يا قدس يا محراب يا مسجد

اقرأ في هذا المقال


شخصيَّة فريدة تَجمع بين العلم والأدب؛ فهو مُرَبٍّ ومعلمٌ ومفكر وشاعر أصيل، أحدُ عمالقة الفِكر والأدب، وهو أديب ومُفكّر أردني؛ ويُعدُّ من الشعراء البارزين في الأردن، إذ يُعدُّ بِحقٍّ أحد أبرز الشعراء وأحد أعلام الشعر الإسلامي المعاصر، أخذ من كل قنوات الأدب؛ فكان شاعراً يتغنى بآمال وآلام الأمة، وكان له اليد الطُّولَى في الشعر حتى أطلق عليه الأدباء “شاعر الأقصى” و”شاعر القدس”، كما يُعدُّ من الشعراء الملتزمين شكلاً ومضموناً، يَستمِدُّ شعره من تصوّره الإسلامي الشامل.

صاحب المقولة

يوسف العَظم؛ ولد في مدينة معان جنوب الأردن عام 1931م، في أسرة مُتدَيّنة ذات دخل محدود، وعندما بلغ الخامسة من عمره أدخله والده كتاب البلدة عام 1936م؛ فدرس فيه القراءة وحفظ جزءاً يسيراً من القرآن الكريم، ودرس الابتدائية والإعدادية في معان، ثم انتقل إلى عمان وأكمل فيها دراسته الثانوية عام 1948م، وسافر بعد ذلك إلى بغداد ودرس فيها سنتين في كلية الشريعة، حيث تأثر خلال دراسته هناك بعدد من شيوخها من أمثال( نجم الدين الواعظ، وقاسم اللّقيني، وعبد القادر الخطيب، ومحمد محمود الصواف). ومن بغداد انتقل إلى القاهرة، حيث نال شهادة اللّيسانس في اللغة العربية من جامعة الأزهر عام 1953م، وحصل على دبلوم عالٍ في التربية من معهد التربية للمعلمين في جامعة عين شمس عام 1954م.

بدايات يوسف العظم

عندما تخرّج من هذه المحافل العلمية، حتى انطلق في نشاطه الثقافي والأدبي النابع من مُدّخراته الإسلامية المُتوهّجة، إذْ ركّزَ خُطاه في طريق الإنتاج الأدبي مقالاتٍ وبحوثاً وقصائد ومؤلفات.

وكان طموحه منذ طفولته أن يكون مربياً مسلماً ناجحاً؛ وقد حقّقَ الله أمنيَتهُ؛ إذ بدأ حياته العلمية مُدرّساً للثقافة الإسلامية والأدب العربي في الكلية الإسلامية بالعاصمة الأردنية عمان، واستمرَّ عمله هذا من عام 1954م حتى عام 1962م، وعلى الرغم من عِبء التدريس، الذي يكاد يستولي على وقت المُدرِّس كُلّه، لم يستطع حبس مواهبه الفكرية والأدبية.

نشاط وأعمال يوسف العظم التربويّة

عمل يوسف العظم في بداياتِ نشاطاتهِ وأعمالهِ في الحقل الصَّحفي، حيث تولّى رئاسة تحرير صحيفة الكفاح الإسلامي بعمان ما بين 1956م و1958م. ثُمَّ أسّسَ عام 1963م بالأردن مع عدد من المُرَبّين والمثقفين سلسلة مدارس الأقصى، التي جاوز عددها 15 مدرسة في مختلف محافظات المملكة الأردنية، وعمل مديراً عامّاً لها حتى آخر حياته.

ويبدو في العنوان الذي اختير لهذه المدارس( مدارس الأقصى)؛ إشارةٌ ناطقة بالأهداف البعيدة التي ترمي إليها، وهي إنشاء الأجيال المُزوّدة بالوعي العميق لواقع المؤامرة الصليبية اليهودية، التي لا تستهدف في منظورها البعيد سوى مَحقِ الإسلام وإزالة معَالمه، حتى يأتي الجيل الضائع الذي لا يعرف عن جذوره التاريخية والربانية شيئاً.

وشارك العظم أيضاً في عشرات المؤتمرات والمواسم الثقافية في العالم العربي والإسلامي، والمؤتمرات التي تقيمها روابط الشباب المسلم في الدول الأجنبية، إلى جانب مشاركته في عدد من اللِّقاءات والمؤتمرات المتخصصة والعامة في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.

أعمالهِ الإعلاميّة

وفي حقل الإذاعة والإعلام، قدم للإذاعة الأردنية أحاديث صباحية، وأسبوعية فكرية وأدبية ودينية كثيرة، كما قدم عدداً من التَّمثيليات التي تَعرِض الجانب المشرق من حياة المسلمين وتراث الإسلام العظيم، ومن أبرزها: “نور على الصحراء”، و”الفاروق عمر”، و”صلاح الدين الأيوبي”، و”عبد الحميد بن باديس”، و”ومضات نور”. وفي التلفزيون قدم كثيراً من الأحاديث والنَّدوات الفكرية والتربوية واللقاءات الأدبية.

أعمال يوسف العظم الأدبية والشّعريّة

قدَّمَ يوسف العَظم خلال رحلة حياته الثَّريّة، الكثير من المؤلفات والدراسات الإسلامية والفكرية، منها: “الإيمان وأثره في نهضة الشعوب”، “رحلة الضّياع للإعلام العربي المعاصر”، “المنهزمون”، “نحو منهاج إسلامي أمثل”، “الشعر والشعراء في الكتاب والسنة”، “قواعد وأحكام في الاقتصاد الإسلامي”.

ويلاحظ من خلال هذه العناوين مدى الأبعاد التي تعالجها، فالمسلمون -على الرغم من ادعائهم الإيمانَ- في أمسِّ الحاجة إلى إعادة النظر في تقديره ورصد آثاره في تغيير الواقع وتصحيح المسيرة البشرية، والانفعال به في كل صغيرة وكبيرة.

وقد قَدَّم يوسف العظم سلسلة من الكتب التربوية التي أراد لها أن تُؤلّف المنهاج الكامل للطفل المسلم، الذي هو في تقديره وتقدير المفكرين والعاملين للدعوة، الأساس الأول الذي عليه ينهض بناء المستقبل، فنجد هذه السلسلة تحمل عناوين: “مع الجيل المسلم”، “براعم المسلم في العقيدة”، “براعم الإسلام في الحياة”، “أناشيد وأغاريد”، “أدعية وآداب”، “مشاهد وآيات”، “أخلاق الجيل المسلم في الكتاب والسنة”، “ألوان من حضارة الأديان”، “العلم والإيمان للجيل المسلم”.

وفي ساحات الأدب كان يوسف العظم واحداً من الشعراء البارزين الذين ساعدوا في النهوض بالقصيدة من خلال ما قَدَّمهُ من أعمال شعرية مختلفة تعدّدَت موضوعاتها وأشكالها، وقد جعل جُلَّ شعره حول القضية الفلسطينية، وبخاصة القدس المحتلة والأقصى المبارك، فقد اهتمّ بالقضية الفلسطينية، حتى سُمِّي بـ (شاعر الأقصى)، وهو يستهوي القارئ بِتَصوّراته وانفعالاته، وبأسلوبه الذي يجمع في جَرسهِ المَنغُوم بين الرِّقّة والفخامة؛ وقد استولت على قلبه مآسي أمّته فكاد يَقِفُ شِعْرَه كُلّه على تصويرها في زَفَرات لاذعة لا تستسلم لليأس، بل تستثير الإيمان وتَشحَذ الهِمَم.

وله العديد من الدواوين الشعرية من أبرزها:

في رحاب الأقصى، نشر عام 1970م؛ عرائس الضياء، نشر عام 1984م؛ قناديل في عتمة الضحى، عام 1987م؛ الفِتيَة الأبابيل، عام 1988م؛ على خُطى حسّان، عام 1990م؛ لو أسلمت المُعلّقات، عام 2001م؛ قبل الرحيل، عام 2002م؛ وأناشيد وأغاريد للجيل المسلم.

وهذه السلسلة لم تقتصر على جانب دون آخر من جوانب الحياة الإسلامية، بل أحاطت بأهم القضايا التي ينطوي عليها نظام الإسلام الشامل لكل جوانب الحياة.

حياة يوسف العظم السياسيّة

في غِمَار السياسة، لمْ يَتردَّد يوسف العظم في خوض هذا المجال، إذ انتُخب عضواً في مجلس النواب الأردني عن محافظة معان لثلاث دورات: الأولى عام 1963م، والثانية عام 1967م، والثالثة عام 1989م، وكان مُقرراً للجَانٍ عِدّة في مجلس النواب، فكان مقرراً للجنة التربية والتعليم، وعضواً في لجنة الشؤون الخارجية، ثم عُيّن وزيراً للتنمية الاجتماعية عام 1990م.

وهذه بعض أشعاره عن آلام القدس المحتلة والأقصى الأسير، فيقول في قصيدة التي تحمل عنوان “القدس”:

يا قدس يا محراب يـا مسجـد
يا درة الاكـوان يـا فَرقـدُ.
سُفوحك الخُضر ربوع المُنـى
وتُربك الياقـوت والعَسجَـدُ.

كـم رُتّلـت فـي أفقهـا آيـة
وكـم دعانـا للهدى مُرشـدُ.

أقدام عيسى باركـت أرضهـا
وفي سماها قد سـرى أحمـدُ.

يا أفرع الزيتون فـي قدسنـا
كم طاب في أفيائها الموعـدُ.

أبعدَ ليثٍ في عريـن الشـَّرى
يَحـلّ كلـب راح يستأسـدُ.

أبعـد وجـه مشـرق بالتُّقـى
يَحـلّ وجـه كَالـِحٌ أربـدُ.

إنْ فـرَّقَ الغاصـب أرحامنـا
وقومنا في الأرض قد شُرّدوا.

فما لنـا غيـر هتـاف العـلا
إنـّا لغيـر الله لا نسـجـدُ.

وفاته

أكرمه الله عند موته بأن وافته المنيةُ وهو يؤدي الصلاة عن عمر يناهز 76 عاماً، فقد توفّي في 29 /7/ 2007م؛ حيث قضى معظم حياتهِ في محافل الفكر والأدب والدعوة والعمل الاجتماعي والتربوي.


شارك المقالة: