القصة العربية نشأتها وتطورها

اقرأ في هذا المقال


القصّة عند العرب لها تاريخ عريق، فالأمثال عندهم ما هي إلّا قصص في صورة محكمة، وكذلك القصص التّاريخية من أيام العرب وبطولاتهم، فإذا أطلنا التّأمل في جذور الفن القصصي في الأدب العربي القديم، لوجدنا الشواهد الكثيرة في قصص القرآن الكريم، والعرب في أيّام الجاهلية عرفوا أحد ألوان القصّة في بعض حكايات الأساطير الخرافية وقصص أيامهم، والتي مجّدت بطولات بعض الأفراد، غير أنّ القصّة العربية في صورتها الجديدة من الفنون الأدبية النّثرية الحديثة التي عرفها العرب في هذا العصر.

أصل القصة القصيرة عند العرب:

كانت بداية النهضة في الأدب العربي بعد أن غزا نابليون بونابارت مصر عام 1798، ويُعتبر  غزوه هذا نقطة انطلاق لاتصال العرب بالثقافة الغربية، وقد تأثروا بالآدب الأجنبية، إذ توجّهت البعثات التعليمية إلى أوروبا، والتي رافقها الكثير من أدباء العرب الذين عكفوا على دراسة الآداب الغربية، واطلّعوا على نوع من الأجناس الأدبية التي لا توجد عندهم، وقد لقيت عندهم القبول والرّواج.

وجد الأدباء العرب في أوروبا أنواع القصّة الحديثة القصيرة، فافتتنوا بها، وشرعوا ينقلون بعضها إلى اللغة العربية، واتّجهت جماعة من الأدباء والكتاب إلى التّرجمة والتعريب وعلى رأسهم رفاعة الطّهطاوي رائد النهضة الأدبية الحديثة، وحافظ إبراهيم، والمنفلوطي الذي نشر “النظرات” في ثلاث مجلدات، و”العبرات” بما فيها قصص مؤلفة ومترجمة منها “ماجدولين” و”الفضيلة” و “الشّاعر” و “في سبيل التّاج”، ثمّ أتى يعقوب صروف الذي ترجم “قلب الأسد” عن الترا سكوت، وكذلك نجيب حداد الذي نقل “الفرسان الثلاثة” عن إسكندر دوماس، وأحمد حسن الزّيات الذي ترجم “آلام فرتر” عن غوته، ومنهم محمد السباعي الذي ترجم “قصة مدينتين” لتشارلز ديكنز، وقد ترجم كذلك عددًا كبيرًا من القصص القصيرة من الآداب الغربية، قام يوسف السباعي كذلك بنشر معظم هذه القصص المترجمة في مجموعة له بعنوان: “مئة قصة”.

مراحل تطور القصة العربية:

بدأت القصّة العربيّة بتأثير مباشر من الغرب، وكان تأثيرها هذا عبر التّرجمة، أو عبر القراءة في الّلغة الأصلية للأدب الغربيّ، وقد بدأ المؤلّفون العرب بنقل بعض القصص القصيرة إلى العربيّة من الأدب الأوروبيّ، وقاموا بنشرها في المجلات العربيّة، وقد مرّت القصّة العربية الحديثة في نشأتها بمرحلتين، المرحلة الأولى هي مرحلة التّرجمة، والمرحلة الثّانية هي مرحلة الإبداع والتّأليف:

  • مرحلة التّرجمة: بالحديث عن التّرجمة، فإنّ القصّة بمعناها الذي نعرفه لم تكن معروفة في الأدب العربيّ إلّا عبر الصّحافة كأداة اتّصال جماهيرية أصيلة، فمن الثّابت في التّاريخ الصّحفيّ أنّ القصّة التي اتّصل بها الشرق العربي، كانت في بدايتها مترجمة، ليست مؤلّفة، والقصّة القصيرة المؤلّفة، والتي جاءت متأخّرة نوعًا ما، لم تحلّ مكان القصّة المترجمة في الصّحف والمجلات، فبقيتا معاً تشغلان حيّزًا لا بأس به.

برز عدد من الكُتّاب المصريين واللبنانيين الذين لم يتمكّنوا من ترجمة القصّة الغربية على نحو لم تكتمل فيه عناصر التّرجمة الفنية، فهم اهتموا بشكل كبير بلغة التّرجمة أكثر من أسلوبها أمثال رفاعة الطّهطاوي، والذي ترجم قصة المغامرات تليكاك لفنلون، وسمّاها: “وقائع الأفلاك في حوادث تليماك”، فالطّهطاوي قد نقل هذه القصّة في أسلوب السّجع والبديع المعروف في المقامات، وهو كذلك ما التزم بالأصل المترجم إلّا في روحه العامّة، وكما أنّه قد تصرف في أسماء الأعلام، وفي المعاني وأدخل فيها آراءه في التربية، وفي نظام الحكم، كما ضمّنها الأمثال الشعبية والحكم العربية، فلم يكن رفاعة مترجمًا، بل كان ممصِّراً للقصة.

فيما بعد شهدت حركة التّرجمة طورًا جديدًا، إذ إنّها مالت إلى الدقة والأمانة والتزمت بالأصل، فلم يجرِ فيها أيّ تغيير، ثمّ لمّا نضج الوعي الأدبيّ وارتفع المستوى الثّقافي للقرّاء، وزاد الاحتكاك بالغرب، ودخل إلى ميدان التّرجمة الجامعيون، أمثال: طه حسين، وعبد الرحمن بدوي، ومحمد عويض، وما لبثت القصة أن قطعت أشواطًا أخرى نحو الكمال، وذلك عندما بدأت مرحلة التّعريب والتّمصير.

  • مرحلة الاقتباس: بدأت هذه المرحلة في منتصـف القـرن التاسـع عشـر، ولهذا يجـد الباحث محـاولات مختلفة، البعض منها مقتبس من التّراث القصصيّ العربيّ ممثلًا في المقامة، حيث نجد هناك بعـض الأدبـاء يحـاولـون إحيـاء هـذا الفـن وتوظيفه في خدمة أهداف إصلاحيـة كما إبراهيـم اليـازجي، ومحمد المويـلحي، ولجأ أدبـاء آخرون إلى اقتباس أنواع من القصص في الأدب الغربـي، إمّا عن طريـق التّعريب كما فعل البستاني والمنفلوطي وحافظ إبراهيم وغيرهم، أو عبر الترجمـة الدقيقـة كمـا فعـل الكثير مـــن الأدباء في فترة لاحقة حين بدأ هذا اللون بالشيوع، ويعرف إقبالا متزايدا من القراء ، فبرز عدد من المؤلفين الذين عكفوا على ترجمة ألوان من القصّة الغربية، مثل: إبراهيم عبد القادر المازني، وأحمـد حسن الزياتن ومحمد عوض وغيرهم كثيرون.

كان لمرحلـة الاقتباس دور كبيـر تمثـّل في أن يُنتج كمًّا هائلًا من النّمـاذج القصصيـة المقتبسـة مـن الأدب الغربيّ، سواء في شكله المعرّب أو في شكله المترجـم فـي الوقـت الـذي اختـفـت المحـاولات التـي قـام بهـا البعض في تطوير أشكال من القصص العربي القديم وخاصة فن المقامة.

  • مرحلة الإبداع: أمّا هذه المرحلة فتتجلّى  وتبرز في انتقال الكتّاب العرب من الاقتباس والتّرجمة إلى الكتابة والتأليف، والمرحلة هذه جاءت فرضًا من الضّرورات الجديدة للمجتمع وتطوره ومواجهته للاستعمار الغربيّ، وقد بدأت هذه المرحلة بتأليف نوع معين من القصّة والرّواية، ألا وهي الرّواية التّاريخية، ومن غير الممكن الفصل بشكل مطلق مرحلة الإبداع عن سابقتها، وتُعدّ هذه الحقبة تتويجًا للأمور المكتسبة والتي تحقّقت في المرحلة السّابقة، وتطوير لها، وقد بقي تأثير القصص الغربـيّ واضحًا في اللون التّاريخي للقصة العربية.

المصدر: فن كتابة القصة،فؤاد قنديل،1996فن القصة القصيرة، رشدي رشاد،2000جماليات اللغة في القصة القصيرة،رضا السعيد،2006القصة القصيرة،إيان رايد،2017


شارك المقالة: