من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه

اقرأ في هذا المقال


قال الله- عزّ وجلّ- في محكم كتابه: “وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ”، قام المبرّد بتعريف المثل، حيث قال: “المثل مأخوذ من المثال، وهو قول سائر يُشبّه به حال الثاني بالأول، والأصل فيه التشبيه”، أما ابن السّكّيت، فقال: “المثل لفظ يخالف المضروب له، ويوافق معناه معنى ذلك اللفظ، شبهوه بالمثال الذي يعمل عليه غيره، والأمثال نوعان: حقيقي، إن كان لها أصل معروف نقلت عنه وسيقت له، مثل “سبق السيف العذل” أي اللوم، وقد ذكر السيوطي في كتابه المزهر أن أول مثل جرى في العرب قولهم: المرأة من الممرأ، وكل أدماء من آدم.

أما النوع الثاني من الأمثال فهو فرضيّ، إذا كان يمثل على لسان حيوان أو طير أو حشرة، أو غيره، مثل “في بيته يُؤتى الحكم” فهو مرويّ على لسان الضب، ومثل: “كيف أعاودك وهذا اثر فأسك”، فهو محكيّ عن الحية، وهي قصص خرافية رمزية، شخصياتها حيوانية، لكن طبيعة الإنسان تشفّ وتتراءى من خلف هذه الشخصيات، وتكثر الفرضية في الأيام التي يكثر فيها الجور والاستبداد والتضييق على الهداة والمرشدين، فيضطرون للوصول إلى أغراضهم، مع الأمن على حياتهم، وعلى ما فيها من الترويح عن النفس ولطف المدخل وجمال الفكاهة، المطوية في تضاعيفها النصيحة، وذلك أعمل في النفس، وأدعى للاتعاظ، فهي قصص فيها طرافة وفكاهة وتسلية وحكمة.

قصة مثل “من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه”:

أما قصة مثل “من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه”، فيُروى أن فلاحًا كان عنده ثوران لحراثة الأرض، وكذلك كان يقتني حمارًا يركب عليه حين يذهب إلى عمله، وفي إحدى الليالي حدث أن الحمار رغب في أن يبدأ حديثًا مع واحد من الثورين، فسأله عن صحته وأحواله، فما كان من الثور إلا أن أجابه بأنه مرهق، ذلك أن صاحبه الفلاح يفلح عليه، فتبرع له الحمار بنصيحة، وقال: “اترك عليقك ولا تأكله هذه الليلة، فيظن صاحبنا أنك مريض ويعفيك من عملك”، وبالفعل قبل الثور بنصيحة الحمار وترك عليقه.

في صبيحة اليوم التالي أتى الفلاح، وألفى عليق الثور ما زال في معلفه، فقال: لا شكّ أن الثور مريض فتركه، واتجه إلى الحمار فربطه مع الثور الثاني وفلح عليه، عندئذ اعترف الحمار، وقال: “”صدق من سماني حمارًا، وما حدث اليوم دليل على حمرنتي”، وعندما عاد مساءً شكره الثور طالبًا منه نصيحة ثانية، فقال الحمار: لا توجد عندي غير نصيحة واحدة أنصح نفسي بها قبل الآخرين: “من تدخل بما لا يعنيه، لقي ما لا يرضيه”، وجرى جواب الحمار مجرى المثل إلى يومنا هذا.

المصدر: أمثال وحكم،محمد ايت ايشو،2009الأمثال والحكم، محمد بن أبي بكر الرازي،2011الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة،حمزة بن حسن الأصفهاني،2000حدائق الحكمة"أقوال مأثورة من مدرسة الحياة"،نبيل أحمد الجزائري،2010


شارك المقالة: