صورة المرأة في الشعر الأموي

اقرأ في هذا المقال


احتلت المرأة في العصر الأموي مكانة مرموقة على عكس مكانتها في العصور السابقة؛ وذلك بسبب النظرة الجديد للقيم وثوابت، إذ قاموا على تطويرها لتواكب التطور الحضاري في تلك الفترة، كما شهدت هذه الفترة تحولًا حاسمًا في تاريخ المجتمع المشرقي وتحول من البداوة إلى التحضر والانفتاح ولقد غير هذا التطور النظرة إلى المرأة في تلك الفترة.

صورة المرأة الأم في الشعر الأموي

بقيت الأنثى محافظة على رُقي مكانتها في المجتمع المشرقي وكان للأنثى في تلك الفترة شأن عظيم، ولهن شهرة واسعة وفي منظور أهل المشرق فإن الأنثى لا تعلو مكانتها إلا عندما تصبح أمًا، وبلغت المرأة مكانة عالية حتى أن بعض القبائل كانت تسمى باسم الأنثى الأم مثل قبيلة بجيلة.

ونرى الأنثى الأم تحتل مكانة عند رواد الشعر وتظهر بأسمى وأرق الصور، ويتضح هذا الشيء في أبيات مالك بن الريب الذي رسم للأم الحنان والعاطفة بأجمل اللوحات المعبرة، ويقول:

وَلَكِن بِأَكنافِ السُمَينَةِ نسوَةٌ

عَزيزٌ عَلَيهِنَّ العيشَةَ ما بِيا

صَريعٌ عَلى أَيدي الرِجالِ بِقَفرَةٍ

يُسَوُّونَ لحدي حَيثُ حُمَّ قَضائِيا

وَلَمّا تَراءَت عِندَ مَروٍ منِيتي

وَخَلَّ بِها جِسمي وَحانَت وَفاتِيا

وكذلك يناديها في أبيات أخرى بأم الصبيان ويقول:

أُمَّ الصَّبيينِ دومي إِنَّني رجلٌ

حَبلي لأهلِ النَّدى وَالوَصلِ مَمدودُ

لا تَسألي القَومَ عَن مالي وكَثرتِهِ

وَقَد يُقتِّرُ المَرءُ يَوماً وَهوَ مَحمودُ

وَسائِلي عِندَ جدِّ الأَمرِ ما حَسبي

إِذا الكُماةُ التَقى فُرسانُها الصيدُ

وَقَد أَروعُ سَوامَ الحَيِّ تحمِلُني

شَقاءُ مِثلَ عُقابِ الدجنِ قيدودُ

وكذلك نرى ذكر الأم في أبيات عمرو بن التميمي والذي يناديها بأسماء أبنائها، تارة يطلق عليها أم بدر ويقوله:

تَــصَــدَّت بَــعــدَ شــيــبِــكَ أُمُ بَــدرٍ

لِتَـطـرُدَ عَـنـكَ حِـلمَـكَ حـيـنَ ثـوابـا

بِــجَــيــدِ غَــزالِ مُــقـفِـرَةٍ وَمـاحَـت

بِـــعـــودِ أَراكَــةٍ بَــرَداً عِــذابــا

كَـــأَنَّ سُـــلافَــةً خُــلِطَــت بِــمــســكٍ

لِتُــعــليَهــا وَكــانَ لَهـا قِـطـابـا

تَــرى فــيــهـا إِذا مـا بَـيَّتـَتـهـا

سَـواري الزَوجِ وَالتـثـمَ الرُّضـابا

كما يناديها أيضًا أم بهدل ويقول:

فهل أنت بعد الصرم من أم بهدل

من المونس النائي المودة آيس

كما قام رواد الشعر بتصوير المرأة بالظبية الأم التي تعرف بفيض حنانها ورقتها:

وَكَأَنَّما نَظَرَت بِعَينَي ظَبيَةٍ

تَحنو عَلى خِشفٍ لَها وَتَعَطَّفُ

تَحنو عَلى خِشفٍ لَها وَتَعَطَّفُ

مِثلَ النَزيفِ يَنوءُ ثُمَّتَ يَضعُفُ

ثَقُلَت رَوادِفُها وَمالَ بِخَصرِها

كَفَلٌ كَما مالَ النَقا المُتَقَصِّفُ

وَلَها ذِراعا بَكرَةٍ رَحبِيَّةٍ

وَلَها بَنانٌ بِالخِضابِ مُطَرَّفُ

ونرى ذكر الأم قد ورد في مقطوعات المدح وخاصة مدح ولاة الأمر، ومثال عليه قول جرير في مدح عمر بن مروان ذاكرًا والدته ويقول:

عَلَيكُم ذا النَدى عُمَرَ بنَ لَيلى

جَواداً سابِقاً وَرِثَ الجِيادا

إِلى الفاروقِ يَنتَسِبُ اِبنُ لَيلى

وَمَروانَ الَّذي رَفَعَ العِمادا

تَزَوَّد مِثلَ زادِ أَبيكَ فينا

فَنِعمَ الزادُ زادُ أَبيكَ زادا

ذكر جرير عمر بن مروان في أبياته مادحًا إياه بذكر جود أمه ومكانتها الرفيعة ويقول:

سَمَت بِكَ خَيرُ الوَلِداتِ فَقابَلَت

لِلَيلَةِ بَدرٍ كانَ ميقاتُها قَدرا

فَجاءَت بِنورٍ يُستَضاءُ بِوَجهِهِ

لَهُ حَسَبٌ عالٍ وَمَن يُنكِرُ الفَجرا

وَمَنسوبَةٍ بَيضاءَ مِن صُلبِ قَومِها

جَعَلتَ الرِماحَ الخاطِراتِ لَها مَهرا

ونرى ذكر الأم قد برز في شعر أبنائهن فقد اعتزوا بأمهاتهم ومثال على ذلك قول عنبسة:

كنا بخير صالحًا ذات بيننا

قديمًا فأمست فرقت بيننا هندُ

فإن تك هند لم تلدني فإنني 

البيضاء ينميها غطارفة نجد

أبوها أبو الأضياف في كل شتوةٍ

ومأوى ضعاف لا تنوء من الجهد

وكما ورد ذكر الأم في مدح ولاة الأمر فقد همَّ رواد الشعر إلى التغزل بأمهات الحكام، ومثال على ذلك ما خطه قلم العرجي فتغزل بوالدة الأمير المخزومي:

عُوجِي عَلَينا رَبَّةَ الهَودَجِ

إِنَّكِ إِن لا تَفعَلي تَحرُجي

أَيسَرُ ما نالَ مُحِبٌّ لَدى

بَينِ حَبيبٍ قَولُهُ عَرِّجِ

تُقضَ إِلَيهِ حاجَةٌ أَو يَقُل

هَلأ لِيَ مِمّا بِيَ مِن مَخرَجِ

كما شاهدناها في مقطوعات الهجاء فرغم مكانتها وشرفها، ولكن رواد الشعر حولوا كل تلك السمات إلى صفات شر وقبح وشاع الهجاء بعبودية الأم وَعملها وخدمتها وخصوصًا حلب الغنم؛ لأن هذه المهنة هي من عمال الرجال ومثال على هذا الهجاء ما ذكره الفرزدق قائلاً:

وَلَكِنَّهُ مِن نَسلِ سَوداءَ جَعدَةٍ

نُمَيرِيَّةٍ حَلّابَةٍ في المَعالِقِ

فَقُلتُ وَلَم أَملِك أَمالِ اِبنَ حَنظَلٍ

مَتى كانَ مَستورٌ أَميرَ الخَرانِق

فَلَم تَطلُبِ السُقيا بِمِثلِ جُعالَةٍ

وَمُطلَنفِئٍ ضَخمٍ مُعَرّاهُ لازِقِ

ظهر هذا واضحًا كذلك في هجاء جرير للأخطلِ وعيّره بأمه قائلاً:

أفخر عبد أمه تغلبية

قد اخضر من أكل الخبيص نابها

ونراه في هجاء عمرو التميمي لأم جرير عندما قال:

يا ابن المراغة إن حمل نسائكم

ماءٌ يفصل به أرحام يربوعية

لكحت أزلَّ من الفحول عنودا

غذويةٌ رضعا لم تك أُمها

من قبل ذلك للكرام ولودا

صورة المرأة الزوجة في الشعر الأموي

وهذه الهيئة هي الشكل الغالب على سمة الأنثى في الكلام المنظوم، وأصبح للمرأة في هذا العصر راي حيث نراها تشارك في جميع الأمور وخاصة التي تتعلق بذاتها، فقد كانت تبدي رأيها في أمر زواجها ونراه تقبل أو ترفض، ومثال عليها خطبة محمد الخارجي لعائشة الخارجية فاشترطت عليه أن يستقر معها في البصرة فَيرفض ذلك قائلاً:

أَرِقَ الحَـزيـنُ وَعادَهُ سُهُدُه

لِطَـوارِقِ الهَـمِّ الَّتي تَرِدُه

وَذَكَــرتُ مَــن لانَــت كَـبِـدي

فَأَبى فَلَيسَ تَلينُ لي كَبِدُه

ونرى من خلال أبيات للأنثى أنها كانت ترفض الزواج بعد أن تم فتندم على ذلك ومثال على ذلك قول هند بنت النعمان عندما تزوجت من الحجاج وبعد ذلك ندمت قائله:

وَمــا هِــنــدُ إِلّا مُهــرَةً عَــرَبِــيَّة

يَـعِـزُّ لَهـا مـا بَـيـنَ اِترابِه مَثَل

فَلِلَّهِ ما أَبدَت يَدُ الدَهرِ اِذ تَري

سُــلالَةُ أَمــجــادِ تَــحَـلَّلَهـا بَـغـلُ

وكذلك نرى هجاء الزوجة قد شاع على أنسة الشعراء في تلك الفترة وهنا نرى قول أبو المنهال هاجيًا زوجته:

بُليتُ بِزِمَّردَةٍ كَالعَصا

أَلَصَّ وَأَسرَقَ مِن كُندُشِ

لَها شَعرُ قِردٍ إِذا اُزَّيَّنَت

وَوَجهٌ كَبَيضِ القَطا الأَبرَشِ

كَأَنَّ الثَآليلَ في وَجهِها

إِذا سَفَرَت بِدَدُ الكِشمِشِ

وهنا نرى قول الأعشى الهمدان هاجيًا أم الجلال عندما طلقها وخطب غيرها:

تَقادَمَ وُدُّكِ أُمَّ الجَلالِ

فَطاشَت نَبالُكَ عِندَ النِضالِ

وَطالَ لَزومَكَ لي حِقبَةً

فَرَثَّت قُوى الحَبلِ بَعدَ الوِصالِ

وَكانَ الفُؤادُ بِها مُعجَباً

فَقَد أَصبَحَ اليَومَ عَن ذاكَ سالي

صورة المرأة البنت في الشعر الأموي

برز لنا في شعر تلك الفترة فؤاد الأب الذي ينفطر خوفًا على بناته من غدر الزمن إن قرب أجله وهن في مقتبل العمر، فنرى الأب يصور ذلك في أبياته قائلاً:

لَقَـد زادَ الحَـيـاةَ إِلَيَّ حُـباً

بَــنـاتـي إِنَّهـُنَّ مِـنَ الضِـعـافِ

مَخافَةَ أَن يَرَينَ البُؤسَ بَعدي

وَأَن يَـشـرَبـنَ رَنـقاً غَيرَ صافِ

وَأَن يَعرَينَ إِن كُسِيَ الجَواري

فَـتَـنبو العَينُ عَن كَرَمٍ عِجافِ

ونرى الفرزدق يفتخر ببناته وأخلاقهن ويقول:

ما ضَرَّها أَن لَم يَلِدها اِبنُ عاصِمٍ

وَأَن لَم يَلِدها مِن زُرارَةَ مَعبَدُ

رَبيبَةُ دَأياتٍ ثَلاثٍ رَبَبنَها

يُلَقِّمنَها مِن كُلِّ سُخنٍ وَمُبرَدُ

إِذا اِنتَبَهَت أَطعَمنَها وَسَقَينَها

وَإِن أَخَذَتها نَعسَةٌ لَم تُسَهَّدُ

وفي النهاية نستنتج أن الأنثى حظيت في تلك الفترة بمنزلة مرموقة وكان شأنها كبير، وقد تم ذكرها في أبيات رواد الشعر مصورين بأنها أم حنونه، وكذلك زوجة وابنة كما تم ذكرها في أبيات المدح واتخذوها وسيلة للهجاء أيضًا وكان للابنة منزلة خاصة في قلب أبيها وذكرها بأجمل الأبيات.

المصدر: في الأدب العباسي تأليف محمد مهدي البصير 2020تاريخ الأدب العربي في العصر العباسي تأليف السباعي بيومي 2020أدب السياسة في العصر الأموي 2020شعر من المهجر تأليف محمد قرة علي 2018الأدب في العصر الجاهلي 2014


شارك المقالة: