كيف أعاودك وهذا أثر فأسك

اقرأ في هذا المقال


يُعتبر المثل تعبيرًا عفويًّا عن المواقف أو الوقائع التي عايشها الناس، والمثل يتّسم بالإيجاز الذي يصل إلى حدّ البلاغة، وهو خلاصة لتجارب وحكم من سبق من أجيال، ومن أهم سمات وخصائص الأمثال البساطة في اللغة والعمق في المعاني وسهولة الكلمات، هذا بالإضافة إلى أنها تحاكي كل العقول على اختلاف أنماطهم و ثقافاتهم، كما أنها تمتاز بربط الجيل الحالي بمن سبقه من أجيال.

يزخر التراث العربي الأصيل بالحكم والأمثال، فمنها ما ضُمّن بيتًا شعريًّا قديم فصار مثلًا، وبعضها ما قيل في صورة موعظة وحكمة فصار مثلًا، وكل تلك الأمثال والحكم أتت نتيجة مواقف وحوادث متفرقة، والذي صار منها مثلًا، تناقلته الأجيال حتى يومنا هذا، للتعلم والعظة، والكثير من أمثال العربنجدها قد جرت على ألسنة الطيور والحيوانات، ومن هذه الأمثال المثل الذي هو بين أيدينا، وهو: “،كيف أعاودك وهذا أثر فأسك”، فقد قيل هذا المثل في قديم الزمان، وله قصة سيتم ذكرها فيما يلي من سطور.

فيم يضرب مثل: “كيف أعاودك وهذا أثر فأسك؟”

مثل “كيف أعاودك، وهذا أثر فأسك”، من الأمثال العربية السائرة، والتي تُضرب في المواقف التي يتبين فيها نكث العهد، ونقضه، والمبادرة بالغدر والطعن بالظهر.

قصة مثل: “كيف أعاودك وهذا أثر فأسك”:

أما قصة المثل فقد زعموا أنه في قديم الزمان، كان هناك أخوان يرعيان إبلًا لهما، وقد أجدبت بلادهما، وكان بالقرب منهما وادٍ فيه حية قد حمته من كل واحد، فقال أحدهما للآخر: يا فلان لو أني أتيت هذا الوادي المكلىء فرعيت فيه ابلي وأصلحتها، فقال له أخوه: إني أخاف عليك الحية، ألا ترى أنه لم يهبط أحد ذلك الوادي إلا أهلكته؟ فقال: فوالله لأهبطن، فهبط ذلك الوادي فرعى إبله به زمانًا، ثم إن الحية لدغته فقتلته، فقال أخوه: ما في الحياة بعد أخي خير و لأطلبن الحية فأقتلها أو لأتبعن أخي، فهبط ذلك الوادي فطلب الحية ليقتلها.

لما رأت الحية الأخ الغاضب، والراغب في الثأر لأخيه، قالت: ألم ترَ أني قد قتلت أخاك، فهل لك في الصلح، فأدعك بهذا الوادي فتكون به، وأعطيك ما بقيت دينارًا في كل يوم، قال: أفاعله أنتِ؟ قالت: نعم، قال: فإني أفعل، فحلف لها وأعطاها المواثيق أن لا يضرها، وجعلت تعطيه كل يوم دينارًا؛ فكثر ماله ونبت إبله، حتى كان من أحسن الناس حالًا، ثم ذكر أخاه فقال: كيف ينفعني العيش، وأنا انظر إلى قاتل أخي فلان، فعمد إلى فأس، فأخذها، ثم قعد لها، فمرت به، فتبعها، فضربها، فأخطأها، ودخلت الجحر، ووقع الفأس بالجبل فوق جحرها فأثر فيه، فلما رأت ما فعل قطعت عنه الدينار الذي كانت تعطيه، فلما رأى ذلك وتخوف شرها ندم، فقال لها: هل لك في: أن نتواثق ونعود إلى ما كنا عليه، فقالت: “كيف أعاودك وهذا أثر فأسك”، وأنت فاجر لا تبالي العهد، فكان أن صار حديث الحية والفأس مثلًا مشهورًا من أمثال العرب.

المثل وقصته في أشعار العرب:

أشار بعض الشعراء إلى مثل “كيف أعاودك وهذا أثر فأسك”، وقصته المعروفة في أشعارهم، وضربوه مثلاً لناكري المعروف، وناكثي العهد، فهذا النابغة الذبياني، قد قال:

“ليهنأ لكم إن قد نفيتم بيوتنا     مكان عبدان المحلى باقره
فلو شهدت سهم وأفناء مالك     فتعذرني من مرة المتناصرة
لجاءوا بجمع لم ير الناس مثله     تضاءل منه بالعشي قصائره
وإني لألقى من ذوي الضغن منهم     وما اصبحت تشكو من الشجر ساهرة
كما لقيت ذات الصفا من حليفها          وكانت تديه المال غبا وظاهره
تذكر أنى يجعل الله جنة              فيصبح ذا مال ويقتل واتره
فلما توفى العقل إلا اقله        وجارت به نفس عن الخير جائره
فلما رأى إن ثمر الله ماله        وأثل موجودا وسد مفاقره
أكب على فأس يحد غرابها     مذكرة بين المعادل باتره
فقام لها من فوق حجر مشيد     ليقتلها أو يخطىء الكف بادره
فلما وقاها الله ضربة فاسه          وللبر عين لا تغمض ناظره
تندم لما فاته الذحل عندما    وكانت له إذا خاس بالعهد قاهرة
فقال يمين الله أفعل إنني       رأيتك مسحورا يمينك فاجره
أبى لي قبر لا يزال مقابلي    وضربة فأس فوق رأسي فاقره”.

المصدر: الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة،حمزة بن حسن الأصفهاني،2000حدائق الحكمة"أقوال مأثورة من مدرسة الحياة"،نبيل أحمد الجزائري،2010أمثال وحكم،محمد ايت ايشو،2009الأمثال والحكم، محمد بن أبي بكر الرازي،2011


شارك المقالة: