دور الفيلسوف مور في تكذيب المثالية

اقرأ في هذا المقال


انجذب الفيلسوف جورج إدوارد مور للفلسفة لأول مرة من خلال الاتصال مع ماك تاغارت، وتحت تأثير ماك تاغارت وقع لفترة وجيزة تحت تأثير المثاليةالبريطانية وخاصة عمل الفيلسوف فرانسيس هربرت برادلي، وهكذا عندما قام في عام 1897 بأول محاولته للفوز بزمالة جائزة في ترينيتي، قدم أطروحة حول الأساس الميتافيزيقي للأخلاق والذي يعترف فيها بمديونته لبرادلي ويقدم نظرية أخلاقية مثالية.

نقد مور للفلسفة المثالية بمفهوم المغالطة الطبيعية:

أحد عناصر النظرية الأخلاقية المثالية هو ما يسميه المغالطة المتضمنة في جميع التعريفات التجريبية للخير، والتي يمكن التعرف عليها على الفور باعتبارها مقدمة لادعائه الشهير في المبادئ الأخلاقية (Principia Ethica) بأنّ هناك مغالطة والتي أطلق عليها (المغالطة الطبيعية).

في جميع التعاريف الطبيعية للخير تشير هذه النقطة إلى أنّه على الرغم من أنّه سرعان ما رفض مور الفلسفة المثالية لبرادلي وماك تاغارت، فقد رأى أنّ انتقاداتهم للتجربة كما تمثلها فلسفة جون ستيوارت ميل كانت سليمة وحمل هذا العداء إلى التجريبية إلى الأمام في فلسفته الناضجة، وفي هذا الصدد لذلك كان لحماسه المثالي المبكر تأثير دائم على فكره.

مور ونقده لفلسفة كانط المثالية:

لا بد من مناقشة نقدية لفلسفة إيمانويل كانط الأخلاقية، فمن اللافت للنظر أنّه على الرغم من أنّ مور في نهجه العام واستنتاجاته يؤيد نوع المثالية التي قدمها برادلي إلّا أنّه ينتقد بالفعل مفهوم كانط للعقل العملي، حيث يجادل بأنّ استخدام كانط لهذا المفهوم يطمس التمييز بين القوة النفسية لإصدار الأحكام والاستدلالات وما هو حقيقي وموضوعي.

ويؤكد مور أنّ هذا التمييز لا يمكن إلغاؤه أو تجاوزه، ومن ثم كما يجادل فإنّ مفهوم كانط للأخلاق على أساس مبادئ مسبقة للعقل العملي لا يمكن الدفاع عنه، ومن السهل أن نرى كيف يمكن لهذا الخط الفكري أن يمتد إلى نقد عام لمفهوم كانط للأمر المسبق، وهذا التعميم هو بالتحديد ما قام به مور في أطروحته الناجحة عام 1898.

مور ونقده لفلسفة برادلي المثالية:

في الوقت نفسه الذي اكتشف فيه مور أنّ حماسه السابق لمثالية برادلي لم يكن له أساس جيد، على الرغم من أنّ الأمر لا يزال يستغرق بعض الوقت لقبول أنّ حجج برادلي وماك تاغارت ضد واقع الزمن معيبة، ولذلك في أطروحة 1898 هذه انقلب مور بشكل حاسم ضد الفلسفة المثالية وفي كلٍّ من شكلي كانط وبرادلي.

هناك عدة جوانب لهذا، حيث إنّه يرفض مفهوم كانط عن البداهة كشكل مشوش للذاتية (وهي العقيدة القائلة بأنّ المعرفة هي مجرد ذاتية وأنه لا توجد حقيقة خارجية أو موضوعية) أو النفسية، ويشير المقطع التالي من المبادئ الأخلاقية (Principia Ethica) وذلك في عام 1903 إلى جداله الذي يمكن العثور عليه في العديد من كتاباته في هذه الفترة:

“أن تكون صحيحًا يعني أن يتم التفكير بطريقة معينة لذلك من الخطأ بالتأكيد، ومع ذلك فإنّ هذا التأكيد يلعب الجزء الأكثر مركزية في ثورة كوبرنيكال للفلسفة عند كانط، ويجعل الكتلة الكاملة للأدب الحديث عديمة القيمة والتي أدت إلى نشوء تلك الثورة والتي تسمى نظرية المعرفة”.

إنّ التمييز الذي يعتمد عليه مور هنا بين الفكر من ناحية وما هو موضوعي أو حقيقي من ناحية أخرى هو التمييز الذي يمر عبر نقده للمثالية، ومن السياقات المبكرة الهامة التي شرح فيها الأمر مناقشته للمعنى في ورقته الشهيرة طبيعة الحكم في عام 1899 والتي تأتي إلى حد كبير من أطروحته عام 1898.

حيث يبدأ مور هنا بنسب وجهة نظر شبه تجريبية للمعنى لبرادلي كما هي مستخرجة من المحتوى الكلي والشامل للحكم، وهذا خطأ ولكن المهم هو أنّ مقابل هذا الرأي يرى مور أنّ المعاني التي يسميها (مفاهيم) ليست نفسية تمامًا، ويجتمعون معًا في افتراضات وهي (عناصر) الأفكار، وعلى هذا النحو يجب تمييزها بشكل حاد عن أي محتويات أو تمثيلات عقلية.

وفي الواقع لا تمثل المقترحات الحقيقية أو التي تتوافق مع حقيقة أو حالة حقيقية للأمور، بدلاً من ذلك هي مجرد حقائق، ولقد وضع هذه النقطة بوضوح شديد في مدخل قصير كتب بعد عام في (الحقيقة).

“يبدو واضحًا أنّ الحقيقة لا تختلف بأي شكل من الأشكال عن الواقع الذي كان من المفترض أن تتوافق معه فقط، فعلى سبيل المثال حقيقة أنني موجود لا تختلف بأي شكل من الأشكال عن الواقع المقابل عن وجودي فحتى الآن، وفي الواقع من تعريف الحقيقة بالرجوع إلى الواقع لا يمكن تعريف الواقع إلّا بالرجوع إلى الحقيقة”.

وكما رأى مور بعد عشر سنوات فإنّ هذه الميتافيزيقيا الراديكالية للقضايا الحقيقية بسيطة للغاية، ولكن في السياق الحالي ما يلفت النظر فيه هو الطريقة التي يتأرجح فيها بحد ذاته بين المثالية والواقعية، وإذا كان يُنظر إلى الافتراضات على أنّها محتويات حكم فإنّ التمسك بأنّ الواقع يشتمل فقط على افتراضات حقيقية يعني اتخاذ موقف مثالي.

وما يجعل الموقف واقعيًا في يد مور هو الواقعية التي لا هوادة فيها فيما يتعلق بالقضايا والمفاهيم، فعلى الرغم من أنّها أشياء محتملة للفكر فقد كتب مور: “هذا ليس تعريفًا لها وذلك لأنّه غير مبال بطبيعتهم سواء كان أي شخص يفكر فيهم أم لا”.

العمل الفلسفي تفنيد المثالية للفيلسوف مور:

تم تضمين أشهر انتقادات مور للمثالية في ورقته تفنيد المثالية (1903)، والموضوع الأساسي لهذه الورقة هو امتداد لتجربة الحس للتمييز القوي بين العقل وأشياءه التي واجهها المرء فيما يتعلق بالمعنى، حيث يركز مور هنا على حالة الإحساس باللون الأزرق، ويؤكد أنّ هذه التجربة هي نوع من الوعي الشفاف أو الإدراك للون الأزرق وهو ليس محتوى للتجربة على الإطلاق، ولكنه شيء حقيقي لا يعتمد وجوده على الخبرة.

حجته هنا هي في جزء منها فينومينولوجي: “عندما نحاول استبطان إحساس اللون الأزرق، كل ما يمكننا رؤيته هو اللون الأزرق”، ولكنه يجادل أيضًا أنّه لنفترض خلاف ذلك أنّ اللون الأزرق مجرد محتوى من التجربة، وهو افتراض أنّها نوعية من التجربة، بحيث تكون التجربة زرقاء إلى حد كبير بالطريقة التي تكون فيها حبة أو الخرزة الزرقاء تكون زرقاء، وهو ما يعتبره سخيفًا.

ليس من المستغرب أنّ نقاد مور لم يكونوا سعداء بهذه المقارنة ولكن لم يكن ذلك حتى صياغة نظريةالظرفية للتجربة من قبل دوكاس في الأربعينيات والتي بموجبها الشخص الذي لديه إحساس باللون الأزرق هو شخص يشعر بالزرقة، وأنّ هناك استجابة قوية بشكل معقول لانتقاد مور.

ومع ذلك فإنّ الشيء الغريب في ورقة مور هو أنّه لا يقوم أو يبذل أي محاولة لمعالجة (الحجة من الوهم) الشهيرة، وهنا يخلص مور إلى أنّ: “الأزرق هو نفس الشيء، ومجرد محتوى بسيط، ومن تجربتي عندما أختبرها باعتباره الشيء الحقيقي الأكثر تعاليًا واستقلالية الذي أدركته على الإطلاق” وكذلك كان يدرك مبكرًا أنّه يجب أن يقال المزيد للتعامل مع الحالات التي يبدو فيها شيء ليس باللون الأزرق في الواقع.

نقد مور لنظرية الوحدانية في تفنيد المثالية:

يتعلق الجانب الأخير من استجابة مور النقدية للمثالية برفضه الوحدانية (هي نظرية أو عقيدة تنكر وجود تمييز أو ازدواجية في بعض المجالات، مثل تلك بين المادة والعقل أو بين الله والعالم) والتي كانت من سمات المثالية البريطانية.

هذه هي الفرضية الشاملة القائلة بأنّ الأشياء العادية مترابطة بشكل أساسي بطريقة حميمة بحيث تشكل معًا وحدة عضوية، والتي هي بمعنى ما الشيء الوحيد الموجود حقًا لأنّه الشيء الوحيد الذي لا يعتمد وجوده على وجود أي شيء آخر.

هذه الأطروحة مميزة بشكل خاص لمثالية برادلي والتي وفقًا لها المطلق هو الشيء الوحيد الحقيقي، وفي كتاباته المبكرة في كتاب مور للمبادئ الأخلاقية (Principia Ethica) شارك في قدر كبير من النقد الجدلي لهذه الأطروحة، ولكن من الصعب العثور على أي حجج ضدها، وعلى عكس التأكيد القوي على التعددية الواقعية.

وبدلاً من ذلك ركز مور لاحقًا في ورقته (العلاقات الخارجية والداخلية) والتي كُتبت عام 1919 على المفهوم المثالي للعلاقات الداخلية الذي يقع في قلب الأطروحة الأحادية (الوحدانية)، وتبدأ حجة مور ضد الأطروحة أنّ كل العلاقات داخلية تبدأ من الادعاء أنّ عبء الإثبات يقع على مناصريه، لأنّه يتعارض مع قناعتنا المنطقية بأنّ الأشياء ليست مترابطة بشكل أساسي، بحيث يستلزم التغيير في شيء ما في أحد الجوانب تغييرات في كل شيء آخر.

ثم يجادل مور بأنّ أفضل سبب يمكن أن يكون لدى المرء للأطروحة ينطوي على مغالطة منطقية، ويُظهر كيف أنّ الفرضية القائلة بأنّ جميع العلاقات داخلية قد تكون معقولة، ولكن بشكل خاطئ مستمدة من قانون لايبنيز، وهو المبدأ غير الخلافي الذي مفاده أنّ الأشياء التي تختلف في علاقاتها يجب أن تختلف في هويتها، وتبسيطًا قليلاً لذلك، سيتم استخدام مفهوم مور عن الاستحقاق والذي تعمل حجته على النحو التالي:

1- ينص قانون لايبنيز على ما يلي:

xRy يستلزم  (zRy ← x = z)

حيث (→) هو الشرط الوظيفي للحقيقة.

2- بما أنّ الاستنتاج هو اتصال ضروري فقد يستنتج المرء ما يلي:

(zRy ← x = z) بالضرورة → xRy

3- يمكن للمرء أن يستنتج على الفور:

(x = x → xRy) بالضرورة  → xRy

4- نظرًا لأنّ x = x هي نفسها حقيقة ضرورية، إذن فإنّه يمكن للمرء الآن الاستنتاج:

(xRy) → بالضرورة xRy

التي تعبر عن أطروحة مفادها أنّ جميع العلاقات داخلية.

لذلك في ظاهر الأمر تم استنتاج هذه الفرضية هنا من قانون لايبنيز، حيث يلاحظ مور مع ذلك أنّ الخطوة من (1) إلى (2) غير صالحة، حيث إنّه يخلط بين ضرورة الارتباط وضرورة ما يترتب على ذلك، وفي اللغة العادية لا يتم تمييز هذا التمييز بوضوح على الرغم من أنه من السهل رسمه بلغة رسمية مناسبة.

حجة مور هنا هي قطعة معقدة من المنطق النموذجي غير الرسمي، ولكن ما إذا كان الأمر حقًا يصل إلى قلب الدافع وراء مثالية برادلي المطلقة يمكن أن يكون موضع شك، فلا بد إذن أن تكون ديالكتيك برادلي تقوم على أطروحة مختلفة حول عدم كفاية الفكر كتمثيل للواقع، وبالتالي يتعين على المرء أن يتعمق أكثر في ميتافيزيقيا برادلي المثالية لاستخراج أسس وحدته ولإظهار الخطأ فيها.

المصدر: Philosophical Stiidies By G. E. MOORE, Litt.D. Hen. LL.D. fit. Andrew's, F.B.A. Lidurtr in Moral Science in the L'nrreisitv of Cambridge Author, NEW YORK HARCOURT, BRACE & CO. INC LONDON; KEGAN PAUL, TRENCH, TRUBNER & CO., LTD 1922.ETHICS G. E. MOORE, HUMPHREY MILFORD OXFORD UNIVERSITY PRESS LONDON, NEW YORK, TORONTO, First published in 1912 and reprinted in 1925 (twice), 1927, 1928, 1930, 1936, 1939, 1944 and 1945.G. E. Moore – A Defence of Common SenseG.E. Moore’s Principia Ethica and the Complex of Architecture G.E. Moore, “Certainty”Chapter I: The Subject¬Matter of EthicsGeorge Edward Moore


شارك المقالة: