أتدرون من هو صقر قريش؟

اقرأ في هذا المقال


صاحب المقولة

أبو جعفر عبد الله المنصور بن مُحمد بن عَلي بن عبد الله بن العباس بن عَبْد المُطلّب بن هَاشم القُرشيّ؛ وُلِدَ سنة 95 هجرية في منطقة الحُمَيمَة في الأردنّ؛ وهو الخليفة العشرون من خلفاء الرسول، والخليفة العباسي الثاني، وهُو المؤسس الحقيقي للدولة العباسية، وباني بغداد.

بُويعَ له بالخلافة في شهر ذي الحِجّة عام 136 هـ، بعد وفاة أخيه أبي العباس عبدالله السّفّاح، وكان السفاح أصغر منه سنّاً، ولكن تولّى الخلافة قَبله امتثالاً لوصية أخيهم إبراهيم الإمام، وكان السَّبب في هذا: هو أنَّ السَّفاح أمّهُ عربية حُرَّة، وكانت أم المنصور أَمَةً بربرية تُدعى” سَلّامه”.

ويُذكَر أنَّ أبا جعفر المنصور هو المُؤسِّس الحقيقيّ للدَّولة العبّاسية؛ فهو الذي أرسى السياسة في الدَّولة، وسَنَّ السُّنَن فيها، وهو الذي جعل لبني العبّاس سَنداً في وراثة الحُكم، إضافة إلى أنّه سَنَّ السياسة الدينيّة للدَّولة العبّاسية، وجعلها أساس الحُكم، وبفضل مُعاشرته للناس، وتعرُّضه للتجارُب، والمِحَن، فقد استطاع المنصور النهوض بالدَّولة العبّاسية، حيث أصبحت مركزاً للحضارة الإسلاميّة؛ بفضل جُهوده، وحُسن تدبيره.

شخصيّته

يتمتَّع أبو جعفر المنصور بالعديد من الصفات. فقدكان المنصور طويلاً، ونحيفاً، وأسمر البشرة. كان رَحب الجَبهة، ومُعرّق الوجه، وكان شُجاعاً حازماً ذا هيبة، ودهاء. كان حريصاً جمّاعاً للمال، ولا يُحبُّ اللهوَ، واللَّعب. كان فقيهاً، وأديباً، كما عُرِف عنه عِلمه، وحُسن مُشاركته. وعُرِفَ عنه من حيث شخصيّته القياديّة؛ أنَّه كان خليفة يعمل بكَدٍّ، وجدّ؛ فهو لم ينغمس في متاع الدنيا من لَهوٍ وسُلطة؛ حيث كان يشغل منصبه، وسُلطته للإهتمام بالدَّولة، وشؤونها، كما أنَّه كان على عِلم بقيمة المال، وأهمّيته؛ لذا فقد حرص على أن يُنفق المال فيما ينفع الناس، وكان رافضاً لتضييع الأموال في غير فائدة، وهذا ما جعل المُؤرِّخين يتَّهمونه بالبُخل.

كما كان المنصور يهتمّ بالتدقيق على اختيار الوُلاة؛ حتى يستطيع مُتابعة كلّ ولاية في دولته، وكان ينتدب في القضاء، والشرطة من هو أهلٌ لهذه الوظائف، إضافة إلى أنّه كان يُحاسِب كلَّ من يُقصِّر في عَمله.

تولَّى أبو جعفر المنصور خلافة الدَّولة العبّاسية بعد أبي العبّاس السَّفّأحمد عام 136 للهجرة، ومُنذ استلامه لحُكم العباسيّين اهتمَّ بثلاثة أمور كانت تُعَدُّ خطراً على دولته، وهذه الأمور هي:

مُنافسة عمِّه عبد الله بن عليّ له؛ لذلك فقد كان عليه إزالته من هذه المُنافسة، حيث أرسل جيشاً بقيادة أبي مُسلم الخراسانيّ، والتقوا عند حرَّان، وانتصر جيش أبي مُسلم بعد ستَّة أشهر من القتال، وبعد أنْ فرَّ عبد الله بن عليّ استطاع المنصور الوصول إليه، وحَبسهُ هو ومن كان معه.

ثُمَّ اتّساع نفوذ أبي مُسلم الخراسانيّ، ممّا جعله يُشكِّل خطراً على أبي جعفر المنصور؛ ولهذا استعمل أبو جعفر المنصور الدَّهاء معه، وولّاه على مصر، والشام بدلاً من خراسان.

وكذلك خَوف أبي جعفر المنصور من أن يخرج عليه أبناء عمومته من آل عليّ بن أبي طالب؛ لذا فقد اعتقلهم، ووضعهم في سِجن في العراق.

أعماله

بعد أن تخلَّص أبو جعفر المنصور من كلِّ خطر يُحيط بدولته، شَرع في بناء مركز للعبّاسيّين في مدينة بغداد التي بُنِيت بمبلغ كبير من المال، وقد كانت بغداد مُميَّزة عن غيرها من المُدن، فلا نظير لها في فخامتها، وقَدرها؛ فهي مدينة العُلماء، والأعلام، وقد أصبحت سيِّدة البلاد، ومركز الحضارة الإسلاميّة؛ إذ أحضر المنصور إليها العُلماء من كافّة الدُّول، والأمصار، ووصل عدد سُكّانها إلى المليونَين، وقد بُنِيت بغداد خلال أربع سنوات، وكانت ذات تنظيم دائريّ، ولها ثلاثة أسوار، لكلِّ سور منها أربعة أبواب، هي: باب الشام، وباب البصرة، وباب خراسان، وباب الكوفة، علماً بأنّ المنصور شرعَ عام 151 للهجرة في بناء مدينة لابنه المهديّ، وهي مدينة الرُّصافة، وجدَّد فيها البيعة لنفسه، ومن بعده المهدي، ومن بعد المهدي عيسى بن موسى.

أراد أبو جعفر المنصور أن تنهض الدَّولة العبّاسية بالعِلم، والتعليم؛ ولذلك كتب إلى ملك الروم، وطلب منه أن يبعث إليه كُتب تعليم مُترجَمة، فبعث إليه ملك الروم كُتب الطبيعيّات، بالإضافة إلى كتاب إقليدس، كما أنّه فكَّر في إنشاء مكتبة خاصَّة بالمُسلمين، وأمر بالترجمة من الكُتب غير العربيّة، فبدأت حركة الترجمة في عهده من مُختلف اللُّغات (الروميّة، والفارسيّة، والسريانيّة)، كما طلب من العُلماء، والمُتخصِّصين ترجمة كُتب الطبِّ، والرياضيّات، والفلسفة، ومن أشهر الكُتب التي تُرجِمت في عهده كتاب( كَليلة ودِمنة)، وكذلك كتاب( السِّند هند)، وكتاب( أرسطاطاليس).

وفاته

تُوفِّي أبو جعفر المنصور في عام 158هـ، وهو في طريقه نحو مكَّة المُكرَّمة؛ لأداء فريضة الحجِّ فيها، وقد دُفِن في مكَّة المُكرَّمة، عِلماً بأنَّ الحاجب( الربيع) لم يُفصِح عن مَوته حتى أخذ البيعة من قادة بني هاشم للمهديّ، ثمّ أعلَن وفاته، وتمّ دَفْنه، ويُذكَر أنَّ آخر ما قاله الخليفة أبو جعفر المنصور قبل وفاته هو:( اللهمَّ بارك لي في لِقائك).

قصة المقولة

جلس أبو جعفر المنصور يوماً في أصحابه، فسألهم:« أتدرون من هو صقر قريش؟»، فقالوا له:« أمير المؤمنين الذي رَاضَ المُلك، وسكّن الزَّلازل، وحَسم الأدواء، وأباد الأعداء». فقال لهم: ما صنعتم شيئاً، قالوا: فَمُعاوية، قال: ولا هذا، قالوا: فعبدالملك بن مروان»، قال: لا. قالوا: فمن يا أمير المؤمنين، قال: صقر قريش” عبد الرحمن بن معاوية” الذي تَخلّصَ بِكَيدهِ عن سَنَن الأسنّة، وظُبّات السيوف، يَعبُر القَفر، ويركب البحر، حتى دخل بلداً أعجميّاً. فَمَصّر الأمصار، وجَنّد الأجناد، وأقام مُلكاً بعد انقطاعه بحسن تدبيره، وشدّة عزمه.

ثمَّ قال لهم:” إنَّ معاوية نهضَ بمَركبٍ حَملهُ عليه عُمر وعثمان، وَذَلّلا له صُعَبه، وعبدالملك ببَيعةٍ تقدَّمت له، وأمير المؤمنين( يعني عن نفسهِ) بطلبٍ من عِترَتهِ، واجتماع شِيعتهِ. أمّا”عبدالرحمن بن معاوية” منفرداً بنفسه، مؤيدٌ برأيه، مُستَصحِباً عَزمهُ”.

وصقر قريش لقبٌ أُطلِق على” عبدالرحمن بن معاوية”؛ أو عبدالرحمن الدّاخل، وهو مُؤسِّس الدولة الأمويّة في الأندلس، وحفيد الخليفة الأمويّ هشام بن عبدالملك الذي استطاع أن يُثبت للناس جميعاً أنّ الإسلام باقٍ في الأندلس، ولم يمت، واستمرَّت مُدّة حُكمهِ 34 عاماً، حَكَم فيها الأندلس حتى تُوفِّي فيها رَحِمَه الله.


شارك المقالة: