جون أندرسون والفلسفة الواقعية المنهجية

اقرأ في هذا المقال


الميزة الأكثر تميزًا لفلسفة جون أندرسون هي أنّها كانت فلسفة منهجية في قرن سيطر عليه المنهج التحليلي في الفلسفة الأنجلوسكسونية، وكان بناء النظام من النوع الذي انخرط فيه أندرسون موضع استياء من قبل الفلاسفة التحليليين سواء كان ذلك من حيث التنوع المفاهيمي أو اللغوي، وفي المقابل كان الفلاسفة القاريون في ذلك الوقت أكثر سهولة مع الفلسفة المنهجية على الرغم من أنّ التوجه الفينومينولوجي والوجودي لتلك الفلسفة لم يتناسب بسهولة مع المفهوم العلمي لأندرسون للفلسفة.

الواقعية المنهجية المبكرة للأعوام 1926-1937:

في وقت مبكر من عام 1922 كان أندرسون يصف فلسفته المنهجية بأنّها نظرية موحدة لعلوم المنطق والأخلاق وعلم الجمال، وهذا التوصيف لفلسفته هو الذي حافظ عليه حتى الثلاثينيات، وبالنسبة لأندرسون لتأكيد أنّ المنطق أو الأخلاق أو الجماليات كانت علومًا كان التأكيد على أنّها مواد محددة يمكن دراستها وأنّ طريقة دراستها كانت موضوعية مثل أي علم آخر.

الميتافيزيقيا الواقعية:

في مقال مبكر بعنوان (الواقعية وبعض منتقديها) أوضح أندرسون أنّ المنطق الذي يعتقد أنّ نظامه الميتافيزيقي العام يتبعه، وقد جادل بأنّ الواقعية تظهر أولاً كنظرية معرفية قائمة على عقيدة العلاقات الخارجية، وثانيًا يبدو أنّه علم الوجود والذي وصفه بأنّه تجريبي ولكن يتم وصفه بشكل أكثر ملاءمة كنظرية المواقف أو الوجود المكاني الزماني، وأخيرًا يبدو كمنطق وصفه بالوضعي بمعنى أنّه ليس الوضعية المنطقية الشائعة خلال الثلاثينيات ولكن النظرة الأكثر عمومية بأنّ المنطق هو موضوع إيجابي وليس موضوعًا نسبيًا.

نظرية المعرفة الواقعية:

أشارت الواقعية في القرن العشرين كما أوضحها الفيلسوفان مور ورسل وآخرون إلى نظرية المعرفة للمعرفة المباشرة أو غير المباشرة (التمثيلية)، وبالنسبة لأندرسون كان هذا التمييز خاطئًا بحيث يمكن للواقعية أن تكون مجرد نظرية معرفية للمعرفة المباشرة للموضوع، وكانت نظرية المعرفة الواقعية لأندرسون هي وجهة النظر القائلة بأنّه في أي علاقة معرفية هناك ثلاثة أجزاء متميزة وهي:

1- موضوع المعرفة أو (العارف) (–er).

2- كائن معرفي أو (معروف) (–ed).

3- علاقة المعرفة نفسها بالمعرفة.

في التحليل الواقعي كان لمثل هذه العلاقة الشكل المنطقي (S / r / O)، وعلاوة على ذلك كان كل جزء من العلاقة -S ، r ، O أو -er ، -ing ، -ed- متميزًا عن الآخر ولا يمكن اختزاله إلى أي جزء آخر، وفي هذا الحساب يجب أن تكون علاقة المعرفة بين الذات والموضوع فورية ومباشرة، وعلاوة على ذلك بعد الواقعيين الأمريكيين الجدد جادل أندرسون بأنّ المنطق الكامن وراء نظرية المعرفة هذه كان عقيدة العلاقات الخارجية، بمعنى في أي علاقة (a/R/b) توجد شروط العلاقة (a) و (b) بشكل مستقل عن بعضها البعض وعن العلاقة (R) بينهما.

من وجهة نظر أندرسون محاولة تحديد العلاقات التي تربط الشيء بالأشياء نفسها هي ارتكاب خطأ النسبية، ووفقًا لوجهة النظر هذه فإنّ أي محاولة لتحديد أو تقليل علاقة المعرفة بالموضوع هي جعل معرفة أي منهما مستحيلة لأنّها تفشل في الحفاظ على تمييز الأجزاء المختلفة لعلاقة المعرفة، وهناك تداعيات أخرى لوجهة النظر هذه بالنسبة لأندرسون وهو أنّ صفات الموضوع أو الكائن لا يمكن تشكيلها من خلال العلاقات التي تربطه به.

إذن هناك تمييز مطلق بين الصفات والعلاقات، ومرة أخرى محاولة تحديد أو تقليل الصفات التي يمتلكها شيء ما مع العلاقات التي يمتلكها هو ارتكاب خطأ النسبية، وهذا النقد للنسبية هو الأسلوب الأكثر شيوعًا المستخدم في عرض الفلسفة الواقعية المنهجية لأندرسون.

هذا الاستنتاج -أنّ الشيء أو صفاته لا يمكن تشكيلها من خلال العلاقات التي لديه- كان له العديد من الآثار المثيرة للاهتمام على فلسفة أندرسون للعقل حيث أولاً من حيث نظريته المعرفية فإنّه يشير ضمنيًا إلى أنّ الوعي -يُفهم على أنّه صفة للعقل وعلاقة يمتلكها العقل– لا يمكن أن توجد، وباختصار لا يوجد شيء مثل الوعي، وعلاوة على ذلك بما أنّ الوعي هو علاقة فإنّ ما هو واعٍ يجب أن يكون نوعًا آخر من صفة العقل، وبما أنّ الإرادة أو الرغبة هي أيضًا علاقة فلا يمكن أن تكون صفة العقل المطلوبة.

بالنسبة لأندرسون الصفة الوحيدة الممكنة للعقل التي يمكن أن تكون مدركة أو واعية للأشياء من حولها يجب أن تكون العاطفة أو الشعور أو التأثير، والعواطف هي التي تعرف والعواطف هي التي تعمل، وهذه هي نظرية أندرسون عن (العقل كشعور)، ويبدو أنّ هذا الرأي يتوافق مع حقيقتين مهمتين على الأقل نعرفهما عن العقل من نظرية التحليل النفسي الفرويدية وهي:

1- أولاً أنّ العقل أثناء فاقد الوعي أي نائمًا ويمكن أن يكون نشطًا على سبيل المثال يحلم.

2- ثانيًا أنّه بينما يكون العقل واعيًا يمكن أن تكون هناك مشاعر متضاربة تعمل في نفس الوقت وهذا يمكن أن يفسر سمات ذهنية مثل زلات اللسان، فعاطفة واحدة واعية في الرغبة في قول شيء ما، ولكن عاطفة أخرى تقول في الواقع ما هو يحتاج الى، وفي حين أنّ هذه النظرية تبدو موحية تمامًا كنظرية واقعية للعقل، فمن المؤسف أنّ أندرسون لم يطور أبدًا نظرية مفصلة عن المشاعر التي تشكل العقل وكيف تعمل.

علم الوجود التجريبي:

وصف أندرسون بعد الإسكندر نظريته الأنطولوجية للوجود بأنّها التجريبية على الرغم من أنّه من الواضح تمامًا أنّ هذا ليس موقف التجريبيين البريطانيين وهي نظرية اعتبرها مثالية، وكان فهمه الخاص للتجريبية هو نظرية المواقف أو الأحداث، حيث يكون الموقف حدثًا في الزمان-المكان، وعلى هذا النحو، يتميز بفئات مختلفة من الوجود.

وقد جادل أندرسون بأنّ هناك ثلاث مذاهب مهمة مرتبطة بالتجربة وهي:

1- التعددية.

2- الحتمية.

3- الموضوعية.

تعددية أندرسون هي: وجهة النظر القائلة بأنّ أي شيء هو خاص وعالمي في نفس الوقت، أي أنّ أي شيء هو كوني يتكون من أشياء مختلفة تشكله معًا وهو جزء خاص وبالتالي جزء من شيء أكبر منه، وبعبارة أخرى لا توجد مسلمات مطلقة أو نقية ولا تفاصيل مطلقة أو خالصة، وهذا هو أساس نظرية أندرسون عن التعقيد اللامتناهي حيث لا يوجد ذرة غير قابلة للتجزئة تصنع منها كل الأشياء، ولا توجد كلية غير قابلة للنقاش -لا كون- لا يوجد شيء خارجه، ومن ثم ميّز أندرسون موقفه من نظريات الوحدانية والذرية التي تُفهم على أنّها نظريات عن الكليات المنطقية والبسيطات المنطقية.

حتمية أندرسون هي: وجهة النظر القائلة بأنّ كل شيء يحدث، ونظرًا لأنّ كل شيء هو حدث في الزمان-المكان فإنّ كل شيء سيكون له علاقات سببية تعمل عليه، وعلاقات سببية تعمل على أشياء أخرى، وومن ثم عارض أندرسون أي نظرية عن اللاحتمية ورفض فكرة الإرادة الحرة كشيء خارج عالم السببية الزمانية المكانية.

موضوعية أندرسون هي: وجهة النظر القائلة بأنّ أي موضوع يجب أن يكون أيضًا كائنًا، أي أنّه رفض عقيدة الذاتية، وأنّ هناك أشياء ذاتية غير قابلة للاختزال، ومن وجهة نظر العقل فإنّ (الذاتية) المزعومة للعقل موضوعية مثل أي شيء آخر، أي أنّ العقل كموضوع بصفته عارفًا هو شيء موجود مع كل السمات الفئوية التي تمتلكها الأشياء الأخرى.

المصدر: John Anderson (1893-1962)John AndersonAnderson, John (1954) ‘Politics and Morals,’ Australasian Journal of Philosophy 32: 213-22.Anderson, John (1958) ‘Realism’ The Australian Highway (Journal of the Workers Educational Association, Australia): Sept. pp 53 -56.Anderson, John (1959)‘The Illusion of the Epoch’ Australasian Journal of Philosophy 37: 156-67.


شارك المقالة: