Vâkyapadîya) من بهارتريهاري تشكل النصوص الأساسية لمدرسة قواعد بانيني والتي كان موضوع دراستها في النهاية الفيدية، وحوالي عام 150 قبل الميلاد كتب باتانجالي محبة (Mahâbhâshya) وهو تفسير لبعض قواعد بانيني المكتوبة في شكل حوار وهذا العمل هو الأساس للتعليقات اللاحقة على القواعد والفلسفة.

من المهم أن نلاحظ هنا أنّ (Dharmashâstras) أو أطروحات حول القانون بما في ذلك قوانين مانو المعروفة تم تأليفها بين عام 322 وعام 183 قبل الميلاد، ويشير جيتندرا ناث موهانتي إلى أنّ هذه الأطروحات يمكن اعتبارها محاولات من جانب البراهمية الأرثوذكسية للحفاظ على نفسها ضد الفلسفات المعادية للفيدية، ومع ذلك فهو يعتبر أنّ قواعد بانيني وتعليقات باتانجالي لها وزن أكبر في التقاليد الفلسفية الهندية.

مع (Vâkyapadîya) ينقل بهارتريهاري التحليل النحوي بشكل مباشر إلى عالم الفلسفة، بحجة أنّ القواعد يمكن اعتبارها دارشانا (وجهة نظر) أو مدرسة فلسفية رسمية توفر منظورًا وبصيرة للواقع النهائي، كما توضح الآية الأولى وجهة النظر الأساسية لمدرسته الجديدة: “إنّ البراهمان ليس له بداية ونهاية، وجوهره هو الكلمة، والذي هو سبب الأصوات الظاهرة والذي يظهر كأشياء ومنه ينطلق خلق العالم”.

كما إنّ مشروع (Vâkyapadîya) لتفسير هذه الآية بكل ما تحتويه من آثار فلسفية ولغوية وميتافيزيقية، وفي الأساس نضع سياق بحث بهارتريهاري الفلسفي في اللغة على أنّه مشروط بالثقافة الهندية والتقاليد الكتابية، حيث كان لهذا النوع من السعي الفكري غرض خلاصي، أي تحقيق المعرفة المطلقة والتحرر الروحي الذي يترتب على ذلك، وبالتالي فهو انعكاس وجودي مميز للغة أضافه بهارتريهاري إلى فكر النحاة الأوائل.

المصدر: Bhartrihari (c. 450—510 C.E.)BhartrihariBhartrihari. The Vâkyapadîya, Critical texts of Cantos I and II with English Translation. Trans. K. Pillai. Delhi: Motilal Banarsidass, 1971.Coward, Harold G., and K. Kunjunni Raja, eds. The Philosophy of the Grammarians (Volume V of Encyclopedia of Indian Philosophies, ed. Karl Potter). Princeton: Princeton University Press, 1990.Herzberger, Radhika. Bhartrihari and the Buddhists. Dordrecht: D. Reidel/Kluwer Academic Publishers, 1986.


شارك المقالة: