شعر ابن الأبار البلنسي في الأندلس

اقرأ في هذا المقال


تميزت الأندلس في بداية عصرها في اطلاعها على جميع العلوم والآداب والثقافات، وازدهرت الحياة العلمية والأدبية بشكل لافت، ويرجع سبب ذلك إلى عدة عوامل مرت بها بلاد الأندلس آنذاك، وقد برز نخبة مميزة من علماء وحكماء وأدباء في الأندلس وخصوصًا بعد دخول أصول وأعراق متنوعة إلى أرض الأندلس، وقاموا على التأثير والتأثر في جميع مجالات الحياة الأندلسية، وسطع نجم العديد من الشعراء في الأندلس وقامت الطبيعة الأندلسية والحياة الاجتماعية والأحداث السياسية إلى دفعهم لنظم أجمل الأشعار.

تعريف بالشاعر ابن الأبار الأندلسي

اسمه محمد بن عبد الله بن أبي بكر القُضاعي، نشأ في مدينة بلنسية، وكان متعلق بمدينته بلنسية كثيرًا لدرجة أنه كان يحمل نسبها في اسمه وكان يُعرف بابن الأبار البلنسي، ويُقال أنه ولد في زمن دولة الموحدين بخلافة المنصور يعقوب بن يوسف، والذي عُرف بقوته وتمدد دولته وأنه لم يحكم الأندلس خليفة بعده عنده نفس الصفات.

نشأ ابن الأبار البلنسي وترعرع في أسرة ذات مكانة رفيعة ومشهورة بالعلم، وكان والده من أشهر علماء عصره، تعلم ابن الأبار على يد والده فترة من الزمن، ثم انتقل بعد ذلك في جميع أرجاء الأندلس باحثًا عن العلم، ولقد تلقى تعليمه تحت إشراف كبار الفقهاء وأدباء عصره، ونذكر منهم عالم الحديث الجليل الحافظ أبو الربيع بن سالم والذي بقي ابن الأبار في رفقته عشرون عامًا.

عُرف عن ابن الأبار بأنه كان موسوعة علمية قبل أن يصل لعمر الثلاثين، وكان كاتب عند الأمير محمد بن أبي حفص، ومن بعدها أصبح كاتب عند ابنه أبي زيد، وكذلك لزيّان بن مردنيش، وعندما سيطر ملك أراغون على مدينة بلنسية استنجد الزيّان بأبي زكريا الحفصي سلطان الدولة الحفصية وقد أرسل ابن الأبار مع وفد وطلب منه المساندة، وألقى ابن الأبار قصيدته السينية أمام السلطان التي أثرت في نفسه كثيرًا، يقول في مطلعها:

أدرك بخيلك خيل الله أندلسا

أن السبيل في منجاتها درسا

أثرت القصيدة في نفس السلطان الحفصي كثيرًا مما دفعه ذلك إلى إرسال جيشه إلى مدينة بلنسية لمساندة أهلها ومساعدتهم، ولكنه فشل في مساعدة المدينة مما دفع إلى الاستسلام، وبعد هذا الحصار واستسلام مدينة بلنسية قام ابن الأبار بمغادرة المدينة مع أسرته متوجهًا إلى تونس عند السلطان الحفصي الذي اهتم فيه كثيرًا، وعمل كاتبًا في ديوان السلطان، وكان مكلف بوضع العلامة السلطانية على الرسائل والمنشورات التي صدرت من القصر.

لم يدُم ابن الأبار في قصر السلطان، حيث أن الحاقدين والحاسدين حاموا حول السلطان وأخذ السلطان يستمع إليهم، مما أدى إلى الطلب من ابن الأبار أن يترك مكان العلامة ليستلمها الخطّاط الذي أتى بعده، وبقي هو في إنشاء الرسائل فقط، لكن ابن الأبار لم ينصاع إلى هذا الأمر وغضب السلطان منه وطرده من عمله.

أحس ابن الأبار بالذنب وحاول أن يتدارك الوضع فقام على تأليف كتاب وأسماه إعتاب الكتاب، وقام على إهدائه لسلطان، ولجأ ابن الأبار إلى ولي عهد السلطان أبي يحيى كي يتشفع له عند والده السلطان، ورضي السلطان عنه وسامحه.

ولقد توفي نجل السلطان وولي عهده أبي يحيى قبل وفاة والده فتولى ولاية العهد أخاه المستنصر، والذي قام على إبعاد ابن الأبار وقتها إلى بجاية، وبعد فترة رضي عنه وأرجعه إلى عمله وكان ابن الأبار ينصحه والمستنصر يستمع إليه، ولكن أفعال ابن الأبار المتكررة أغضبت المستنصر منه حيث كان يزري به في مجالسه، وقيل أنه قام بهجاء المستنصر في بعض من الأبيات الشعرية، فغضب المستنصر وأمر بقتل ابن الأبار وحرق جثته وجميع كتبه ومؤلفاته وإنجازاته العلمية.

مؤلفات ابن الأبار البلنسي

تلقى ابن الأبار التعليم في بداية حياته في مدينة بلنسية على يد أشهر علماء مدينته ونذكر منهم أبي عبد الله بن نوح، وابن واجب وكذلك أبي جعفر الحصّار وغيرهم الكثير، وكان على اتصال بأبي الربيع أشهر محدث آنذاك، ولزمه زهاء العشرين عامًا، وهو الذي قام بتعليم ابن الأبار الكتابة، وعُرف عن ابن الأبار أنه ألف خمسة وأربعين كتاب، لكنه لم يتوفر منها إلا ستة كتب عن الحديث والأدب والتاريخ وهي:

1ـ التكملة لكتاب الصلة: ويتناول هذا الكتاب تراجم علماء الأندلس وشعرائها، ويعد هذا الكتاب بمثابة معجم كبير يتضمن ترتيب أسماء علماء وشعراء الأندلس حسب أبجدية الأسماء، ويعد كتابه هذا بمثابة موسوعة تاريخية، يتحدث في هذه الموسوعة عن الأندلس وأشهر رجالها، وكان لأستاذه أبو الربيع الفضل في دفعه لكتابة هذا المؤلف، وبقي ابن الأبار يراجع ويعدل في هذا الكتاب زهاء العشرين عامًا.

2ـ المعجم في أصحاب القاضي أبي علي الصدفي: وهو عبارة عن ترجمة لمجموعة من العلماء والأئمة في الأندلس من تلامذة الفقيه المحدّث الصدفي.

3ـ الحلّة السيراء: يتناول هذا الكتاب الحديث عن الأعلام السياسية والحروب من رجال الأندلس وكذلك رجال المغرب، ويعد هذا الكتاب من أشهر مؤلفاته، ولقد أهداه إلى السلطان الحفصي الذي استقبله بحفاوةٍ عندما خرج من مدينة بلنسيه، ويحتوي هذا الكتاب على أشهر أشعار الملوك والأمراء والسلاطين.

4ـ تحفة القادم: يتحدث هذا الكتاب عن قصائد الشعراء في الأندلس، وتناول فيه سيرة وكتب مئة شاعر وشاعرة في الأندلس، وخصوصًا الوافدين منهم إلى البلاد.

5ـ درر السّمط في خبر السّبط: هذا الكتاب يُظهر لنا مدى تعلق الشاعر ابن الأبار بآل البيت، إذ يتحدث هذا الكتاب عن أخبار الحسين بن علي.

6ـ إعتاب الكتّاب: وفي هذا المؤلف يروي ابن الأبار للسلطان الحفصي القصص، ويبين مسامحة ومغفرة الملوك عن أخطاء وعثرات الكتاب، ولهذا الكتاب قيمة تاريخية كذلك قيمة إنسانية لأنه يدفع بالمتلقي إلى التحلي بالصبر والعفو عند المقدرة.

ابن الأبار موسوعة علمية

تميز ابن الأبار بعلمه وأدبه خصوصًا في نظم الشعر، وكذلك حفظ الأحداث والتواريخ، كما عُرف عنه أنه عالم بالحديث والفقه كذلك بشهادة أهل المشرق العربي وكذلك المغرب العربي، وتحدثوا عنه أشهر المؤرخين وهذا ابن خلدون يقول عنه: “كان الحافظ عبد الله بن الأبار من مشيخة أهل بلنسية وكان علامة في الحديث ولسان العرب وبليغًا في الشعر.”

وقال عنه المؤرخ المملوكي صلاح الدين الصفدي: “كان بصيرًا بالرجال، عارِفًا بالتاريخ، إمامًا في العربية، فقيهًا مقرئًا، إخباريًّا فصيحًا، له يدٌ في البلاغة، والإنشاء في النظم والنثر، كامل الرياسة، ذا جلالة وأبهة.”

نماذج من أشعار ابن الأبار البلنسي

بخيلك خيل الله أندلسا

أن السبيل فأدرك ي منجاتها دَرَسَا

وهب لها من عزيز النص ما التمست 

فلم يزل منك عز النصر مُلتمسا

وحاشِ مما تُعانيه حُشاشتها

فطالما ذاقت البلوى صباح مسا

وقصيدته التي تغنى بها في الطبيعة الخلابة لبلاد الأندلس حيث يقول:

زار الحيا بمزاره البستانا

وأثار من أزهاره ألوانا

فعذابه بصنوه يختال في

حلل النضار مونقا ريانا

ويميس ألوانا فتنبهر خردًا

تثني القدود لكافة وريانا

وفي النهاية نستنتج أن بلاد الأندلس تميزت وازدهرت في بداية عصرها بأدبها وأيضًا ثقافتها، وتميز معها نخبة من الشعراء الذين واكبوا جميع الأحداث التي جرت في الأندلس وأبدعوا في نظم القصائد الشعرية.

المصدر: تاريخ الأدب الأندلسي عصر الطوائف والمرابطين، تأليف إحسان عباس 2008كتاب المائيات في الشعر الأتدلسي عصر ملوك الطوائف 2016الأخلاق الأسلامية في الشعر الأندلسي عصر ملوك الطوائف د. يوسف شحدة الكحلوت 2010صورة الممدوح في الشعر الأندلسي عصر الطوائف 2015مختارات من الشعر الأندلسي 2008


شارك المقالة: