تفسير سورة الأحزاب

اقرأ في هذا المقال


قال تعالى في محكم كتابه العزيز : ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (١) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (٢) مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤)) صدق الله العظيم.

مناسبة التسمية:

أنّ الله ذكر في السورة أحزاب المشركين، ومن قام بمشاركتهم ممّن كانوا يريدون غزوَ المدينة، فردهم الله خائبين.

موافقة أول السورة لآخرها:

بدأت السورة الكريمة بقوله تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ ٱتَّقِ ٱللَّهۚ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ) صدق الله العظيم، أمرٌ للنبي صلى الله عليه وسلم بتقوى الله عز وجل، وختمت بقوله تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَقُولُوا۟ قَوۡلࣰا سَدِیدࣰا (٧٠) یُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَـٰلَكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِیمًا (٧١)﴾ صدق الله العظيم، وذلك لتأكيد أهمية التقوى، التي فيها سعادة العبد في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

سبب النزول:

ذكر الواحدي والقشيري والثعلبي والماوردي وغيرهم في أبي سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور عمرو(٣) بن سفيان، نزلوا المدينة على عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين بعد أحد، وقد أعطاهم النبي ﷺ الأمان على أن يكلموه، فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وطعمة بن أبيرق، فقالوا للنبي عليه الصلاة والسلام وعنده عمر ابن الخطاب: ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومناة، وقل إن لها شفاعة ومنعة(٤) لمن عبدها، وندعك وربك. فشق على النبي عليه السلام ما قالوا. فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي في قتلهم. فقال النبي ﷺ: (إنّي قد أعطيتهم الأمان) فقال عمر: اخرجوا في لعنة الله وغضبه. فأمر النبي ﷺ أن يخرجوا من المدينة، فنزلت الآية الكريمة. “يا أيها النبي اتق الله” أي خف الله .

المحور الرئيسي للسورة:

الاستسلام لأوامر الله تعالى ودينه.

مواضيع السورة المباركة:

  • تعريف الناس بمكانة النبي صلى الله عليه وسلم وعلو منزلته.
  • عدم ذكر اسم النبي عليه السلام عند النداء مثل باقي الأنبياء قال تعالى: (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ قُل لِّأَزۡوَ ٰ⁠جِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدۡنَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا وَزِینَتَهَا فَتَعَالَیۡنَ أُمَتِّعۡكُنَّ وَأُسَرِّحۡكُنَّ سَرَاحࣰا جَمِیلࣰا (٢٨)) صدق الله العظيم.
  • قال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ إِنَّاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ شَـٰهِدࣰا وَمُبَشِّرࣰا وَنَذِیرࣰا (٤٥) وَدَاعِیًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجࣰا مُّنِیرࣰا (٤٦)﴾. صدق الله العظيم، قال القرطبي: هذه الآية فيها تأنيس للنبي ﷺ وللمؤمنين، وتكريم لجميعهم. وهذه الآية تضمنت من أسمائه ﷺ ستة أسماء ولنبينا ﷺ أسماء كثيرة وسمات جليلة، ورد ذكرها في الكتاب والسنة والكتب المتقدمة. وقد سماه الله في كتابه محمداً وأحمداً. وقال ﷺ فيما روى عنه الثقات العدول: (لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب.
  • صلاة الله وملائكته عليه قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰۤىِٕكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّۚ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا﴾ [الأحزاب ٥٦] صدق الله العظيم.
  • هو القدوة لجميع الناس في كل أفعاله قال تعالى: ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا﴾ [الأحزاب ٢١].
  • مكانة أمهات المؤمنين ونزول بعض الأحكام في حقهن قال تعالى: ﴿لَّا یَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَاۤءُ مِنۢ بَعۡدُ وَلَاۤ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنۡ أَزۡوَ ٰ⁠جࣲ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ حُسۡنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ یَمِینُكَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ رَّقِیبࣰا﴾ [الأحزاب ٥٢] صدق الله العظيم.

لطائف وحكم في السورة:

  • الذنب الذي تمّ ذكره في القرآن هو (الزواج من إمهات المؤمنين)  قال تعالى: (وَمَا كَانَ لَكُمۡ أَن تُؤۡذُوا۟ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَاۤ أَن تَنكِحُوۤا۟ أَزۡوَ ٰ⁠جَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦۤ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَ ٰ⁠لِكُمۡ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِیمًا) صدق الله العظيم.
  • قال تعالى: (لِّيَسْـَٔلَ ٱلصَّٰدِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ ۚ وَأَعَدَّ لِلْكَٰفِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا) صدق الله العظيم، قال العلماء: إذا كان الأنبياء يسألون فكيف من سواهم ؟ اللهم استرنا ولا تفضحنا.
  • قوله تعالى: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا (٦١) ﴾ صدق الله العظيم، قال عكرمة وشهر ابن حوشب: “الذين في قلوبهم مرض” يعني الذين في قلوبهم الزنى. وقال طاوس: نزلت هذه الآية في أمر النساء. وقال سلمة بن كهيل: نزلت في أصحاب الفواحش.
  • قال تعالى :﴿ياأيُّها النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾ صدق الله العظيم .
    قال الرازي: هو أنّ النبي عليه الصلاة والسلام كل لحظة كان يزداد علمه ومرتبته حتى كان حاله فيما مضى بالنسبة إلى ما هو فيه تركاً للأفضل، فكان له في كل ساعة تقوى متجددة، فقوله: ﴿اتق الله﴾ على هذا أمر بما ليس فيه، وإلى هذا أشار عليه الصلاة والسلام بقوله: «من استوى يوماه فهو مغبون»  ولأنّه طلب من ربه بأمر الله إياه به زيادة العلم حيث قال تعالى: ﴿وقل رب زدني علما﴾ [طه: ١١٤] وأيضا إلى هذا وقعت الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام: “ «إنّه ليغان على قلبي، فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة»  “ يعني يتجدد له مقام يقول الذي أتيت به من الشكر والعبادة لم يكن شيئا.
  • قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ صدق الله العظيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم (من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله) وقال سهل بن عبد الله: الصلاة على محمد ﷺ أفضل العبادات، لأنّ الله تعالى تولاها هو وملائكته، ثم أمر بها المؤمنين، وسائر العبادات ليس كذلك.
  • قال تعالى: (وَتُخۡفِی فِی نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِیهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَىٰهُۖ (٣٧) ﴾ صدق الله العظيم، عن علي بن حسين قال: كان الله تبارك وتعالى أعلم نبيه ﷺ أن زينب ستكون من أزواجه، فلما أتاه زيد يشكوها، قال: اتق الله وأمسك عليك زوجك، قال الله: ﴿وتخفي في نفسك ما الله مبديه﴾ صدق الله العظيم.
  • قوله تعالى: ﴿ما كانَ عَلى النَّبِيِّ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ في الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وكانَ أمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ صدق الله العظيم، قال الرازي: ثم بين أن تزوجه عليه السلام بها مع أنّه كان مبيناً لشرع مشتمل على فائدة كان خاليا من المفاسد.

المصدر: تفسير القرآن العظيم — ابن كثيرروح المعاني — الآلوسيفتح البيان — صديق حسن خانجامع البيان — ابن جرير الطبريزاد المسير — ابن الجوزي


شارك المقالة: