مواعيد عرقوب

اقرأ في هذا المقال


المثل هو عبارة تتصف يالإيجاز، محكمة البناء، وقد قيلت بلغة بسيطة فـي مواقف معينة من المواقف الحياتية، وهي تلخص تلك المواقف، وكما تظهر العبرة فيها، وتتناقلها الألسنة فتشيع وتنتشر، بحيث تصبح مثلًا يقوم الناس بترديدها وتكرارها في كل موقف، شبيه بالموقـف الـذي وردت فيـه.

فيمَ يُضرب مثل “مواعيد عرقوب”:

تُعد صفة إخلاف الوعد واحدة امن الصفات المذمومة، والتي نهى الله عزوجل عنها، فأن ينفذ المرء ما وعد من أهم صفات الإنسان الخلوق، حتى وإن كان الأمر فيه مشقة عليه، وقد احتوى موروثنا وثقافتنا العربية على الكثير من الحكم والأمثال والمقطوعات الشعرية التي تتحدث عن الوفاء بالوعد أو نكثه، وأما المثل الذي بين أيدينا فله طريفة قصة في خلف الوعد والإخلال بالقول، فصار المثل مضربًا بين الناس في تلك الصفة، وقد كتب عنه الشعراء، وصار مفضوحًا بين الناس، فهذا أحد الشعراء قد قال: وعدت وكان الخلف منك سجية مواعيد عرقوب أخاه بيثرب.

قصة مثل مواعيد عرقوب:

أما قصة مثل “مواعيد عرقوب”، فيُروى أنه كان هناك رجل من اليهود يعيش في مدينة يثرب، واسمه عرقوب، ويُضرب به المثل في الكذب، وإخلاف الوعد، وفي أحد الأيام أتاه أخاه في طلب له، فقال له عرقوب، وقد كان لديه نخلة يزرعها: حينما تثمر النخلة سأعطيك طلعها، فلما أثمرت النخلة عاد أخاه إليه مرة ثانية يطلب ما وعده به عرقوب، فما كان من عرقوب الكذاب إلا أن قال له دعها حتى تصير بلحًا، فلما أبلحت رجع إليه الأخ مرة ثالثة يسأله ما وعده به، فماطل عرقوب أخيه قائلًا : له دعها حتى تصير زهوًا.

انصرف أخو عرقوب، ورجع لما زهت يسأله عن ثمر النخلة، فقال له عرقوب: اتركها حتى تصبح رطبًا، وانتظر الأخ مرة أخرى، ولما أرطبت الثمار ذهب يطلبها، غير أن عرقوبًا الماكر طلب منه أن يدعها حتى تصير تمرًا، فلم يملك الأخ سوى الانتظار حتى يأتي عرقوب بما وعد، ولكنها لما أتمرت، صعد إليها عرقوب ليلًا، وجمع تمرها، ولما عاد الأخ لم يجد في النخلة شيئًا، فحزن كثيرًا.

بعد تلك القصة صار عرقوب الماكر مضربًا للمثل؛ ذلك أنه وعد أخاه وأخلف أكثر من مرة، فهو لم يخلف لأمر خارج عن يده، بل عمد إلى ذلك وقصد الخلف بالوعد، ولعل من أجمل الأبيات التي نظمها الشعراء في مثل مواعيد عرقوب:
أمنجزٌ أنتمُ وعدًا وثقت به أم اقتفيتم جميعًا نهجَ عرقوب.

وقال كعب بن زهير:

صارت مواعيد عرقوب لها مثلًا وما مواعيدها إلا الأباطيل

فليس تنجز ميعادا إذا وعدت إلا كما يمسك الماءَ الغرابيلُ.

المصدر: الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة،حمزة بن حسن الأصفهاني،2000الأمثال والحكم، محمد بن أبي بكر الرازي،2011أمثال وحكم،محمد ايت ايشو،2009حدائق الحكمة"أقوال مأثورة من مدرسة الحياة"،نبيل أحمد الجزائري،2010


شارك المقالة: